Tuesday, August 23, 2011

لهذا أرفض العلمانية


بعيداً عن كل من وجهتي النظر المؤيدة للعلمانية كمخرج أوحد للبلاد والعباد من أزماتها والمعارضة للعلمانية كإحدى صور التبعية والتخلي عن الهوية، أجد نفسي مدفوعاً دفعاً أن أحسم أمري واتخذ موقف نحو هذه القضية بالانحياز إلى أحد الفريقين، ولكي يكون تصوري هذا مبني على حقيقة واجتهاد لا بناء على مجرد سماع من الآخرين - المؤيدين منهم والمعارضين – في برامج "اللك شو" قررت أن أبدأ بالبحث عن تعريف العلمانية عند مخترعيها وأصحابها الأصليين وطبعاً مع وجود الأنترنت كان الأمر سهل ويسير، فبمنتهى السهولة وجدت تعريف العلمانية على الويكيبيديا منقولاً عن دائرة المعارف البريطانية كالتالي:

" حركة اجتماعية تتجه نحو الاهتمام بالشؤون الأرضية بدلاً من الاهتمام بالشؤون الآخروية. وهي تعتبر جزءًا من النزعة الإنسانية التي سادت منذ عصر النهضة الداعية لإعلاء شأن الإنسان والأمور المرتبطة به بدلاً من الاهتمام بالله واليوم الأخر. فبدلاً من تحقيق غايات الإنسان من سعادة ورفاه في الحياة الآخرة، سعت العلمانية إلى تحقيق ذلك في الحياة الحالية ".

ظهرت أول مشاكل هذا المنهج من تعريفه، والكتاب يبان من عنوانه، فالعلمانية تطلب من اتباعها صرف اهتمامهم للدنيا بديلاً عن الآخرة، وهذا الطلب أجده يتعارض تماماً مع الركن الخامس من أركان إيماني الستة: الإيمان بالله – بالملائكة - بالكتب – بالرسل – باليوم الآخر – بالقدر، فكيف اتبع العلمانية عملياً واصرف اهتمامي عن الآخرة مع وجود يقين بداخلي أن أثر عملي في الدنيا لا يموت مع موتي وأتوجه بكل همتي نحو الدنيا بدلاً من الآهرة وأنا اقرأ الآية { بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى }[الأعلى:16-17]

الحقيقة أن هناك مخرجا أظن أن كثير من العلمانيين العرب ( المتدينين ) ينتهجوه وهو العلمانية بالنكهة الإسلامية وهو أن تؤمن إيمان الصنف الثالث، فتؤمن بالأخرة إيماناً نظرياً معلوماتياً مع قليل من الأداء الإنفعالي بين الحين والحين عند ذكر الموت أو الآخرة، أما في المنهج العملي فتظل جالس في مكانك إلى أن يأتي الجيش فيصبحك ويجتاحك.

ويقوم أصحاب هذا المخرج بتغيير مضمون مسمى العلمانية عند أهلها ويعيدوا حشوها بمفاهيم إسلامية ويعيدوا تقديمها وتسويقها للناس على أنها لا تتعارض مع الإسلام، ويذكرني ذلك بثمرة الكوسة .. فهذه الثمرة مثل علمانيتهم تفرغ من مضمونها، ثم يعاد حشوها بغير قلبها، غير أن الكوسة بعد تغيير مضمونها يتغير اسمها ليصبح عند العقلاء "محشي" .. أما العلمانية المفرغة من مضمون ما اصطلح عليه أهلها تقدم بعد التفريغ وإعادة الحشو على أنها لازالت "علمانية" !!

والحقيقة إن درجة اللزوجة العالية في الصنف الثالث هذا تجعل هذا المخرج لا يناسبني.

فالعلمانية حسب تعريفها تسعى لإصلاح الدنيا بما توصلت إليه البشرية من علوم الدنيا حتى وإن لم يتوافق ذلك مع الشرائع الدينية، تماما كما فعلت أوربا المسيحية التي كانت قديماً تحارب الربا وتجعل آكل الربا كافر خارج من الملة وتزخر أدبياتها بالسخرية من آكلي الربا وتصورهم في أبشع الصور وتجعلهم دائما من اليهود لأن المسيحي الشريف لا يمكن أن يأكل الربا، ثم مع الوقت وزيادة حجم التبادل التجاري وسعي الأوربيين للربح الأكبر وسيطرة النظريات النفعية والمادية تخلت أوربا عن مسيحيتها – أو فلنقل طوعتها – لتجعل الربا ليس فقط مباح بل عماد اقتصادها ومؤسساتها.

