Sunday, July 31, 2011

تأملات مع دخول رمضان


كل عام وكل أمتنا بخير وسلمكم الله إلى رمضان وتسلمه منكم وأعانكم فيه على الصيام والقيام وسائر الطاعات.

يرتبط دخول شهر رمضان معنا بالفرح والسرور وخاصة لدينا هنا في مصر، فلرمضان مذاق خاص في شوارعنا وقد أزينت وانتشرت محلات الكنافة والفطايف وكثرت الزيارات بين العائلة الواحدة وبعضها وبينها وبين العائلات، كل ذلك يحمل معه البهجة والفرحة بشعيرة الله تبارك وتعالى.

وهذا الفرح بهدية الله تبارك وتعالى يكتمل بأن يرافقه عمل يناسب عظمة هذه الهدية وجلال هذه الشعيرة، وأول الأعمال التي تتبادر مع دخول شهر رمضان هي التأمل والتفكر، نصمت قليلاً ونتأمل، كفانا صخباً وصياحاً .. الكل يتكلم رغم أنهم يقولون أن الأغلبية صامتة، ولا أدري إن كان كل هذا الضجيج والأغلبية صامتة فماذا لو تكلمت هذه الأغلبية المزعومة التي لم أرها ليومنا هذا، فأنا لم أقابل إلا من يتكلم، ولا أخفيكم سرا فهذا الضجيج والصخب أمر جيد ومقبول عندي في هذه المرحلة فهو علامة الحياة وهو على كل حال أفضل من الموات الذي كنا فيه من قبل فالحمد لله على منته وفضله.

نتفكر ونتأمل كيف أن رمضان يأتي بعد تمام القمر لثمان لفات حول الأرض ومع بداية اللفة التاسعة يبدأ صيامنا، فنرى كيف أن عبادات المسلمين تتماشى مع حركة الكون فالصلوات الخمس تتزامن مواقيتها مع حركة الشمس والحج والصيام مع حركة القمر ولنا عند الخسوف أو الكسوف صلاة، ولنا عند امتناع المطر صلاة، وهكذا فإن عبادتنا تتكامل مع نظام الكون، الكون منظومة تعبد الله ونحن جزء من هذه المنظومة، فالله عز وجل يأمر الملائكة الموكلة بهذه المخلوقات والمخلوقات تنفذ أمر الله بالحركة وفق تقدير الله ونحن نمتثل لأمر الله بالعبادة، إنها منظومة تتكامل تروسها لينقل كل ترس الحركة للترس الذي يليه في آلية عمل عنوانها عبادة الله تبارك وتعالى، وإنه إن أراد ترساً في هذه المنظومة أن يتوقف أو يسير عكس اتجاه السير المقدر له فإنه ولا شك سيتحطم أو سيعاني، فإن سلم من هذا وذاك فإنه ولا شك سيكون نشاز في المنظومة مطرود من رحمة صاحبها.

في شهر رمضان نتفكر في قولتنا من قبل قدومه "اللهم بلغنا رمضان" فها أنا قد بلغت رمضان فماذا أنا فاعل ؟؟ هل أتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم ؟؟ وهل أدرك ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان ؟

كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعد لرمضان من الشهر الذي قبله، يستعد لرمضان من شهر شعبان الذي له خاصية مميزة جدا فهو الشهر الذي ترفع فيه الأعمال إلى الله تبارك وتعالى، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي، وأنا صائم.

كان حال النبي صلى الله عليه وسلم في شعبان كحال من تعرض أوراقه على جهة عليا ليتخذ فيها قرارا مصيرياً، كالطالب الذي ينتظر نتيجة التنسيق فهو يكثر من الطاعة والدعاء ليحظى بما يرجوه، أو كالموظف الذي يعرض أمره على لجنة تحقيقية فهو يدعو الله بالنجاة .. كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان وهو يستشعر أن أعماله تعرض على الله في نفس اللحظة. في شعبان من كل عام تعرض أوراقنا على الله تبارك وتعالى.

ثم ماذا بعد شعبان ؟ .. يأتي رمضان .. هل هذه مصادفة أن يأتي بعد شهر عرض الأعمال مباشرة شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، أم أن هذا لحكمة ورحمة من الله تبارك وتعالى.

