Friday, October 25, 2013

يا عزيزي كلنا إفيالتس



فيلم 300 يحكي عن معركة حقيقية - معركة ترموبيل أو الأبواب الساخنة - وقعت قبل الميلاد ب 480 سنة عندما قام ملك إسبرطة ليونيداس بالتصدي للجيش الفارسي في جيش قوامه 300 مقاتل، وهناك تشكيك في هذه الرواية ويعتبرها البعض مجرد اسطورة إغريقية تبرر للهزيمة اليونانيين امام جحافل جيوش الفرس.

كالعادة لن اعتمد وقائع تاريخية فأنا غير متخصص لكن سأتكلم عن الفيلم وأحداثه المأخوذة عن رواية فرانك ميلر المصورة التي تحمل نفس الاسم، وغرضي من حكاية الفيلم هو تسليط الضوء على أخينا في الرضاعة وصديقنا وشبيهنا إفالتيس.

وإن كانت الأحداث الحقيقة تقول أن هجمات اليونانيين المتتالية على سواحل الفرس كانت سبباً في حملة فارسية انتقامية ضد بلاد اليونان إلا أن قصة الفيلم تجاهلت هذا الأمر وبدأت الرواية بذكر الزحف الفارسي لاحتلال الأرض والتوسع الجغرافي والسعي لفرض تقاليد الفرس وديانتهم ومعبودهم ملك الفرس إلهاً لكل الأراضي المحتلة التي يدخلها الفرس.

كانت جحافل جيوش فارس التي يقترب عددها من مليون، والمدعومة بالمسوخ العجيبة والكائنات الغريبة، إضافة إلى القوات المدربة على أحدث فنون القتال ترغم كل بلدة تمر عليها على الاستسلام والخضوع، وإلا فالدمار والحرق والإبادة مصير من يرفض الخضوع بالعبادة لخشایارشا الأول ملك فارس.

وعندما اقتربت جيوش الفرس من بلاد اليونان، ذهب ليونيداس ملك أسبرطة إلى كهنة الآلهة ليسألهم هل يخرج لحرب الفرس أم يستسلم، لكن زيريكسيس - رسول ملك فارس - كان قد سبقه إليهم ورشاهم بالذهب ليفتوا ليونيداس بضرورة الاستسلام فكان " ذهب زيريكسيس أحب إليهم من حرية أسبرطة "، ونتيجة لقرار الكهنة ورشوة زيريكسيس لبعض أعضاء مجلس شيوخ أسبرطة فقد اتخذ المجلس قراره بعدم خروج الجيش الأسبرطي لصد الزحف الفارسي.

وبرغم رؤية اليونانيين عموما لموقعهم على أنهم أكثر حضارة ورقيا وأفضل في كل النواحي من الفرس الذين ينظرون إليهم على أنهم همج برابرة، إلا أن قرار الاستسلام كان الأقرب لكل ممالك أرض اليونان القديمة.

ومع خذلان الجميع لليونيداس، أعلن أنه سيخرج في رحلة مع ثلاثمائة من أفضل جنود أسبرطة، وكان مبرر الرحلة هو الصيد وأن الجنود هم حراسه الشخصيين وذلك حتى لا يخالف أمر الكهنة ولا الشيوخ، ولكن الحقيقة أنه قرر التصدي لزحف الفرس.

الجنود الثلاثمائة كانوا على دراية بالسبب الحقيقي للرحلة وأنهم بعددهم القليل سيواجهون جيشاً من مليون مقاتل يتعطش للدماء، وأنهم سيقتلون غالباً، وهنا جاء التركيز على شخصية الجندي الأسبرطي، لماذا يقبل ذلك ؟ لأنه تحرر لأقصى الحدود من الدنيا وما فيها، يسعى بكل طريقة للموت بشرف، ويعتبره الجائزة الكبرى التي لا يمكن أن ينال أفضل منها في حياته، الموت عنده خير من الأموال والنساء والمساكن وكل نعيم، أن يقتل في معركة وهو يقاتل بشجاعة هو الشرف الحقيقي الذي يسعى إليه في كل خطوة في حياته، أظهرت القصة هذا المعنى مركب رئيسي في نفسية وتربية كل مواطن أسبرطي منذ طفولته، حتى إفيالتس ذلك الأحدب المشوه الذي كان يراقب تحركات ليونيداس وجنوده الثلاثمائة ويتطلع لأن يكون واحداً منهم، فهو يعتقد بشرف القتال والموت في المعركة كأسمى غاية له في الحياة، فهو في النهاية مواطن أسبرطي تربى على مبادئ وعقائد أسبرطة.



ينطلق الملك في مهمته التي يسميها الجميع الانتحارية، بينما هو وجنوده يرفعهم الشعور بالعزة والكرامة ونصرهم لمبادئ الحق والعدل اليونانية أمام بربرية وهمجية الفرس فصاروا في أسعد حالاتهم يتوقون للمعركة كما يتوق غيرهم للزوجة والمال وينتظرون الموت كما ينتظر غيرهم الولد.