المشكلة في هذا النهج المتعالى بعلوم الدنيا على شرائع الدين وهو أنه لا يمكث في الأرض إلا قليلاً ثم يظهر لنا كارثية الاعتماد عليه، ظهر ذلك في مثال الربا الذي نتحدث عنه لما توالت الأزمات الاقتصادية بسبب الأنظمة الربوية البنوك والبيوع الغير شرعية التي يعتمد عليها هذا النوع من الاقتصاد المفصول عن الدين، الأمر الذي دفع أكبر اقتصاديات العالم وبتحريض من الكنيسة نفسها للعودة إلى الشرائع الدينية بتحريم الربا والعودة إلى الفائدة صفر والاستفادة من أحكام الاقتصاد الإسلامي.

بمعنى آخر أن تخبط الإنسان في علوم الدنيا المضطربة أصلا لا يمكنه وحده أن يقيم شريعة تُصلح الدنيا، فما أن يقر قانون الإصلاح الزراعي كأسلوب عادل لتوزيع الثروات حتى يتم اكتشاف عجز الفلاح الفقير عن القيام بأعباء الزراعة ويتم التراجع عنه، وما أن يصعد قانون تأميم الشركات لمنع سيطرة رأس المال حتى يتم اكتشاف مساوئ ذلك ويعاد خصخصة الشركات وتخسر الأمة، وما أن تخترع التكنولوجيا النووية للأغراض الطبية إلا وتستخدم في إفناء البشرية.

بمعنى ثالث { يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ }[الروم:7] فعلم الإنسان بقشور الدنيا لا يمكنه من القيام بإصلاح حياته فيها فما بالنا إذا أضيف إهدار الآخرة أيضاً لهذا المنهج الضعيف، فلا هو أصلح الدنيا ولا هو أصلح الآخرة.

{ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }[البقرة:200-201]

في المقابل يقدم لي الإسلام نموذج متوازن لإصلاح الدنيا عن طريق الاهتمام بالآخرة.

فقاعدة العمل في الإسلام تستمد من الأثر : " اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا." والمقصود بها استمرارية العمل في أعمال الدنيا وإن لا أكف عن العمل مهما تعرضت لكبوات أو عقبات فغداً سأعيش لأزيل هذه العقبات وأحل هذه المشكلات وإن لم أحلها غداً فبعد غد أو بعده أو بعده، وبهذا المفهوم لا يكف الإنسان أبدا عن العمل لما فيه صلاح دنياه مهما تعرض لأزمات، وفي المقابل أعمل لآخرتي بكل الإخلاص والصدق وكأن هذا العمل الآخروي هو آخر ما افعله في حياتي.

لذلك لم يكن مستغرباً في الإسلام أن يباح للحجاج أن يتاجروا أثناء موسم الحج إلى الله ويعقدوا االصفقات وهم في حجهم { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ * لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ }[البقرة:197].

ولم يكن مستغرباً أن يؤمر الناس في المنهج الإسلامي بالسعي للمعايش تماماً كما يؤمرون بالصلاة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ }[الجمعة:9-10]

ولم يكن مستغرباً أن يؤجر مصلح أمر الناس في الدنيا بأكبر الأجر في الآخرة فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس "[مسلم]، أو ينال أجر المتصدقين في الآخرة لأنه زرع أو أزال أذى من الطريق فعنه صلى الله عليه وسلم قال : " ما من مسلم يغرس غرساً، أو يزرع زرعاً؛ فيأكل منه طير، أو إنسان، أو بهيمة إلا كان له به صدقة "[متفق عليه] وقال صلى الله عليه وسلم : " إماطة الإذى من الطريق صدقة "[صحيح الجامع].

ولم يكن غريبا بأن يستمر أمر المسلم بإصلاح الدنيا حتى وإن حضرت الآخرة وانقطعت أعمال الدنيا وقامت القيامة من حوله، فعن النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا قامت القيامة وبيد أحدكم فسيلة فاستطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها"[صحيح الجامع].

هذا التوازن والربط بين الإصلاح في الدنيا وتحقيق صلاح الآخرة في نفس الوقت يجعلني عندما انظر إلى المنهجين العلماني والإسلامي لأجد أن الطامحين للآخرة هم أكثر من يسعون لإصلاح الدنيا، بينما الواقفون عند حدود علمهم بالدنيا وما وصلوا فيها من قشور العلوم هم أعجز الناس أن يصلحوا دنياهم فضلاً عن أن يصلحوا آخرتهم، ولو قامت القيامة وبيد كل من المسلم والعلماني فسيلة فإن طالب الآخر سيبادر بزراعتها رجاء الثواب في الآخرة، أما مستبدل الآخرة بالدنيا سيرى أنه لا فائدة ولا جدوى من زراعة هذه الفسيلة وقد قامت القيامة.