هذه حكمة الله تبارك وتعالى أن يأتي ملحق تطبق فيه قوانين الرأفة بعد تصحيح الأوراق رحمة من الله ليدرك أكثرنا النجاة، يأتي شهر رمضان بعد شعبان لنزيد من الطاعات ونبالغ فيها لنعوض ما فاتنا عند عرض أعمالنا في نهاية العام المنصرم.

كان النبي صلى الله عليه وسلم قدوة لنا فما أن ينتهي شعبان ويدخل رمضان حتى يكثر من أعمال البر والخير، فيكثر من الصدقات وقراءة القرآن مع جبريل عليه السلام، فعن عبد الله بن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان جبريل عليه السلام يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن: فإذا لقيه جبريل عليه السلام، كان أجود بالخير من الريح المرسلة.

وكان صلى الله عليه وسلم يعتكف في رمضان وإذا دخل عليه العشر شد المئزر، فعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان.

وكان صلى الله عليه وسلم يقوم الليل بالحال التي وصفها لنا المغيرة بن شعبة رضي الله عنه لما قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه، فقيل له: غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال : أفلا أكون عبدا شكوراً.

هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم في ملحق الرحمة والمغفرة والعتق من النار وهكذا حاله في موسم الرأفة بعد شهر رفع الأعمال.

في رمضان نتذكر ونتأمل في دوران الزمان، كيف كان حالي من عام كامل في رمضان الماضي وكيف هو الآن ؟ هل زدت في الطاعة هل نقصت طاعتي؟ هل اقتربت من الله أكثر أم ابتعدت ؟ كيف حالي في ديني هل تعلمت من ديني المزيد ؟ لا تقارن أحوال الدنيا، فالدنيا إلى زوال .. ولكن قارن حالك مع الله الآن بحالك مع الله منذ عام.

اتأمل في أحوال إخواني من المسلمين .. أهلي وأصحابي وجيراني .. كم منهم كان معنا منذ عام وشهد معنا رمضان الماضي ثم هذا العام ليس معنا ؟ وكيف أن الله بنعمته وفضله مد لي في الأجل لاشهد موسماً آخر للخير في رمضان فأزيد فيه من التسبيح والتكبير والتهليل والصلاة والصيام فاتذكر ذلك واحمد الله وادع نفسي أن تغتنم هذا الشهر فقد لا أدرك ما بعده وقد يكون الأخير لي.

اتذكر واتأمل كيف كانت دولة الظلم في رمضان الماضي قائمة تمارس التنكيل والافساد في الأرض وكيف إن الله عز وجل في ايام معدودات زلزل عروشهم وأزال سلطانهم واتذكر أحوالنا البائسة وقتها وآمالنا العريضة في الغد الأفضل بإذن الله فافرح بأن لي ركن شديد قادر على التحويل والتبديل ندعوه فيستجب لنا.

Thursday, July 28, 2011

فضفضة


من البيانات التي يعالجها عقلي منذ فترة واحتار كثيرا في معالجتها بيانات مشكلة صغيرة كبيرة تحدث لي في عملي الحالي، فمنذ أكثر من عام تقريبا انتقلت إلى عمل جديد في شركة تفتح أبوابها لأول مرة في مصر تتبع لمجموعة سعودية من الناحية الفنية ولها شريك مصري مقيم في الإمارات مسئول عن الشركة من الناحية الإدارية والتأسيسية.

ولأن الشركة ناشئة وتعتبر تحت التأسيس، فقد تسائلت أنا ومعي المقبلين على العمل الجديد على نقطة هامة لنا وهي: هل الشركة تهدف للاستمرار أم هي مجرد تجربة واستطلاع جو عمل في مصر ؟ وبالطبع كانت الإجابة: أن الشركة تهدف للاستمرار والنمو في مصر فتسائلنا عن ورقيات الشركة الخاصة بالسجل التجاري والتأمينات الاجتماعية والعقود ولوائح الشركة وغير ذلك من الأمور التي تعطي للشركة صفة الرسمية والاستقرار وتطمئن العاملين بها على مستقبلهم مع هذه الشركة. فكانت إجابة الشريك المصري القاطعة أن كل هذه الأمور ستنفذ كما نحب وزي ما بيجرى في الشركات المصرية وإنه فقط سينتظر ستة أشهر قبل أول نزول له لمصر لاتمام هذه الاوراق، فكان هذا هو اتفاقنا.

