Thursday, June 08, 2017

رامز واكل العقل




من سبع سنوات شاهد صاحبنا لأول مرة حلقات رامز في رمضان، وفي كل مجلس مع العائلة أو لقاء مع الأصدقاء يذكر الاثباتات القاطعة أن كل ما يحدث ما هو إلا كذب وتمثيل وضحك على المشاهدين السذج وإضاعة لأوقاتهم من أجل مكاسب الاعلانات واستحالة صدق المقالب وامتهان عقل المشاهد بتقديم مثل هذه البرامج في الشهر الفضيل. ثم رمضان الذي بعده شاهد أيضاً جميع الحلقات وهو يناقش ويوضح للجميع صحة وجهة نظره الأولى فيه وأن الأمر لا يتعدى تمثيليات سخيفة سمجة لا يليق بنا تصديقها، ثم رمضان الذي يليه شاهده وأثبت، والذي تلاه شاهده وأكد، والذي بعده اشتكى، والذي بعده، ورمضان هذا أيضاً، ورمضان القادم، والبعد القادم، والبعد بعد القادم .. وسيظل يشاهده حتى يموت .. سيشاهده دوما وسيشتكي في كل مرة .. يا صاحبي لا تنكر .. أنت مدمن وشكايتك ما هي إلا تأنيب ضمير وشعور المدمن بالذنب.

اسمح لي بعرض رأيي في برامج المقالب - واللي شبهها من مسلسلات - هذه البرامج امتداد طبيعي لمباريات مصارعة الوحوش والاقتتال حتى الموت في روما القديمة، ومصارعة الديوك والمصارعة الحرة وأفلام المراهقين الأمريكية الغارقة في العنف والدماء. هذه كلها عبارة عن عملية استثارة وتحفيز للرغبة في التشفي والاستمتاع بخداع الآخرين ولو كذباً. عملية بطيئة متوالية لسلب روح وفطرة الإنسان ورغبته في السلام وتحويله لضبع هائج يلهث وراء نشوة ولذة الإثارة والضحك على معاناة الآخرين وترويعهم، بينما تسرق منه وهو لا يشعر قدرته على التمييز والنقد ورفض الخطأ والاعتراض على العدوان والانحياز للمقهورين، والغضب من أجل المستضعفين، بل على العكس يشجع الخداع والاعتداء ويدعمه ويؤيده ويطلب المزيد منه إشباعا لنهمه، بل ويقترح من خبراته إضافات لمزيد من الإثارة.

البرامج دي عملية إعادة تهيئة للنفس الإنسانية بتقوية جانب الشر الهايد فيها على حساب جانب الخير الجيكل، وتدعيم للأخلاق الوحشية والغرائز البهيمية وتثبيت لطباع الحيوان الكامنة ومحاربة أو تحجيم الأخلاق الملائكية اللي المفروض النفس ترتقي ليها.

وأهمية هذه البرامج في برمجة الشعوب بإعادة هيكلة هذه النفوس البائسة المتابعة المتحولة الفاقدة لبوصلة التوجيه - اللي هي القلب اليقظ - لتكون أكثر انصاتاً لأي كذب يروجه فيما بعد الحاكم ولأي خداع يتبناه الإعلام، لأن هذه النفوس من حيث لا تدري ستكون ألين في عملية التشكيل وأسهل في التوجيه وأسرع استجابة وأقوى تأييداً للعدوان، بل هذه النفوس المدمنة ستبحث بنفسها وتتبع البرامج التي تحقق لها نفس تدفق الدماء في العروق وفورة الأعصاب وحبس الأنفاس، والمذيعين الذين يخاطبوا جانبهم الحيواني المتنامي لا جانب الفكر فيهم المتضائل.

الآن تقهم لماذا هذه الدفعات من هذه المخدرات - البرامج - تأتي في رمضان ؟؟! ...