Tuesday, August 16, 2011

الصنف الثالث


أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يضرب لنا مثلا لاختلاف ردود أفعال الناس نحو بعثته وما جاء به من الحق وتحذيره من غضب الله وعذابه شبه لنا حاله وحال الناس معه بمجموعة من الناس على سفر ولما جاء الليل دخلوا إلى إحدى الاستراحات ليرتاحوا حتى الصباح وبينما هم كذلك جاءهم نذير من بعيد يجري عليه علامات الفزع الشديد والخوف عليهم من خطر عظيم يكاد يصيبهم ويهلكهم ويصيح فيهم من بعيد أنه قد رأى عصابة قادمة إليكم عشان (يقلبوكم) فانجوا بأنفسكم، وتعبيرا عن خطورة الأمر الذي فيه هلاكهم لم يصبر حتى يصل إليهم ليخبرهم التفاصيل، فخلع قميصه من بعيد وأخذ يلوح به لهم ليجذب انتباههم للخطر القادم فيأخذوا حذرهم، فهو بهذا منذر عريان، وفي هذا الحرص على الإبلاغ بكل الوسائل المرئية والمسموعة تعبير عن شدة محبة هذا المنذر للناس وشفقته عليهم من الخطر القادم.

فكان ردود أفعال الناس كالتالي :

أما الصنف الأول فصدقه وشكره واعترف بفضله ونتيجة لهذا التصديق أنه قام من فوره وأثناء الليل فجمع حاجاته وركب سياراته وانطلق، فنجا رغم أنه سار على مهل لأنه نجا من العصابة فلم يعد هناك خطراً عليه يستدعي العجلة.

وأما الصنف الثاني فلم يصدقه واعتبره هوال للأمور أو كذاب ولذلك لم يفارفوا مكانهم وجلسوا حتى الصباح فاجتاحهم جيش البلطجية ( وأخد اللي وراهم واللي قدامهم )

هذه هي صنوف الناس المعتادة والتي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف.

لكن في وقتنا هذا هناك صنف ثالث غير معتاد، وغير طبيعي ... !!!

هذا الصنف الثالث قال: صدقت والله يا نذير، يا سلااام دا ربنا بعتك لينا رحمة والله، دا إحنا مش عارفين من غيرك كنا عملنا ايه؟؟ ... ربنا يجمعنا مع بعض دايماً يارب في الدنيا والآخرة، والله ما فيش زيك خالص، دا أنت تحل لنا مشاكل الدنيا وأنت تشرب فنجان من القهوة، .. ثم ماذا ؟؟؟ ثم جلس ولم يتحرك ... !!!!

النذير العريان يحذره وينبهه : ألا تصدقني ؟؟؟ قد جئتك بالحق. .. فيرد هذا الصنف العجيب: طبعا اصدقك ؟؟ يا سلام دا أنت حبيبي .. وأنا لا اقدر أن اكذبك فأنت عندي صادق مصدق وأنت عندي أغلى من أولادي !! والله العظيم مصدقك مليون المية ... ثم استمر في سمره وأكله وشربه حتى الصباح .. فهل نجا ؟؟

فرغم أنه اقسم أنه من المصدقين، وربما يظن في نفسه أنه فعلا مصدقاً، لكن تصرفه الغير مفهوم والمناقض لتصدقيه المزعوم لم ينفعه أمام الخطر القادم .. لم ينفعه التصديق بالكلام أمام هجوم الجيش .. فقد هلك مع الصنف الثاني المكذب.

[ الإيمان والتصديق هو ما وقر في القلب وصدقه العمل ]

Friday, August 12, 2011

هل نفهم معنى الشريعة ؟


في حديث فتى قريش المستئذن في الزنا كان الإجراء الأولي المتبع مع من يدعو لتعطيل حكم واحد أو بعض أحكام الشريعة - سواء كان هذا التعطيل على فرد واحد أو على كل الناس – هو الإنكار والزجر والتوبيخ المعبر عن الرفض وهو واجب عموم المسلمين بلا استثناء، وقد فعل الصحابة ذلك لأنهم تعلموا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي كثيرا ما عرض عليه العز والمنعة وأسباب النجاة من البطش والقهر في مقابل تنازله عن بعض أحكام الشريعة فكان يرفض رفضاً قاطعاً.