وبعد مرور 6 شهور لم يحدث أي جديد ..

وبعد 7 شهور ولما لم أجد أي بادرة تكلمت معه وشرحت له أن الشركة بهذه الطريقة ليست شركة تدفع للاستقرار بها لأن اتمام الأوراق هو المؤشر لجدية أصحاب الشركة وعلى رغبتهم في الاستمرار والحفاظ على العاملين معهم.

فكانت إجابته أنه متفق تماما معي فيما أقول وان هذا حقي وهو متمسك بنا جميعاً غير أن ظروف سفره وإقامته بالخارج تجعل الموضوع يمر ببطء وأنه وكّل محامي ليقوم بهذه الإجراءات نيابة عنه وسيتابع مع المحامي. وأضاف أنه لا ينبغي علي أن اركز في هذه المسألة وعلي أن اركز في الإيجابيات مثل انه يعاملني والآخرين كأخ وأننا جميعا متحابون وعلاقة الثقة بيننا تفوق كل شيء آخر وأنه صبر كثيراً حتى اختارنا نحن بالذات دون كل المتقدمين لأننا نحقق له ما كان يخطط له دائماً في موظفيه، وكثير من مثل هذا الثناء البديع.

حاولت مراراً أن انقل له مخاوفي وقلت له أن هذا كلام جميل وهو متبادل لكن أين الفعل .. نحن بحاجة إلى فعل اثبات على ما تقول وعلى جدية الشركة، وبالنسبة لي لا يعنيني تأمينات ولا أوراق إلا من هذا الوجه .. وجه اثبات جديته في انشاء هذه الشركة وتمسكه بالعاملين معه خاصة في ظل حالة عدم الرؤية في تعاملتنا مع الشركة فنحن لا نرى الشركاء السعوديين ولا نر الشريك المصري وكل ما بيننا هو الموبايلات والماسنجرات والإيميلات. بالإضافة إلى بعد المسافة واختلاف طبيعة وخلفية البيئة لكل منا مع اهمالهم المتعمد وتجاهلهم المستمر لكل الاهتمامات المشتركة بيننا.

فأكد لي أنه سيفعل كل ما بوسعه لاثبات هذه الجدية .. فصبرت وانتظرت.

والآن بعد مرور أكثر من عام أثير موضوع التأمينات من جديد ولكن من طرف آخر غيري، فاتصل بي الشريك المصري ليناقشني في المسألة وكان كلامه أكثر عنفاً وحدة وكانت نظريته كلها تنبني على أن التأمينات الاجتماعية حرام شرعاً وأنه لا يريد أن يعصي الله عز وجل وأنه آجلا أو عاجلاً لازم حيعمل التأمينات دي لأن القانون يلزمه بيها وعلينا ان ننتظر ولا نطالبه بها وأضاف أنه لما يعملها حيجعلها على الحد الأدني الذي يخرجه فقط من المشاكل القانونية وإن احنا لازم ما نفكرش في الموضوع دا حاليا ونحمد الله ولا نكثر الكلام والضغط عليه في هذا الموضوع كل شوية لأنه أصلا حرام ومعصية لله ويجب أن نلتفت إلى الاشياء الأخرى العظيمة التي يقدمها لي فقد اختارني من بين .. إلخ ... ووضع ثقته ... إلخ ..... والمحبة التي بيننا ... إلخ وإننا كإخوات لا يمكن أن ... إلخ

كررت عليه كثيرا أني أقدر هذه الكلمات التي احسبها صادقة ولا أكذبها، غير أن موضوع التأمينات بالنسبة لي لا يعدو كونه اثبات اتصال بيني وبين الشركة وأنا في حاجة حقيقية لمثل هذا الاثبات .. واحتاج حافز يدفعني والعاملين معي للاستقرار ليس أكثر في الظروف الغير طبيعية للشركة .. وتعجبت من طلبه ألا نتكلم في إدارة الشركة ففي أي شيء نتكلم إذن ؟؟ عن السياسة ؟؟ عن القنوات الفضائية وبرامجها ؟؟ عن وصفات الطعام ؟؟ .. أنا ممكن اتحدث عن هذه الأمور ولكن لما استوفي المشاكل التي تقلقني أولاً ...

