Saturday, March 08, 2008

لم أكن وحدي


في الميزان : الأهرام عدد يوم الجمعة 7 مارس 2008

كانت صبيحة شتاء يوم من أيام جمعة، وكنت على مقربة من شاطئ بحر الأسكندرية، لا يفصلني عنه سوى ذلك الشارع الساحلي العتيق الممتد بعرض تلك المدينة الجميلة الهادئة الراقية بأهلها.

فلما كان أن انتبه ذلك الطفل الصغير القابع في أعماق أعماق عقلي إلى أطياف زرقة البحر في ناظري، أبت قدماي إلا أن ترضخ لإلحاحه المتصاعد كي تعبر بنا ذاك الشارع لعلنا نقترب من البحر أكثر فأكثر .. ووجدتني أعبر الطريق وعيناي ما انفكت تلاحق موجة تلو موجة تلو أخرى تتوجه جميعها نحوي متسارعة من دون تفكير ، فإذا بهذه ومن ورائها هذه ثم تلك ترتطم بالصخر غير عابئة ، ثم إذا بها تمطرني على استحياء برذاذ موج لم يسع رداءي شبه المبتل بفضلها إلا أن يغض الطرف عنها متسامحا وشاكراً لعموم البحر حسن استقباله !!

وعلى عكس ما تصورت لوهلة ، لم أكن وحدي في جوف هذا المشهد ، والذي أكاد ينتابني منتهى الشك في أن رساما أيا بلغت درجة حرفيته في إمكانه أن ينقل تفاصيل ما غيرته إضاءة الشمس ذاك اليوم بالذات في صميم ألوان الأشياء، فلا لون الأسفلت هو ذاك اللون الأسود الذي كان ولا البحر على ذات الزرقة المعتادة ولا حتى السماء !! وإنما هي أطياف أطياف من تلكم الألوان اختلطت بشيء من الألفة تارة ، وبكثير من الرهبة تارات .. غريب هو بحر الأسكندرية ومحير هو البحر عموما في الستاء !!

فقد تنبهت فجأة إلى أزواج من أناس ترهق وجوههم كثير من صنوف التفاهة، جلوسا على الأرائك المواجهة للبحر متعانقين متلاصقين ، مختلسين تلك اللحظة التي يسهو فيها (جميع) العابرين فيسرقون مزيدا من قبلة هنا أو ربما احتكاك رخيص هناك من شأنه أن يهدئ من روع هذ التنين الجنسي الثائر في أجسادهم الشاهر لسيفه في وضح النهار وعلى مرأى ومسمع من جميع الناس بلا خجل أو حتى بوادر بصيص منه !!

ولقد رأيته قادما عن بعد متجها صوبنا نحن .. وجلبابه الأبيض والقصير مترفعاً عن الدنس ومعطف من فوق هذا الجلباب أظنه كان يميل إلى اللون الرمادي ولحية كثيفة جدا نكاد تغطي ملامح وجهه ، ثم ها هي شبه قلنسوة تعلو رأسه وكأنها عمامة وما هي بعمامة .. لقد كانت ملابسه تدل عليه !!

اقترب صاحبنا ، فلما دنا إذا بخطواته تتثاقل رويدا رويدا ، ثم إذا به يتوقف تماما عن السير، ثم إذا به يتلفت بهدوء يمينا ويسارا وكأنه يستطلع شيئاً ما في محيط المكان والجميع تعلو وجوههم بوادر توتر لما قد يحدث بعد لحظات علمها عند الله وحده، إذ أدخل الرجل يده في دهاليز معطفه ليخرج شيئاً كان محددا لمكانه تماماً داخل المعطف ، ثم سرعان ما اتجه إلى إحدى الأرائك الخاوية في قلب الأحداث .. فجلس !!

لقد كان مصحفاً شريفا ذلك الذي أخرجه الرجل من معطفه فإذا به يطالعه في صمت رهيب، تفيض من قسمات وجهه نفحات إيمان عميق، ومن ملابسه طيب النسمات، لقد كانت علاقته مختلفة تماماً مع البحر أن " سبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون "
لم يمر من الوقت الكثير حتى تفككت الأيادي المتعانقة وتوقفت الاحتكاكات الرخيصة ولكن دون أن يبرح أصحابها المكان .. فقد نجح الرجل في التأثير فيهم جميعا دون أن يتفوه بكلمة واحدة أو أن يرفع عينيه في أحد منهم.

أشرف عبد المنعم
amoniem@ahram.org.eg

22 comments:

رفقة عمر said...

جميله قوىفعلا المسلم بسلوكه ودماثه اخلاقه ممكن يكسب القلوب اليه وتلين القلوب القاسيه

موناليزا said...