لأنه كان مناسباً تماماً عن عمد أو بتزيين القرناء المسلسلين عرضها في رمضان، للقضاء على أي محاولة روحانية لتهذيب النفس قد يقوم بيها الشهر الكريم، ومواجهة أي سعي فيه لكبت الشهوات، والقضاء على أي محاولة لإنعاش الروحانيات وسمو الأخلاق ورقيها.

Friday, April 28, 2017

الدين نضارة



في سنة 1903 زار الإمام محمد عبده رحمه الله أوربا وكتب مقالات في "المنار" -مجلة تلميذه محمد رشيد رضا - بإمضاء "سائح بصير" يتغزل فيها برقي وحضارة الأوربيين ويبدي إعجابه الشديد بأخلاقهم العالية وسموها، وكان فيما قاله جملته الشهيرة "رأيت في أوربا إسلاما بلا مسلمين، وفي بلادنا مسلمين بلا إسلام" ... ثم ما لبث أن مات على هذا الإعجاب والافتتان بعدها بسنتين.

لكن بعد زيارته بسنوات قليلة جدا جدا (11 سنة تقريبا) هما نفس الناس المتحضرة الراقية دول نزلوا دبح في بعض وتقتيل في حرب عالمية أولى أتت على الأخضر واليابس ودمرت ومسحت بلاد كاملة من على الخريطة وقتلوا منهم فيهم 40 مليون بني آدم وخسائر لا تحصى في حرب وصفت أنها أقذر حرب في التاريخ، وإنها كانت حرب بلا أي قواعد أخلاقية على الإطلاق بعد ما استخدم فيها الألمان بكتريا الجمرة الخبيثة ضد أعدائهم ونشروا الأوبئة في صفوف مش بس الناس لا حتى الحيوانات كمان لم تسلم من أذاهم ..

سكتوا بعدها ؟!! أبدا ... بعدها كمان بأقل من عشرين سنة قامت الحرب العالمية التانية بين نفس الناس المتحضرة الراقية اللي عندهم اسلام بلا مسلمين دول وقتلوا منهم فيهم أكتر من 70 مليون بني آدم واستخدموا الجدري في الحرب بالإضافة طبعا للقنابل النووية في هيوشيما ونجازاكي أبادت مدن وشردت وقتلت مئات الآلاف.

طيب السؤال هنا ... هو فين اللي التميز والرقي اللي شافه محمد عبده ؟ فين الأخلاق العالية والحضارة البناءة اللي تقدس معاني العمل والبناء اللي حكاها ؟ وإزاي وهو الإمام المصلح والشيخ السائح ال "بصير" ما شفش بوادر الشر والرغبة الجهنمية في التدمير والبهيمية وآلة القتل فيهم رغم إنها أكيد كانت موجودة لما زارهم ؟

غلطة محمد عبده إنه لما أراد يحكم حط الدين على جنب وحكم عليهم بما تبقى له من معطيات بعد حذف الدين تماما من المعادلة، عشان كده شاف صورة وردية حالمة عن قشور تمثيلية لأخلاق مكتسبة مالهاش أساس ثابت وبالتالي طاش حكمه فيهم لأنهم تخلوا عن كل دا أمام أول اختبار حقيقي لمبادئهم ...

في الحكم على المواقف وعلى الناس مينفعش تركن الدين على جنب، لو حبيت تحكم على حد أو على موقف فتأكد إن إحنا - كلنا - نظرنا ضعيف أوي والدين نضارة بتوضح لنا الصورة، لو خلعناها حنشوف كل حاجة مشوشة ومش واضحة وخادعة، حتخلع النضارة حتشوف عبد الناصر زعيم والسيسي منقذ، والقذافي حكيم، وصدام أسد، حتشوف الغرب متحضر والخلافة وهمية والشعراوي درويش وجاد الحق متشدد وحسن البنا خوارج، والأزهر إرهابي. البس النضارة عشان تشوف.

قال تعالى : ومازال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به .