أصر على عدم فهم معادلتي للموضوع واستمر في الحديث عن التقوى والورع وانا في منزلة التلميذ العاصي المحرض على المعاصي الذي لا يأبه للدين ولا لحكم الله ويؤثر الدنيا وشهواتها على الاخرة .. لم يتوقف ليدرك وقع كلماته القاسي علي وهو يلخصني في كوني معصيته وذنبه وخطيئته .. ويكررها كثيرا كثيرا جدا على أذني .. كثيرا جدا اكثر مما اتوقع منه .. ويكرر أنت لا شيء سوى جريمة، أنت لست أكثر من معصية، أنت لا شيء سوى خطيئة. كلامك معصية، وجهك ورؤيته معصية، وما تدفعه إلينا معصية، وما تأخذه منا معصية، والهواء الذي تتنفسه معصية. شعور عجيب عندما يختصرك الآخرون في معصية.

لم أناقش معه المسألة من الناحية الشرعية فمسألة التأمينات الاجتماعية وإن كان فيها من يقول بحرمتها فهناك من أهل بلدي الذين يقولون بجوازها ..

لم اناقش أننا من قبل اتفقنا على مبادئ عدة غير هذه المسألة ولم ينصفني فيها رغم أن الدين يعطيني الحق فيها، والدين إن كان – كما يزعم - يحرم التأمينات فهو أيضا يحرم التغرير والمماطلة في الحقوق في بقية المواضيع المتفق عليها والتي لا يشوبها حرمة، لم اناقشه في أني بفضل الله قد بلغت رشدي وأني قادر على التمييز وأني أحاول قدر جهدي أن اتق الله وأنه كان ينبغي عليه إن يكون صريحاً معي منذ البداية .. لم اناقش معه تمسكه بالدين في أبواب مصلحته وتجاهله لنفس الدين أيضاً من أجل مصلحته ذلك برغم أني لا اتهمه في دينه.

لم اقل له أنه ورغم وضع الشركة الغامض فالله يعلم أني أراعي ضميري وديني في هذا العمل واقدم ما استطيع وفاءا بهذا العهد الذي بيننا، لكن كل أشيائي التي اقدمها كانت لا تثمن وتهمل وتترك حبيسة الادراج دليلا على هوانها عند متلقيها.

كل ما فعلته هو اني احترمت اختياره وقدمت له بديلا يخرجنا من الأزمة .. ويرحمنا من النقاش .. قلت له إن كان هذا اختيارك فلا مانع عندي أن نترك هذه المسألة شريطة أن تستوفي بقية المسائل المعلقة ويتم اضافة المبلغ الذي كان سيصرف للتأمينات على رواتبنا ويكون في ذلك وفاءا بتعهداتك لنا واحتراما منا لاختياراك بحرمة التأمينات الاجتماعية.

لكنه طبعاً لم يوافق على البديل ... وبدون ابداء أي اسباب .. وخرجنا من المحادثة بخلاصة تتضمن فقط استيائه الشديد من تصرفاتي وأنه كان يتوقع مني تقديراً أفضل من ذلك للظروف وأن كل ما أفكر فيه هو مصلحتي الخاصة وطلباتي دون النظر لمصلحة الشركة وأني عصبي وحاد في تعاملاتي ويجب أن أعيد النظر في طريقة معاملاتي .. إلخ.

المعادلة تقول أن صاحب العمل إذا تراخى بهذا الشكل وأهمل وخالف باعترافه عهوده - حلالها قبل حرامها - مع موظفيه وتمادى في المماطلة والتسويف فإن ذلك معناه إما عدم جديته أو عدم احترامه وتقديره للعاملين معه، وهذا معناه أنه اكتشف خطأه في الاختيار ويتطلع لنموذج آخر غيرنا ولهذا تحول عن اتفاقه معنا فهذا وحده ما يزن المعادلة، ومن المؤكد أن هناك من هم أفضل مني واكفأ في مجال عملي ولكن هذا أبدا لا يعطيه الحق ألا يحترمني وألا يوفي التزامه معي ويجمد الوضع بهذا الشكل إلى أن يأتي بمن هو أفضل مني وأقل تطلباً .. كما أن إشارته المستمرة بأنه خدع كثيرا فأوصي بألا يثق في الناس هي بالنسبة لي إشارة بغيضة تحمل الكثير من الظلم إذ يزعم أن حذره المبالغ فيه في كل خطوة تتطور معها شركتنا الناشئة هو نتيجة ما أصابه مراراً من قبل نتيجة ثقته في الناس وكأني سأسرق أمواله من جيبه، وكأني مثل الآخرين، وكأني لابد لي أن أرضى بان يعاقبني على غفلته ويحملني جريرة خداع الآخرين له .. ويؤثر وصايا الناصحين له على ثقته المزعومة في.