فعل المرء يدل على هويته
وياسلام لو كلنا نعرف اننا واجهة للاسلام بافعالنا
بوست رائع مع العلم ان مش كل الناس بتتأثر بس المهم اننا نحاول
أحييك

همسات دافئه said...

:)
عجبا لأمر الإنسان قد يستحى من العبد الصالح ولا يستحى ممن خلقه
جميله قوى
بس للأسف رد فعل الملتزمين دلوقتى بقى أصعب من كده بكتير
تحياتى
شيماء:)

محمد عبد الرحمن said...

حال رجل فى ألف رجل أقوى من كلام ألف رجل لرجل

نحتاج إلى الدعوة بالقدوة وإلى التأثير بالسلوك قبل القول

جزاك الله خيرا أخى الكريم

رينـــــــــــا said...

جميله اوى ماشاء الله
مفتقدين هذا المثال من الملتزمين

مجداوية said...

فعلا ما أجمل الأسكندرية فى الشتاء ,,ولمثل هذا الرجل أقول له بارك الله لك ولكن ماذا يفعل شخص واحد لكورنيش الأسكندرية بطوله وقد تحول بعض أجزاءه الى أماكن لفعل الرذيلة مستترين بالبلوكات الخرسانية التى وضعت لكبح جموح الأمواج وصدها وفشلت فى كبح جموح دناءة الانسان ماذا يفعل شخص واحد مثلا فى حدائق المنتزه وقد باتت جزوع الأشجار النادرة هناك مأوى لكل باحث عن المتعة الحرام ,وعدم الحياء والجهر بالمعصية من علامات يوم القيامة وقد ظهر الفساد فى البر والبحر الا من رحم ربه ,,وكما قالت همسات دافئة هم لم يستحيوا من الخالق وتوقفهم عما كانوا يفعلوا فقط للحظات و لن يردعهم مستقبلا وستجدهم انصرفوا للبحث عن مكان آخر وهم ساخطين على هذا الرجل التقى وهم يقولون لبعضهم البعض هو حبك له يعنى يقعد هنا ما البحر واسع ,, يعنى هو طبعا اللى ,,ولسه !!!!

مجداوية said...

يعنى هو طبعا اللى غلطان ..
سقطت سهوا كلمة غلطان

ammola said...

اساسا الاهرام ماحدش عندنا بيشتريه بس مش عارفة ايه اللى جابه الجمعة اللى فاتت ولفتت نظرى المقاله دى جدا.احنا فعلا مش بناخد بالنا اوى من تصرفاتنا واننا قدوة والشباب بيقلدنا"اشمعنى الفنانين يعنى" من اسبوعين كده كنت فى فرح وكان مختلط للاسف ولم يكن مفر من حضوره ابدا.بدات العروسة والعريس والمعازيم يرقصوا"انت عارف احنا شعب مبسوط وماعندوش مشاكل مايرقصش ليه على خيبته؟!"المهم قام عم العروسة يجاملها ووقف يسقف بايده وهى بترقص وكان الاخ ملتحى!!!ماقولكش التليفونات شغالة الى الان كله مستاء جدا انه عمل كده-المعترضين كانوا بيرقصوا-بس لما هو سقف بأت ياداهية دقى علشان هو ملتحى وكان رايهم ان كان ممكن يعمل زى ما ملتزمين تانيين عملوا لما بدأ العرض الراقص انسحبوا وقعدوا فى الريسيبشن.الخلاصة عايزة اقولك ان فعلا احنا لازم نفكر اوى قبل ما نعمل اى تصرف قد يبدو عفويا لان المنطقة محاصرة وكله متراقب
مش انت قلتلى كفاية اكتئاب بأة؟ادينى باكتب لك تدوينة اهو مش تعليق

belal said...

بس مش شايف إنه تأثير وقتي
..

من انا؟؟ said...

ربنا يكرمك على كلامك
بس تفتكر فعلا ان فى ناس بقى عندها حياء كده وممكن يفرق معاها
لو فرق معاها يبقى كويس
وحتى لو كان تاثير وقتى فده كويس ممكن حتى بينهم وبين نفسهم يفتكروا التاثير ده ويتغيروا
ربنا يهدينى ويهدى كل ضال

Anonymous said...