والإجراء الثاني الذي يجب أن يقوم به المسلمون مع دعوات تعطيل أحكام الشريعة يستمد من فعل النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل على الفتى وترجم له محاسن الشريعة، وأن الشريعة إذا منعت أمراً عليه فإن حقيقة ذلك المنع هو الخير له ولأهله وللناس أجمعين، وأنه إن وجد في نفسه حرجاً مما قضى الله تبارك وتعالى فعليه أن يطهر قلبه ويغير نفسه لا أن يسعى لتغيير الدين، لأن مقتضى الإيمان التسليم بحكم الله { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }[المائدة:65]

والنبي صلى الله عليه وسلم في سماحة وسعة صدر وفي كلمات بسيطة تناسب فهم كافة الناس شرح لذلك الفتى وترجم له مقاصد الشريعة بطريقة عملية تناسب حاجاته ومسألته.

فالشريعة هي السماحة وسعة الصدر واستيعاب الآخرين كما قال صلى الله عليه وسلم : " بعثت بالحنيفية السمحة ".

والشريعة هي رحمة الله للناس كافة { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } [الأنبياء:107]

والشريعة هي رفع الحرج وأسباب الضيق عن الناس { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ }[الحج:78]، { مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ }[المائدة:6]

والشريعة هي التيسير على الناس { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ }[البقرة:185]

والشريعة هي التخفيف على الناس { يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ }[النساء:28]

والشريعة هي التطبيق العملي لأمر الله تعالى { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }[النحل:90]

فواجب المسلمين الثاني وفقاً لحديث المستئذن في الزنا هو تبيان الشريعة ومقاصدها ومحاسنها للناس، تماما كما فعل قدوتنا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.

لكن للأسف نحن كأفراد مسلمين نعرض الشريعة بصورة عشوائية فتبدو للمستمع وكأنها شريعة قادمة من كوكب آخر، هناك من إذا سأل ماذا يحدث لو طبقت الشريعة ؟ فيجيبك أنهم لو ( طبقوا ) الشريعة - وكأنه غير مخاطب بالتكليف الآمر لتطبيق شرع الله – فسيجعلون الرجال يطلقون اللحية، وسيمنعون السجائر، وسيمنعون التلفزيون، وسيمنعون الخروج للشواطئ.

ولا أدري إن كانت هذه الشريعة فماذا كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم طوال 23 عام في وقت كان كل الرجال ملتحين ولم يكن هناك لا تلفزيون ولا سجائر ومكة والمدينة بلا شواطئ.

لقد قام النبي صلى الله عليه وسلم بتطبيق وتبيان الشريعة على أكمل وجه، لذلك تجد عمقاً في فهم الصحابة رضوان الله عليهم للشريعة، ومن المواقف المبهرة الدالة على هذا الفهم العميق لمحتوى الشريعة ومقاصدها موقف ربعي بن عامر مع رستم قائد الفرس، إذ لما طلب رستم من المسلمين أن يرسلوا إليه أحدهم ليعرض عليه دينهم، فأرسل إليه سعد ابن أبي وقاص فردا عاديا من عوام جيش المسلمين – لو طلب منا أوباما مبعوثاً يعرض عليه الإسلام لاحتارنا وخضنا وبحثنا وشكلنا لجنة من كبار علماء الإزهر ولفيف من رجالات الفكر الإسلام ليعرضوا دين الله -، أرسل سعد إلي رستم ربعي بن عامر جنديا من جنود المسلمين لا من قادتهم يحمل في قلبه مثله مثل سائر أفراد الجيش فهماً كبيراً لهذا لدين فلما سأله رستم عن دينه أجاب: ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.

يخرج العباد من طغيان البشر وتسلطهم واستعبادهم فالشريعة هي الحرية.

ويحقق العدل بين الناس جميعا فبعد أن كان إذا سرق الشريف يترك وإذا سرق الضعيف تقطع يده أصبح القانون سارياً على الجميع فلو أن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم سرقت لقطع محمد صلى الله عليه وسلم يدها فالشريعة هي العدالة.

ويسعى لإخراج الناس من ضوائق المعايش بالتوسعة عليه في معايشهم بما لا يخالف أوامر الله ويحقق لهم سعادة الدنيا والنجاة في الآخرة بخلاف ما تصنعه الأنظمة الغربية التي تسعي للتوسعة في الدنيا على حساب الآخرة، فالشريعة هي الإصلاح والتنمية.

إذا فربعي قدم الشريعة من خلال ثلاث محاور وهي الحرية والعدالة والإصلاح.

ولم يقتصر فهم مضمون الشريعة على المسلمين وحسب بل إن مجهود النبي صلى الله عليه وسلم في إفهام مقاصد الشريعة وصل حتى إلى غير المسلمين فتجد أن أبا سفيان وهو لا يزال على الكفر عندما يسأله هرقل إمبراطور الروم عن النبي صلى الله عليه وسلم ومع وجود قوم من قريش معه يسمعونه يقول أبو سفيان : " لولا الحياء أن يؤثر علي كذباً لكذبت في هذا الموطن " فاضطر إلى قول الحقيقة ومفهومه عن الإسلام فلما سأله هرقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وماذا يأمرهم ؟ قال أبو سفيان : " يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيء واتركوا ما يقول آباؤكم ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة ".