المعادلة تقول أن الكلمات لابد أن يرافقها أفعال لا يمكن لكلمات الثقة والأخوة وحدها أن تقيم جسور الثقة والأخوة والمحبة، فلابد أن يرافقها أفعال وليس الفعل بديلا عن الكلام ولا العكس، وأنه لو أراد حقاً لهذا الشركة أن تقوم لكانت رغبته حافز لسرعة معالجة المواضيع المعلقة وأسباب المشاكل بيننا إظهارا للاهتمام، وعندها إن بقيت مسألة أو اثنتين لم يتم حلهما فلا بأس عندئذ لما استوفى جهده لانشاء الشركة وسأكون راضياً مرضياً عن سعيه لما أراه من فعله.

أما نظرية أن الموظف لا يعجبه العجب ومهما فعلت فلن يرضى فهي نظرية إداري فاشل إما معوق يعلق عجزه عن القيام بواجبه تجاه مرءوسيه على غيره، أو ظالم نرجسي لا يأبه ولا يشعر إلا بما تقدمه نفسه. لذلك تجده دائما يسوق لك أسبابه لرفض كل شيء تطلبه منه ما دام لم يخرج منه طواعية، وتقدم له البدائل التي تتجنب اسبابه للرفض لكنه يصر على الرفض، حتى إذا ما اتزنق رفض هذه المرة دون حتى ابداء اسباب، واحيانا يظهر عطفه الشديد بانه كان سيفعل طلبك من تلقاء نفسه لولا أنك يا مغفل فعلت كذا وكذا فتسببت بصنيعك الجهول في أن يحجم هو عن الاستجابة لطلبك .. وهكذا هو دائما لا يفعل ولديه المبرر لئلا يفعل.

الأم التي لا ترضي زوجها وتطالب ابناءها ببرها وتذكرهم بالدين تستغل الدين لمصلحتها، والصنايعي الذي يطالب بأجرته كاملة وأزيد ويذكر من استأجره بحق الله وهو لا يراعي الله في عمله يستغل الدين لمصلحته، وصاحب العمل الذي يطالب العاملين بتقوى الله في العمل بينما لا يعطيهم حقوقهم كاملة نظير جهدهم يستغل الدين لمصلحته .. والتورع الكاذب هو الذي يجعل كل أمر على هواك وفيه مصلحة لك هو أصل الدين وذروة سنامه ومخالفك فيه عاص جاهل وينسيك أن الله قد قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فالدين ليس مطية لأحد يحقق به راحته ومصلحته على حساب الآخرين، وأجدر بك وأكرم وأعز أن تصارح نفسك ومن حولك بحقيقة مصالحك وتدافع عنها إن تعارضت مع الاخرين من أن تجعل ورعك خنجرا تطعن به الآخرين.

Sunday, July 24, 2011

البروسيسور


أصبحت مساحات عقلي التخزينية عاجزة عن توفير مساحات إضافية لاستيعاب هذا الكم المتدفق من المعادلات التي يصنعها عقلي (المعالج) لكل حدث يدور من حولي، وحتى الآن لا أجزم بأن المعالج (البروسيسور) أصابه الخلل وفقد قدرته على معالجة البيانات، وإنما المشكلة الرئيسية والواضحة - بالنسبة لي على الأقل - أن البروسيسور تأتيه بيانات متضاربة من بيئة النظام ورغم أنه منذ زمن بعيد قد رفع شعار "ما علينا" خصيصاُ لمثل هذه الحالات كإحدى الوسائل النفسية من عينة "أنا طويل واهبل مش قصير قزعة" إلا إن هذا المعالج لم يمتثل للشعار ويصر على تحليل هذه البيانات المتضاربة والوصول لتفسير والخروج بنتيجة مهما تكن شريطة أن تتماشى مع قواعد العمليات المنطقية.