ما أجمل اختيارك "ما علينا" .. ذكَّرتني بأيام جميلة خلت ومرت من بين يدي سريعًا .. ذكرتني بنفسي إبان حقبة الثانوية العامة وكم كنت عاشقًا لشتاء الإسكندرية .. وحيدًا .. في وقتٍ متأخر من الليل .. كنت أنطلق إلى الشاطئ .. وحيدًا أمضي أبثه شجوني فكأنه يسمعني .. أتحدث إليه فكأنه يصغي إلي .. أبوح إليه بأسراري فكأنه يكتمها علي … وبعد ساعات .. أعود وقد تخففت من أعباء ثقيلة وهموم كبيرة كانت قد أثقلتني بها الحياة ..
كنت أكره شاطئ البحر في الصيف كثيرًا وإن اضطررت يومًا إلى الخروج إليه صيفًا أشعر وكأني غريب عنه لكثرة المتزاحمين حولي .. من الراقصين واللاهين والغافلين والذين .. لا يعطون البحر حقه ولا يعرفون له قدره ..
ورغم حبي الكبير للبحر في شتاء الإسكندرية .. إلا أنه حقًا كان يؤرقني ما كنت أراه من قذارات بني آدم، من هؤلاء الشهوانيين الذين يهربون من كل شيء ليرتكبوا حماقاتهم وبذاءاتهم في هذا المكان .. كانوا يلوثون هدوء المكان ويُفقدونه سحره الحقيقي بأفعالهم .. كان يفسدون علي متعتي حقًا …
ذكّرني اختيارُك أيضًا لهذا المقالة بنفسي إبان عصر نهضة الدعوة في حياتي .. رحم الله هذه الأيام .. ذكرني بها ذلك الشاب "الشيخ" وسلوكه الرائق الجميل … والآن وبعد أن شغلتنا الدنيا وارتمينا في أتونها .. نتمنى لحظةً من تلك اللحظات .. لحظة طاعة في جوف الليل مع صحبة طيبة … لحظة طاعة في أمرٍ بمعروف أو نهي عن منكر .. لحظة طاعة في خطبة نعظ بها الناس أو كلمة ننصح بها الإخوان .. لحظة طاعة في صحبة أهل القرآن … ما أكثر اللحظات التي نتمناها الآن .. ولكن لا نجدها ..
بوركت "ما علينا" .. وبورك سعيُك … وتقبَّل الله منك جهدك .. سامحني لو أثقلتُ عليك …

البنت الشلبية said...

سلام عليكم
جميل اننا نتمتع بنعم ربنا ونشكره عليها بشكل صح

-----------
ازيك يا بشمهندس عامل ايه؟
اتمنى انك تكون بسعادة وخير

مجداوية said...

أخى الكريم
أشكرك جزيل الشكر على اضافة مدونتى لديك فهذا شرف لى وقد أسعدتنى ,اسعدك الله فى الدارين ,واللهم آمين

Unknown said...

ربنا يحفظك
علنا نفتقد الدعوة الي الله بالغعل والصمت فقط
في مره عملت معصيه ,وكان بجانبي احد اخواني ورايته سكت ولم ينطق
تعجبت ,واضايقت جدا لانه لم يكلمني او ينصحني
بعدها سألته ليه مانصحتنيش ؟
قالي الصمت احيانا يكون ابلغ من الف كلمه والف نصيحه
وجزاكم الله كل خير

ma 3lina said...

رفقة عمر
مبسوط إنها حازت رضاكي يا رفقة .. أين أنتي وأين مواضيعك الجديدة

monaliza
أكيد التأثير موجود عند كل الناس بس ردود الأفعال بتختلف .. وأكيد برضه إن أساليب الدعوة بتختلف من مكان لمكان ومن شخص للتاني والبعض ينفع معاه اللين والبعض مش بيجي غير بالجر
:)
جزاكي الله خيرا على الزيارة والتعليق

همسات دافئه
اي والله عندك حق .. الواحد يستحي من المخلوق ولا يستحي من الخالق .. اللهم عافنا واعفو عنا
بس ليه بتقولي رد فعل الملتزمين أصعب من كده والقصة بتوصف نموذج للحال
عموما مرحبا بك وشرفتيني بالزيارة والتعليق

طال الليل
صدقت يا دكتور .. ومثال لكده النبي صلى الله عليه وسلم .. كان قرآنا يمشي على الأرض ..
جزانا الله وإياكم وشرفت مدونتي بزيارتك وتعليقك

رينـــــــــــا
ليه بس .. هذا المثال من الملتزمين موجود والمقال في الأهرام دليل على ذلك
:)
أحنا بس اللي يمكن عنينا مش بتاخد بالها من المواقف الجميلة

مجداوية
يا هلا يا هلا بحضرتك
يمكن يكون توقفهم مؤقت .. لكن من يعلم .. بدوام الطرق يفتح الباب .. ويمكن يقعد واحد من الكثير دول ويفكر مع نفسه فتكون الهداية على يد ذلك الملتزم الذي لم يتفوه بكلمة