ينطلق الملك فيعسكر بجنوده على ممر جبلي ضيق يجب أن تمر به جيوش الفرس عند الدخول إلى أرض بلاد اليونان، كانت الحكمة من إقامة المعسكر في هذا المكان هو أن الممر لا يسمح إلا بمرور عدد قليل من جنود الفرس بشكل متتالي، فيفقد جيش الفرس ميزة العدد أمام الجنود الثلاثمائة خاصة مع الطريقة القتالية التي يتبعها جنود ليونيداس والتي تعتمد على الجماعية في القتال والاستغلال الأمثل للدروع والأسلحة.

تبدأ المعارك يوماً تلو الأخر، وأفواج الجيش الفارسي أمام بسالة الأسبارطيين ال 300 عاجزة عن اقتحام الممر، أفواج الفرس تنهزم، وجنود أسبرطة ثابتون صامدون يسعون وراء الموت، لكن استبسالهم يؤخر تحقيقهم لغايتهم في الموت.

ثم كانت الخيانة من إفيالتس.

سعى إفيالتس الأسبرطي لأن يكون مع الجنود الثلاثمائة يقاتل معهم ويموت في أرض المعركة وينال الشرف الذي يرى أنه يستحقه كأسبرطي، لكن الملك ليونيداس يرى عجزه البدني حائلاً دون ذلك فطريقة قتال الأسبرطيين الجماعية تجعل من إفيالتس الذي لا يستطيع أن يحمل درعه ثغرة في أي خطة قتالية، واقترح ليونيداس على إفيالتس أن يكون في مؤخرة الجيش يعالج الجرحى ويسقى العطشى، لكن إفيالتس يرى نفسه أكبر من ذلك فسعيه لشرف الموت في المعركة يجعله يرفض هذا العرض ويشعر بالخزي والعار لرفض ليونيداس انضمامه إليه.

فقرر إفيالتس أن ينتقم على طريقته، فحيث أنه لن ينال شرف الموت مع الأسبرطيين قرر حرمانهم جميعاً منه والارتماء في أحضان الفرس، فدلهم على طريق خلفي يستطيعوا من خلاله دخول أرض اليونان، والالتفاف على جيش ليونيداس وتطويقه، وهو يظن أن بهذه الطريقة سيرغم ليونيداس على الاستسلام لشروط ملك الفرس عندما يجد نفسه محاصراً هو وجنوده، فإذا استسلم ليونيداس انقاذا لجنوده يكون قد حرمه من الموت النبيل كما حرمه ليونيداس منه.

أبلغ إفيالتس ملك الفرس بالممر الخلفي ودفع إلى جانب الخيانة شيئاً أخر، فقد أقر بالعبودية لملك فارس، فنال رضا الملك وأغدق عليه بالجواري والمجوهرات والهدايا والنعيم.

بالفعل بعد هذه الخيانة حاصر ملك الفرس الجنود الاسبرطيين الثلاثمائة .. وجاء إفيالتس وقد خلع زي المقاتل الأسبرطي وارتدى الأزياء الفارسية، وتخلى عن عشق الأسبرطي الفطري للموت بشرف في معركة يدافع فيها عن مبادئ الحرية اليونانية. جاءإفيالتس مندوباً عن الملك الفارسي بصفته مواطن إسبرطي لعل مواطنه ليونيداس يستمع له فيستسلم ويعلن الخضوع لملك فارس وينال مثل ما ناله إفيالتس من أعطيات الملك الذي أعلن أنه سيتركه حاكماً لأسبرطة بل ولأرض اليونان جميعهاً فقط إذا أعلن الخضوع للملك الفارسي، جاءت كلمات إفيالتس مغطاة بصوت العقل والحكمة والنجاة الذي يردده ومتسقة مع رغبات النفس في السلامة ....

- لا مفر لك ليونيداس
- قضي الأمر ليونيداس
- ما حملني على الإرتماء في أحضان الفارسيين إلا أن الأمر قد انتهى
- الصمود يعني الهلاك ليونيداس
- لا تهلك جنودك فاسبرطة في حاجة إليهم
- استسلم مثلي تنجو ....

لكن الملك ليونيداس رد على الخائن بكلمات بسيطة قتلت إفيالتس الأسبرطي: نعم سأموت ... لكن أنت يا إفيالتس ستعيش طويلاً ...

قرر الملك ليونيداس عدم الاستسلام وخاض حربه الأخيرة فقتل وجنوده الثلاثمائة جميعاً .. لكن القصة لم تنته عند هذا الحد، فمقتل هؤلاء الثلاثمائة ألهم بلاد اليونان كلها فخرجوا بجيش واحد من كل ممالك اليونان القديمة يقودهم جيش اسبرطة ليوقفوا الزحف الفارسي في اوربا منفذين آخر وصية لليونيداس بعثها للشعوب اليونانية: اذكرونا.