وبرغم وضوح المشكلة أمامي وعلاجها المتمثل في تحديث هذا البروسيسور لكبح جماحه أو تحويله لوضعية الاستعداد - Sleep - أو فصله تماماً عن بيئة النظام إلا أنني على ما يبدو في هذا السن المتأخر عاجز عن عمل أي آبجريد للبروسيسور أو إحداث تغيير في التكنولوجي.

الناس يصفونني بطولة البال الشديدة والهدوء في التعامل وهم أنفسهم الذين يصفونني بضيق الصدر والعصبية وهم أيضاً من يتعجبون من صبري الشديد عند قيادة السيارة فلا اصيح لبهلوانات الطريق وكل ما افعله أني بعد نفس عميق أواصل حديثي وكأن شيئاً لم يكن. والناس ايضاً هم الذين يعيبون علي الحدة المبالغ في عظيم الأمور ودقيقها. وهم أيضاً الذين يمدحون مهاراتي في التدريس وصبري على الطلبة حتى تصل المعلومة وعلى معالجة أخطاء الأكواد وهم أيضاً الناس الذين يعيبون علي استعجالي وعدم استيعاب الآخرين.

هذا الكم من المدخلات المتناقضة يجعل أي بروسيسر في الدنيا يهنج ولا شك وهو يتسائل أنا مين في دول ؟ ولكن عقلي وياللعجب يستمر بإصرار في محاولة معالجة هذه البيانات ويستمر ويستمر حتى يخرج بنتيجة حتمية تزن المعادلة وهي أني بلا شك مصاب بازدواج الشخصية أو تعددها، فأجد في هذا مخرجاً ظريفاً وفرصة واعدة لكي يستريح عقلي قليلاً فأرضى بأن أكون مريضاً عقلياً والناس كلهم من حولي على صواب عسى أن يكون هذا سبباً في إشفاقهم علي وعطفهم على عقلي بحرمانه من أمثال تلك البيانات المتضاربة.

ولكنهم أبداً لا يحرموني من فيض بياناتهم ويرون أني قادر على استيعاب المزيد ... وبالبرغم من إعاقتي العقلية !!!

يستمرون في إقناعي بأنهم فعلوا هذا الفعل لأجلي ومن أجل مصلحتي مثل هذه الطيبة أمي حفظها الله، وحقيقة أنا لا أناقش جدية هذا الدافع من عدمه بل على العكس فإني أقبل به وأسعد به على حاله دون تحري أو تدقيق، لكن ما يحير فعلا أنه وبعد دورة من الزمن يقوم هذا الفاعل من أجل مصلحتي بعمل معاكس تماما لما فعله أولاً، فأرضى بفعلته وأقبل ولا أعاتب ولا أناقش إلا قليلاً، ثم هو يعنفني على هذا القليل ويحدثني أنه ما فعل هذا الفعل الثان إلا بناء على رغبتي ومصلحتى. فأتعجب وأسكت وللمرة الثالثة وبعد دورة زمنية أخرى يعود بطلنا بعمل ثالث يختلف جملة وتفصيلاً عن فعله السابق وطبعاً إذا حاورته يقول: ما فعلت إذ فعلت إلا من أجلك أنت .. فمصلحتك أولاً.

أرى الناس يتعاملون مع موقف من هذه النوعية بردة فعل أقصاها التعجب لما يرى فعلاً مخالفاً تماما للقول فيمصمص شفتيه مردداً الدور القديم : "اسمع كلامك اصدقك اشوف أمورك اتعجب"، لكني لا اتوقف عن حدود التعجب بل اتعداه لمحاولة يائسة بائسة لربط الفعل مع الكلام دون تكذيب مدخلات عيني - الفعل - أو تكذيب مدخلات أذني - الكلام - .

