Sunday, June 24, 2012

الحمد لله


الحمد لله آولا وآخراً، الحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات.

طوال ما يقرب من عام ونصف ونحن نتأرجح ما بين أربع لحظات ...

لحظة أولى فيها كرب شديد نظنها قمة الإحباط والتعاسة وينالنا اليأس الشديد فنصب جام غضبنا على تصرفات البعض منا ونحملهم مسئولية ما آلت إليه أحوالنا ونرى الشر في كل شيء حولنا.

ثم يعقب هذا لحظة ثانية يلهمنا الله عز وجل فيها أن نبتهل ونتضرع إليه أن يكشف ما بنا من ضر وآلام.

ثم تأتي اللحظة الثالثة تحمل معها فرج الله الجميل لفضله وكرمه وإحسانه ولأنه تعالى لا يرضى لعباده الكفر ولا للظلم أن يسود، لا يمل الله عز وجل ولا يهملنا ولا يتركنا لأنفسنا تلتهمنا لحظات اليأس والإحباط ونحن نكرر أخطائنا ونستجلب على أنفسنا لحظات المرارة، ففي كل مرة دعوناه فرج عنا الهم والحزن، فلك الحمد يارب. وفي كل مرة نسيناه لم يفتح علينا أبواب الفرح الزائف الموجب للأخذ بالهلاك، بل أعاننا أن نتضرع ونجأر إليه : يارب .. يارب .. حسبنا الله ونعم الوكيل.

ثم تأتي اللحظة الرابعة عندما نعود فننسى فيها الله ونعمته وصنيعه الجميل فينا ونكل الأمور إلى ذكائنا وصنيع أيدينا، فنستغرق في ذواتنا وننسى الله تماماً.

لكن الله الذي لا يضل ولا ينسى لا يعاقبنا ولا يأخذنا بتقصيرنا بل يأخذنا من جديد بقليل من البأساء والضراء بمثيل تلك اللحظة الأولى من الكرب والآلام حتى نستفيق من خيلائنا وكبرنا، ولعلنا نتضرع إليه.

{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ }[الأنعام:42-44]

اللهم ما بنا من نعمة فمنك وحدك، فإن استحققنا بأساء أو ضراء فيما يأتي بما يظهر منا من ضعف أو نكوص أو هفو أو نسيان أو شقاق أو اختلاف، فأعنا عندها أن نتضرع إليك ونركن إليك ونسألك وحدك ونتبرأ من كل حول وقوة إلا بك، وعاملنا بجميل عفوك ورحمتك وأعنا على أنفسنا وعلى قسوة قلوبنا حتى نعود ونتضرع إليك فتردنا إليك إلي طريق الحق يارب العالمين.

Wednesday, June 13, 2012

كلمة د. محمود عباس حول مرحلة الإعادة


المؤمن العقول الذاكر لا ينسى لله فضلاً، ولا يجحد له نعمة، إنما يحرص دائماً على أن يكون لله شاكراً، والشعب المصري بكل أطيافه ظل محكوماً بنظام فاسد ورئيس خائن أبله تقوده عصابة من أهل الضلال وحوله كتائب من الجلادين باعوا في حانات إبليس نفوسهم، فليلهم سهر وخمر ونساء، ونهارهم قهر وإذلال للأحرار والبسطاء والشرفاء، حتى كمموا الأفواه وخنقوا الأنفاس في صدور الناس، وبثوا العيون في دور العبادة، فروعوا المسلمين في مساجدهم والنصارى في كنائسهم، فإن سألت عن حرية العبادة فقد جاوزت حدك، وإن سألت عن الحرية في البلاد فأنت مخرب، وإن سألت أين أمن العباد ؟ رصدوا لك كل المخاوف ليقطعوا لسانك ويسكن الخوف قلبك.