هذه هي الشريعة كما فهمها غير المسلم من النبي صلى الله عليه وسلم، فهمها على أنها التوجه الكامل لله عز وجل وحده لا لغيره من البشر، والدعوة إلى مكارم الأخلاق.

هكذا استطاع النبي صلى الله عليه وسلم أن يوصل مضمون الشريعة إلى المسلمين وغير المسلمين وهكذا كان فهمهم للشريعة وهكذا ينبغي أن نفهمها ونعرضها للناس جميعاً.

Thursday, August 11, 2011

الذين جعلوا القرآن عضين


لما جاء ذلك الشاب من قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب منه اسقاط حكم واحد من أحكام الشريعة - وهو حكم الزنا – عن شخص واحد فقط من أفراد المسلمين دون تطاول منه على الحكم ولا على مشرعه سبحانه وتعالى قام الصحابة إليه يزجروه ويوبخوه على فعله هذا منكرين عليه طلبه هذا، وردة فعلهم هذه تجعلنا نتسائل: إذا كان هذا هو رد فعلهم لمن طالب يإلغاء حكم شرعي واحد عن فرد واحد فكيف لو سمعوا من يطالب بإلغاء كثير أو معظم أحكام الشريعة عن جميع الناس ؟؟

إن هذا الموقف من الصحابة يعبر عن مدى فهمهم واستيعابهم لطبيعة هذا الدين الذي لا يقبل التعديل ولا التقسيم ولا يرتضي أنصاف الحلول، كما يظهر لنا ما ينبغي فعله أمام دعوات الاستغناء عن بعض أو كل الشريعة، فالصحابة - وهم في هذا الموقف يمثلوا أفراد المجتمع - عليهم أن ينكروا على أصحاب هذه الدعوات ويزجروهم ويوبخهوم، والنبي صلى الله عليه وسلم وورثته من العلماء والدعاة والمصلحين عليهم أن يبينوا لأصحاب هذه الدعوات فضل الشريعة عليهم أنفسهم وعلى أهلهم ومجتمعاتهم، وأن الشريعة إن حرمت شيء فلابد أنه سيعود في النهاية بالخير عليهم وعلي من حولهم.

والصحابة ما وصولوا إلى هذه المرحلة من الفهم العميق لطبيعة هذا الدين إلا لأنهم قرأوا القرآن فتعلموا منه قول الله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً }[البقرة:208] أي ادخلوا في كافة أحكام وشرائع الإسلام وجعل سبحانه في مقابلة ذلك اتباع خطوات الشيطان { ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}[البقرة:208]، فإما الدخول في كافة أحكام الإسلام وإما اتباع خطوات الشيطان.

ما وصل الصحابة إلى هذا الفهم العميق لطبيعة هذا الدين الغير تابع للاهواء ولا النفوس الأرضية إلا لما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم في مواقف كثيرة لا يقبل الاشتراط في دين الله أو التعديل فيه.

ففي وقت كان المسلمون مستضعفين، عرضت قريش على النبي صلى الله عليه وسلم إقامة الشريعة بشرط واحد وهو أن يتم تداول السلطة بين شريعة الله وبين شريعة اللات والعزى وفي مقابل يكفوا أيديهم عن أذى المسلمين، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، لأن كل شريعة الله تطبق على كل الناس في كل الوقت.

وفي وقت كان الكافرون ينالون من المسلمين دمائهم وأموالهم عرض النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام على بني عامر بن صعصعة فأعجبهم أمرالنبي صلى الله عليه وسلم ولكنهم اشترطوا في دين الله وأرادوا تعديل نظام الحكم الذي يضعه الله حيث يشاء ليكون لهم وحدهم دون غيرهم فأبى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أيضاً.

وعرض بنو شيبان نصرة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في كافة أرجاء المعمورة ولكنهم اشترطوا ألا يمارس الدعوة وألا تحدث مواجهة بينه وبين الفرس لما بينهم وبين الفرس من ارتباطات ومصالح فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : " إن دين الله عز وجل لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه ".

إن الصحابة شهدوا أن قوم أرادو تعديل الدين ليحددوا أوقات الجهاد في غير أوقات الحر فرد الله عليهم رداً شديداً ووصفهم بالجهل والفسق والكفر حتى أنه أمر النبي صلى الله عليه بترك الصلاة عليهم إذا ماتوا. هذا كله وهم لم يرفضوا الجهاد بالكلية وكل ما هنالك أنهم أرادوا تعديل دين الله عز وجل ليوافق رغباتهم الدنيوية فعكس ذلك حقيقة ما في قلوبهم من نفاق.