أقر واعترف أن المشكلة ليست في تضارب أفعالهم وأقوالهم فنحن بشر ولابد من خزعبلة هنا وتهييسة هاهنا .. وأقر بأن المشكلة عندي لأنني أحول هذه الأفعال إلى مدخلات ولا اقبل بيها كأفعال مجردة بل أقوم بتحويل كل صغير وكبير من حولي إلى معادلة أراها ولابد أن تكون متزنة، ويا ويلي إن لم تكن فعندها سأبذل كل جهدي لاجعلها متزنة، أزيد عامل محفز هنا أو افترض وجود عامل خارجي هنا عسى أن يكون ذلك سببا في ضبط المعادلة.

أسمع كثيرا أن المريض النفسي إذا عرف مرضه فقد قطع نصف الطريق نحو العلاج، لكني لا أظن أن هذه القاعدة تنطبق علي لأني ببساطة معقدة اضعها في معادلة تنص على أني لو كنت اعرف مشكلتي وتشخيصها فإنني حقاً لست بمريض لإذن فإني اصنع ما انا فيه بملئ إرادتي, لأعود واقول أنا ما تتحمله سيليكونات عقلي لا يمكن لبشر أن يختاره إلا إذا كان مريضاً نفسياً.

هذا الهطل والعبث الذي أفعله يستهلكني عصبيا ونفسياً لأجد نفسي في النهاية وحيدا مع معادلاتي اللامتناهية في كل طريق، عاجزاً عن التواصل مع البشر إلا في صورة قفزات وهم عاجزون عن فهمي واضعين إياي في فرامات العصبية والحدة وعدم التقدير بل والتعقيد أو السطحية والتحبيك أو حتى الجنون.

عجيب فهذا البوست كنت سأحكي فيه عن معادلة محددة تتعلق بعملي، لكني استطردت في هامش الكلام واستهلكت جميع مساحة البوست في غير هدفه فخرج على هذا الوضع الغير مفهوم.

Saturday, July 09, 2011

يسرقون الشوف من عين القصيدة



لما ألقت الشاعرة السعودية حصة هلال قصيدتها "يسرقون الكحل من عين القصيدة" في المجاراة الشعرية التي دارت بينها وبين الشاعرة السودانية روضة الحاج على برنامج شاعر المليون، ردت عليها روضة الحاج بروعة فقالت :


"يسرقون الكحل من عين القصيدة !!!?"

تنكئين الآن جرحاً كنت أحكمتُ وصيده .. وتزيدين إصطلائي بحميايّ العنيدة

قلتي ماذا؟؟! .. ليس كحلاً إنما هم يسرقون الشوف من عين القصيدة

يا ابنة الحرف الموشى بالخزامى .. بعبير الشيح في الأرض السعيدة
إييه يا ريمية المعنى المعنّا .. بح صوتي وأنا أبكي بلاداً سرقوها
ثم مروا فوق جرحي وانتظاري .. فوق حزني وإنكساري .. فوق نزفي واحتضاري
سرقوها بالمواثيق الجديدة.

يابلادي قسمي النيل إذا كنت تريدين انقساماً
قسمي الشمس .. فما زالت تغني للبيوت السمر من نمولي لحلفا .. وتسمي أهلها السمر كراماً
قسمي الليل المغني حين يشدو العطبرواي: أنا سوداني فنفنى فيك وجداً وهياماً
قسمي قلبي إذا كنت تريدين انقساماً .. قسمي أحلامنا عدلاً وقسطاساً مبيناً
قسمي أشواقنا، أفراحنا، أحزاننا، تاريخنا الممتد فينا
كلما نودي: يا " زول "، ألتفتنا لهفة شوقاً وحباً وحنينا .. فامنعينا
قسمي الأرض وقلبي والمراعي ودمي والسماوات وروحي والفضاءات ونبضي.

يا بــــلادي .. آه يا كلي وبعضي .. يا معي هل أنت ضدي؟
نح ملياً أيهاالشاعر وابكي .. فأنا أطلب التأشيرة اليوم بأرضي.

قلتي ماذا؟؟ .. يسرقون الكحل من عين القصيدة؟؟

إنهم هم سارقوا الثورة والتاريخ والأحلام والمستقبل الآتي ودمعات اليتامى
سرقوا تونس من ثورتها .. سرقوا دارفور من ثروتها
سرقوا لبنان من روعته .. سرقوا الجولان من عزته
سرقوا الصومال من إخوته .. والعراق الحر من هيبته
سرقوا السودان من وحدته.
وفلسطين المجيدة .. وتقولين لماذا يسرقون الكحل من عين القصيدة؟!!!