ثم من الله علينا فتبدلت الحال ، ونطقت الألسنة بعد صمت طويل، وفينا من سكت دهراً ونطق كفراً وتحررت القلوب من الخوف، ذلك شأن الله المعلن في كتابه { وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ } وزحف المخلصون إلى صناديق الانتخاب ليختاروا الرئيس المنتظر، وفي أذهانهم مشاهد الماضي ومآسيه، وفي أنفسهم حرص شديد على الخلاص من بقايا الفساد في البلاد، وفي أعماقهم خوف أشد من أن تعيد إلينا صناديق الانتخاب العفريت الذي كرهناه والنظام الذي ثرنا عليه وحاربناه، كانت تلك مخاوف المؤمنين المخلصين لهذا الوطن، فأسرعوا إلى اللجان دون تخاذل واستجابوا لنداء الوطن دون تكاسل.

وفيهم من جعل هوى النفس تبعاً لمصلحة البلاد، وربما اختار مرشحاً لا يرضي هواه ليقينه بأن هذا المرشح أصلح المرشحين لحكم البلاد، وأن خوفه من الله يمنعه من ظلم العباد ولو خالفوه فكراً ومذهباً ، فمن خرج من رحم القرآن كان صعباً عليه أن يخالف قوله تعالى { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى }.

وفي الجماهير من خرج إلى اللجان ولا يحمل في جعبته إلا الظن الحسن بمرشح قد يرجى خيره ويؤمن شره { وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا }.

وأما الذين استهانوا بالانتخاب فقاطعوه ، إما لأسباب قاهرة وإما لأوهام نفسية صدتهم عن المشاركة، وإما لأنهم فقدوا الثقة في انتخاب حر نزيه، وإما لأنهم سلبيون بطبيعتهم يقلون عند الفزع ويكثرون عند الطمع ، أو كما قال الله في أمثالهم { لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ } وأيا ما كانت الأسباب فقد كتموا الشهادة { وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ }.

وأنا اعتقد كما تعتقد ويعتقد الكثيرون أن مرحلة الإعادة قد تكون تصحيحاً للرأي واختباراً للإرادة، فالناخب الذي يختار بين متنافسين ليحكم لأحدهما هو بمنزلة القاضي الذي يفصل في الخصومة بين خصمين، ومن واجب القاضي شرعاً وخلقاً إذا أخطأ في حكمه الأول بعد مراجعة النفس أن يعود إلى الحق في حكم جديد فقد جاء في رسالة عمر رضي الله عنه إلى قاضيه أبي موسى الأشعري قوله " ولا يمنعنك قضاء قضيته بالأمس وراجعت فيه نفسك وهديت إلى رشدك أن ترجع إلى الحق فإن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل "، فرجوع الناخب عن صوته الأول كرجوع القاضي في حكمه إذا تبين له الحق أو ظهر له وجه صواب، فمن أراد أن يستبرأ لدينه وعرضه ووطنه للحكم بين متنافسين كلاهما مسلم فليتحرى الصدق مع الله وليجعل كلمة الحق فوق مشاعره وهواه، فحياة البشر تستقر بالحق وتشقى بهوى النفس، كما يقول مولانا الجليل { وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ }.

وقد يغلبنا هوى النفس في الإعادة فنجعل اختيارنا لأخد المتنافسين نكاية في الآخر كما صرح لنا بعض الناخبين في المرحلة الأولى ، أو كما يقولون " ليس حباً في يزيد ولكن كراهية لمعاوية " ذلك اختيار سيسأل عنه صاحبه يوم القيامة { سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ } فنذكر الناس هنا بمقالة عمر رضي الله عنه وهو على فراش الموت ، يقول : " لو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً لاستخلفته على المسلمين ، ولو سألني عنه ربي يوم القيامة لما استخلفته دون غيره لقلت : يارب سمعت حبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول : إن سالماً يحب الله تعالى حقاً من قلبه " فإذا اخترت من ترتضيه لدينك يرفع الله به دنياك وتسلم من السؤال يوم القيامة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا }

أ. د. محمود عباس
الاستاذ بجامعة الأزهر الشريف
حلقة بعنوان: انتخابات الرئاسة بين البدء والإعادة
برنامج الإسلام وقضايا العصر - إذاعة القرآن الكريم بتاريخ 12/6/2012