هذه المواقف وغيرها كثير جعلت الصحابة يعون جيداً أن هذا الدين غير خاضع لرغبات التعديل أو التحجيم أو التجزئة فأنكروا ووبخوا وزجروا من قام فيهم يدعوا لهذا الفعل الشنيع.

تعلم الصحابة أن تعديل وتغيير الأديان من أفعال غير المسلمين، كالمشركين لما عدلوا الأشهر الحرم ليوافق رغباتهم، أو من أفعال أحبار ورهبان من أهل الكتابالذين يحلون الحرام ويحرمون الحلال، فأنكر الله عز وجل عليه ذلك وقال لهم { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ }[البقرة:85]، أو من أفعال المنافقين الذين يقسمون الدين وفق مصالحهم { وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ }[النور:48-52]

قام الصحابة فزجروا ذاك الداعي إلى تعطيل حكم واحد من أحكام الشريعة على فرد واحد من أفراد المسلمين خشية أن ينزل عذاب الله وغضبه عليهم جميعا لأن الله توعد بذلك من يجعل القرآن أعضاء يعض على ما يشتهيه منه ويترك باقيه فقال { كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ * الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ }[الحجر : 90-91].

قام الصحابة على هذا الفتى يزجروه قبل أن يتكلم النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم علموا أن { الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ }[الأنفال:39] وأنه لا أحد أبداً يملك حق فك ختم رضى الله عز وجل عن هذا الدين { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا }[المائدة:3] ليقوم بتغيير وتعديل هذا الدين ثم يستطيع إعادة الختم مرة أخرى وإلا كان هذا كذباً وافتراءاً على الله تبارك وتعالى.

حتى النبي صلى الله عليه وسلم لا يملك حق تغيير هذا الدين يقول تعالى { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }[يونس:15]، والله عز وجل يبين ما سيفعله بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو مصطفاه وحبيبه إذا عدل أو غير في شريعة الله فيقول سبحانه وتعالى { تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ }[الحاقة:43-47] فكيف بمن هو دون النبي صلى الله عليه وسلم.

هذا الفهم وهذا الإنكار الذي يجب أن يكون عليه عموم المسلمين أمام دعوات إسقاط بعض أو كل أحكام الشريعة، أما موقف النبي صلى الله عليه وسلم فله مقام آخر إن شاء الله.

Thursday, August 04, 2011

حول القرآن في رمضان


يقول الله عز وجل { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ }[البقرة:185] والهدى هو الشيء المبلغ للغاية بأنسب وأيسر الطرق، فالتائه في الطريق إذا سأل الهداية فإنك تصف له في سماحة كيف يركب وكيف يسير إلى غايته بأقصر الطرق وأيسر المجهود عليه في أوفر الوقت، فإن لم تفعل كل ذلك معاً لم تكن له هادياً بل تكون مضللاً، والقرآن يهدي الناس إلى تحقيق غاية سعادتهم في الدنيا والآخرة بأسهل وأنسب الطرق لهم.

فالهادي لابد أن يكون متمتعاً بالوضوح وإحكام الكلمات، ولابد أيضا لأن يكون لديه الحكمة أي الدراية بأحوال الطريق وحاجة السائل، ونور البصيرة، والكرم فلا يكون بخيلا في النصح وإلا الإرشاد والمعلومة، والعزة فلا ينتظر من السائل مكافآة نظير إرشاده.

وهذه الصفات جميعها ذكرها الله عز وجل عن القرآن في القرآن .. وأقصى التحدي أن تشهد لنفسك ويعجز عدوك أن يكذبك.

فالوضوح تجده في قول اله تعالى عن القرآن { كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } [هود:1]
ووصف الحكمة في قول الله عز وجل { وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ }[الزخرف:4] فالقرآن يعلو ولا يعلى عليه وليس فوق القرآن مبادئ ولا دستور.
وسمى الله عز وجل قرآنه النور فقال تعالى { فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }[التغابن:8]
وهو القرآن الكريم إذ يقول ربنا تعالى { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ } [الواقعة:77-78]
وهو الكتاب العزيز كما يقول تعالى { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ }[فصلت:41]

ولما اجتمع في القرآن جميع صفات الدليل المرشد إلى الغاية قال الله عز وجل عنه { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}[إبراهيم:1] وأعطاه الله عز وجل للنبي وللمسلمين من بعده ليحكموه { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ }[المائدة:49].