إنما الأرض ستبقى وتثور
طيننا يمكن أن يصبح ناراً .. طيننا يمكن أن يصبح نور

Tuesday, July 05, 2011

مش فاهم


مش فاهم إصرارها على قفل مدونتها، ولما سألتها عن الحاجات اللي مش فاهمها لقيتها زيي برضه مش فاهمة.

برغم إني ممكن افهم موقف د. عمرو عبيد من مريضته لو حصل قبل الثورة، لكن مش قادر خالص افهم إنه يحصل كمان بعد الثورة.

مش فاهم ليه يحيى الجمل اللي اتعين أيام مبارك يقدم استقالته والمجلس العسكري يرفضها.

مش فاهم إزاي بعد الثورة الغاز يرجع تاني يتصدر لإسرائيل وبنفس الأسعار.

مش فاهم ليه كل كام يوم اسمع إن حرس الحدود في سينا رجعوا لوظيفة قتل المتسللين إلى إسرائيل ومداهمة الأنفاق.

مش فاهم ليه قبل الثورة كنا بنزعل أوي عشان وزير زي فاروق حسني غلط في المحجبات أو كاتب زي القميئ كتب كلام سافل في كتاب محدش بيقراه عشان ياخد جوايز ويلم فلوس وبعد الثورة نائب رئيس الوزراء وكاتب زي خالد منتصر يتطاولا على الله علنا وفي التلفزيون.

مش فاهم ليه لسه المسلمات الجدد برضه بيتسلموا للكنيسة أو بيتحبسوا أو يتهموا بالتحريض على الفتنة الطائفية .

مش فاهم إزاي بعد الثورة يتحبس عمال بتروجيت عشان اعتصموا ولسه برضه مفيش أي أخبار عن الحد الدني والأقصى للأجور.

أفهم إن الشرطة تحاول ترجع للعنف والجبروت من تاني .. لكن إنها تنجح في كده وبالسرعة دي وإحنا لسه فرحانين وبنغني للثورة المجيدة اللي محصلتش في الدنيا كلها.

مش فاهم حكاية إخلاء سبيل الظباط المتهمين بقتل المتظاهرين في السويس، وبراءة المغربي وفضلي والفقي وغالي وإخلاء سبيل أسامة الشيخ، وطعن النائب العام وتأجيل كل قضايا قتل المتظاهرين لما أجازة القضاء تنتهي بدلا من إلغاء الأجازة السنة دي نظراً للظروف الراهنة، واللي يفتح بقه يبقى بيطعن في نزاهة القضاء المصري الشامخ النزيه.

مش فاهم كلام الناس اللي قالت إنهم راحوا مستشفى شرم الشيخ وما لقوش عليها أي حراسة وكلام الناس التانية اللي قالت إنهم شافوا جمال مبارك راكب عربية وماشي بيها في الشارع.

مش فاهم اللي حصل الاسبوع اللي فات.

مش فاهم وجهة نظر أخويا الشاب العشريني السايح المصيف اللي كان راكب معايا في المواصلات واعترض على السواق اللي بيهاجم حسني مبارك ويقول له الكبير ما يتهانش ؟

مش فاهم اشمعنى في فيلم رد قلبي كان علي ابن عبد الواحد الجنايني هو اللي قام بالثورة والبرنس علاء كان واضح جدا إنه ضد عبد الواحد والثورة .. ودلوقتي البرنس علاء بيزاحم علي في الثورة وبيقول لعبد الواحد ياأمي يا جاهل.

مش فاهم إيه تفسير إن مدحت شلبي بيتكلم عن الإعلام المحايد الموضوعي وحسام حسن بيتكلم عن الروح الرياضية وتامر حسني ينزل البومه الجديد ويدعي إنه حقق نجاح كاسح والأهلي برغم كل شيء برضه بيفوز بالدوري .

مش فاهم الهدوء الرسمي للإخوان.

مش فاهم يعني إيه تكوين مجلس شورى للدعوة السلفية.

مش عارف ليه رجع لي تاني الخوف كل يوم من إن العسكر حيزوروني الفجر.