إضافتي لمدونة حضرتك زادني شرفا وزان مدونتي

ammola
ولا انا كمان بجيب الأهرام .. بس اليومين دول بجيبه لزوم الوظائف الخالية بقا .. حضرتك عارفة فترة انتقالية .. دعواتكم معانا
الموقف اللي حضرتك ذكرتيه حاسس إنه بقى بيتكرر كتير من ملتحين ومن منتقبات وفي مواقف كتير .. يمكن اللحية لا تدل على الالتزام .. كتير ملتحي من المسلمين وغير المسلمين .. لكن النقاب بقا دا الي بيجنني .. ماشي في الشارع من كام يوم والاقي ناس بينجدوا في الشارع لعروسة ودي جي شغال وستات منتقبات ومختمرات ونازلين تسقيف .. يا حلولي ..
ربنا يهدي وايوه بأكد كفاية اكتئاب

other_things
اممممم .. مش مشكلة إن التأثير وقتي .. بالنسبة للداعية التأثير مستمر فقد كتب له الأجر بإذن الله
واما هم فمن يعلم الغيب .. يمكن قدام يكون الموقف ده له أكبر الأثر في حياتهم .. زي الحديث .. فلعلها أن تستعف
وإذا قامت القيامة وبيد أحدكم فسيلة فاستطاع الا تقوم حتى يغرسها فليغرسها ... لمذاا يغرسها وقد قامت القيامة وتأثيرها لن يكون إلا لحظيا ؟؟ .. لأن العمل الدعوي لا يقاس على المدى القصير
تحياتي ..مدونتك جميلة .. لي عودة لقراءتها بتأني بإذن الله وستجدني إن شاء الله زبون دائم .. دا إذا سمحت لي طبعا
:)

مدونه من اجل الحب
مرحبا بحضرتك ... الكلام منقول من الأهرام والقصة حدثت بالفعل يوصفها من رآها .. ليه ما افتكرش بقا إن فيه ناس عندها حياء وبيفرق معاها
:D
وما وضحتيه عن التأثير الوقتي مهم جدا .. جزاكي الله كل خير

أسير الخطايا
شيخ مصطفى .. بجد المدونة فرقت كتير بتعليقك يا أخي فيها ..
ربنا يكرمك ويبارك لك ويبارك في مريم ويفرحك بيها يااارب

البنت الشلبية
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
يا اهلا يا شلبية هانم .. الحمد لله على السلامة
أنا بخير وفي نعمة من الله وفضل والحمد لله

الفاتح الجعفري
ويحفظكم أخي الكريم
صدقت الصمتحيانا يكون أبلغ .. والمسلم عليه ان ينتقي الأوقات ويفرق بين طباع الناس ومن منهم يردعه الصمت ومن لا يرجع إلا بالكلام
جزانا الله وجزاكم على تعليقك الطيب

مجداوية said...

السلام عليكم
هو حضرتك بتكب كام مرة فى الشهر ؟؟ده عادى يعنى ؟المهم تكون بخير

ma 3lina said...

مجداوية
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الحقيقة ماليش معدل ثابت في الكتابة .. بس تقريبا مش بيعدي الاسبوع قبل ما انزل بوست .. بس الفترة دي متلخبطة خالص معايا عشان كده مفيش جديد عندي
:(
بارك الله في حضرتك وجزاكي خيرا على السؤال

ياسر مدني ...دينامو الإخوان said...

الي كل عشاق الحريه وكل من يحلم بها

هيا نتخيل الوطن والجامعة بعد أن حكمها البلطجيه

رجاء وضع الآراء

وتحيه علي الشغل الجامد ع المدونة

tota said...

اتأثروا بالراجل واتكسفوا من وجوده ونسيوا ان فيه ربنا شايفهم؟؟
قصة بجدجميلةبحييك عليها وبتمنالك كل الخير والسعاده
سلامي ليك وكل الود

ma 3lina said...

ياسر مدني ...دينامو الإخوان
جزاكم الله خيرا .. شرفتني بالزيارة والتعليق

tota
جزاكي الله كل خير .. تعليقك أسعدني .. أسعدك الله دائما أبدا

la3lahakhier said...

اشرف عبد المنعم
قلم احترمه
احيانا كتير مابقراش الاهرام الا عشانه
ربنا ينور بصائرنا يارب
ويصلح حال البلد دى بقىىىىىى
يارب

ma 3lina said...

la3lahakhier
والله أنا مش عارف كتاباته
بس شهادة حضرتك ليه وكونك بتشتري الأهرام مخصوص .. دا يخليني اهتم بكتاباته بعد كده