والله عز وجل بين لنا أن هذا القرآن بما يحمله من أحكام هو مرشدنا وهادينا للشرف والرفعة لما قال سبحانه : { لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ }[الأنبياء:10] والذكر هنا بمعنى الصيت والشرف كأن تقول فلان له ذكر طيب أو فلان ذكره في كل مكان فتعني بها مكانته ورفعة شأنه، والمعنى أن الله عز وجل أنزل كتاباً فيه ذكرنا ورفعتنا عند الله وبين الأمم والشعوب.

ويقول الله تعالى أيضا { ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ }[ص:1] فهذا القرآن ذو المكانة والشرف وبالرغم من ذلك فالذين كفروا يتعززون في قبول القرآن وهم في ذلك في شقاق مع المؤمنين به لأنهم يصرون على عدم الإيمان بأحكام القرآن { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ }[سبأ:31] مهما ظهر لهم من عوار مناهجهم ودساتيرهم وفضل القرآن وعلوه عليها.

وأشد ما يُحارب في الإسلام هو حقيقة وجود القرآن بين المسلمين فمرة يقولون { إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ } [الفرقان:4] .. يزعمون أن النبي يتلقى دعماً خارجياً لترويج هذه الأفكار المكذوبة ومرة أخرى يسمونه أساطير الأولين { إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ }[الأنعام:25] وسموه سحر { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ }[الأحقاف: 7] وصرحوا بعداوة القرآن { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ }[فصلت:26] وهم هنا يظهرون فهما لطبيعة هذا الدين وأنهم إن أرادوا الغلبة والنصر على الإسلام فعليهم أن يحاربوا انتشار القرآن في حياة المسلمين وحصره على أرفف المكتبات والسيارات .. والمسلم عليه أن يعي أن الكافر يغلبه وينتصر عليه إن استطاع أن يصرفه عن القرآن وجعله يتخذ القرآن مهجوراً، فعندها سيكون ولا شك قد ترك الدين وعندها يشكوه الرسول إلى رب العالمين { وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا }[الفرقان:30].

وقد بينت لنا الشريعة الاستراتيجية التي ينبغي على المسلم أن يعملها لكي يكون آخذا للقرأن غير تارك ولا هاجر له.

وتتمثل هذه الاستراتيجية في ثلاثة محاور

المحور الأول: هو الأمر بالقراءة والاستماع

يقول الله عز وجل : { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ }[المزمل:20] وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: " اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه ". ‏وفي الترمذي عن عبدالله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها لا أقول: آلم حرف، ولكن ألف حرف وميم حرف ".

المحور الثاني: وهو التدبر

وهو المقصود من القراءة ولو كان مجرد قراءة القرآن هو الغاية المنشودة لما استدعى ذلك أن يأمرنا الله تبارك وتعالى بالاستعاذة من الشيطان الرجيم { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ }[النحل:98] ولكن لأن الغاية هي التدبر والشيطان حائل بين العبد وبين التدبر فقد أمرنا عند بداية القراءة أن نتهسأ للفهم والتدبر بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.

ولو كانت القراءة وخدها تكفي لما كان بيننا من يقرأ القرآن وهو مارق من الدين كما بين النبي صلى الله عليه وسلم وجاء في في البخاري عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم ، وصيامكم مع صيامهم ، وعملكم مع عملهم ، ويقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ".

ويبين لنا الله عز وجل في كلمات واضحة مباشرة الهدف من وجود الكتاب بيننا فيقول عز وجل { كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ }[ص:29] وعاب على قلوب أقوام مغلقة أمام تدبر القرآن عند السماع أو مع القراءة فقال { أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا }[محمد:24].

ولا يصح أبداً أن نتعامل مع القرآن بأقل من الطريقة التي نتعامل بها مع الصحف والجرائد والمجلات .. فالواحد منا إذا انتهى من قراءة الجرنال وسُئل ماذا قرأت ؟ يكر لك كل أخبار الجرنال كراً عن ظهر غيب وبعد قراءة واحدة له في جميع صفحاته رياضة وفناً وحوادث ... فكيف بالقرآن الذي نقرأه ونسمعه كثيراً ثم إذا قرأت صفحة أو اثنتين وسُئلت عن مضمون ما قرأت لا تستطيع أن تجيب !!، فهذا نتاج القراءة بدون تدبر.

المحور الثالث: وهو العمل بأحكام القرآن

عَنْ أبي عَبْدِ الرَّحمنِ السُّلَمِيِّ قالَ: " إِنَّا أَخَذْنَا القُرآنَ عَنْ قَوْمٍ، فأخْبَرُونا أَنَّهُم كانوا إذا تَعَلَّمُوا عَشْرَ آياتٍ لم يُجاوزوهنّ إلى العَشْرِ الأُخَرِ حتى يَعْلَمُوا ما فيهنَّ مِنَ العِلْمِ. قالَ: فَتَعَلَّمْنا العِلْمَ والعَمَلَ جَمِيعاً ". وعندما جاء رجلٌ إلى أبي الدرداء وقال له: " "إنَّ ابني قد جمعَ القرآنَ "، انزعجَ أبو الدرداء من اعتبار جمع القرآن مرادف للحفظ المجرد عن العمل لهذا الطفل الصغير الذي لم يطبق أحكام القرآن جميعها ولا شك لحداثة سنه فقال للرجل : " اللهم اغفر. إنما جمعَ القرآنُ من سمِعَ له وأطاعَ" ".

يقولُ عبد الله بن عمر: " كنا صدرَ هذه الأمة وكان الرجلُ من خيارِ أصحابِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ما معه إلا السورة من القرآنِ أو شبه ذلك، وكان القرآنُ ثقيلاً عليهم، ورُزقوا العمل به، وإنَّ آخرَ هذه الأمةِ يُخفّف عليهم القرآن، حتى يقرأه الصبيُ والأعجميُ فلا يعملون به ".

فإذا كان القرآن في نفسه قد استوفى صفات المرشد والهادي فإنه لا تتحقق الهداية به إلا بإعمال هذه المحاور الثلاثة جميعها وإلا كنا كمن سأل الهداية من ناصح عليم ثم ترك قول هذا الناصح وعمد إلى غيره، ثم إذا تاه عن غايته ومقصده اتهم هذا الناصح بأنه لم يكن له دليلاً ولا مرشدا.

Monday, August 01, 2011

مسائل رمضانية



من أكل أو شرب ناسياً صيامه صحيح، وإذا تذكر والطعام في فمه يجب عليه أن يلفظه فوراً ويجب على من رآه يأكل ويشرب ناسياً أن يذكّره بصيامه.

من بلع الريق وهو صائم لا يفطر، أما النخامة والبلغم فيجب لفظهما إذا وصلتا إلى الفم.

إذا خرج الدم عند قلع الضرس أو عند النزيف أو عند التبرع بالدم. لا يفطر، ويتجنب بلع الدم الخارج من الضرس، والحجامة تفطر.

يجوز استعمال اللبوس في نهار رمضان إذا كان الصائم مريضاً ويجوز كذلك استعمال الإبر غير المغذية في الوريد والعضل، كما يجوز كذلك استعمال الحقن الشرجية للصائم في نهار رمضان.

استعمال بخاخ ضيق النفس للصائم جائز لكونه يتبخّر ولا يصلُ إلى المعدة.

استخدام المنظار الطبي من الفم للصائم لا يفطر.

إذا قاء الإنسان متعمداً فإنه يفطر، وإن قاء بغير عمد فإنه لا يفطر.

استخدام العطور أو عيدان البخور في نهار رمضان جائز.

من عجز عن الصوم لكبر السن أو المرض المزمن الذي يصعب علاجه فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً نصف صاع ( كيلو ونصف تقريباً ) من قوت البلد ( أرز مثلاً ). وإذا كان المريض يرجى له الشفاء فإنه يقضي ما فاته أثناء مرضه بعد الشفاء. والمسكين كبير أو صغير على السواء ويجوز له أن يعطى كفارة اليوم أو جميع الأيام لمسكين واحد أو لعدة مساكين، ومن لم يستطع صيام ولا اطعام فلا شيء عليه : لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

من جامع امرأته في نهار رمضان عليه القضاء ومعه صيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع الصيام فإطعام ستين مسكينا وزوجته مثله إن كانت مطاوعة أما إن كانت مكرهة فلا شيء عليها.

إذا احتلم الصائم في نهار الصوم من رمضان يستمر في صومه ولا شيء عليه.
لا يبطل الصوم باستعمال دواء الغرغرة إذا لم يبتلعه.

يجوز استعمال قطرة للأذن أو في العين في نهار رمضان لأن العين ليست منفذاً لكن لو قضى احتياطاً وخروجاً من الخلاف من وجد طعمها في الحلق فلا بأس.

إذا تمضمض الصائم أو استنشق فدخل إلى حلقه ماء دون قصد لم يفطر لأنه لم يتعمد.

يجوز تذوق الطعام عند اعداده إذا لم يتعمد ابتلاعه.

إذا افطر ظناً منه دخول المغرب فاحتياطاً يصوم يوماً مكانه، ولا يلزمك شيء طالما لم تتجانف الإثم؛ لحديث أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ - رضى الله عنهما- قَالَتْ: "أَفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ غَيْمٍ، ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ". لم يَردْ أنهم أُمروا بالقضاء.

إذا خافت الحامل على نفسها أو على جنينها ضرراً من الصيام في رمضان أفطرت وعليها قضاء أيام فطرها بعد زوال الخوف.