Tuesday, January 24, 2012

غزوة بدر


[عناصر خطبة الجمعة 28 يناير 2011]

ملحوظة: الآيات المؤكدة على معاني عناصر الخطبة من سورة الأنفال، وتدور حول غزوة بدر.

التدافع من سنن الله في الكون للإهلاك الظالمين ولحماية الحق من غلبة الباطل، ولامتحان مواقع الناس وحفظ الدين من الانهيار، وحفظ الدنيا من الفساد.
- { وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ }[البقرة : 251]
- { وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }[الحج :40]
برغم أن الخروج كان يبدوا أنه معد ومرتب ترتيبا بشرياً إلا أنه قدر من الله عز وجل، وإرادة الله عز وجل إذا أراد أن يمضي أمراً ويقطع دابر الظالمين ويحق الحق بكلماته ولو كره الكافرون.
- { وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }[يوسف:21]
- { إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ }[الأنفال:42]
كان خروج المؤمنين من اجل استرداد الحقوق المنهوبة والأموال المسروقة والأمن الضائع
- { الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ }[الحج :40]
وهي تربية الإسلام للمسلم ألا يسكت على حقه المغتصب، ولا يرضى بالظلم
- في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال : يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي ؟ قال : فلا تعطه مالك. قال : أرأيت إن قاتلني؟ قال : قاتله. قال : أرأيت إن قتلني ؟ قال : فأنت شهيد. قال : أرأيت إن قتلته ؟ قال : هو في النار.
- في الترمذي عن سعيد بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد.
بينما خروج قريش كان من أجل تكريس الظلم والانتصار له والاعتداء على أصحاب الحقوق، فكان هلاكهم في خروجهم، ولو رجعوا إلى الحق وردوا الحقوق لكان خيرا لهم، لكنها جهالة الظالمين
- { يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}[الحشر : 2]
- { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ }[إبراهيم : 28-29]
- { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }[الأنفال : 47]
فمثلهم مثل فرعون لما أهلك نفسه وجنوده بالخروج للاعتداء على المؤمنين
- { فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ * فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ }[الشعراء : 53 - 59 ]
- ومثلهم مثل أبي جهل فرعون هذه الأمة الذي أهلك نفسه بالخروج لقتال المسلمين قال: لا لن نرجع حتى نرد بدراً، فتقيم ثلاثا، نننحر الجزر، ونشرب الخمر، وتعزف القيان علينا، فلن تزال العرب تهابنا أبدا. فأهلك المغرور نفسه وقومه
ولم يكن كل المؤمنين يرضون هذا الخروج فمنهم من كان له رافضاً، لكن رفضه لم يمنعه من الخروج مع المؤمنين والانتصار للحق، لذلك لم ينزع عنه رفضه الابتدائي للخروج صفة الايمان في الخطاب الإلهي.
- { كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ }[الأنفال: 6] ولمثل هؤلاء المؤمنين الكارهين يقول تعالى لهم{ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لكم }[البقرة:216]، ويقول عز وجل لهم أيضاً { فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيراً}[النساء: 19]
أما المنافقون أصحاب الدنيا والمصالح فلم يخرجوا مع المؤمنين، بل ولم يسلم المؤمنون أصخاب القضية من ألسنتهم
- { إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [الأنفال :47-48]
ولأن الخروج كان من أجل الحق وإعلائه والانتصار له ودفع الباطل فالنصر كان من عند الله وجاء المدد من الله ... أمرهم الله عز وجل بالثبات عند اللقاء:
- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }[الأنفال:45]
أمرهم الله عز وجل بالوحدة وعدم الاختلاف:
- { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }[الأنفال:46]
فلما امتثلوا لأمر الله ثبتهم الله عز وجل بوسائل عدة
- { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ }[إبراهيم : 27]
ثبتهم بالنوم والراحة قبل المعركة والسكينة وتثبيت الأقدام والأمطار الخفيفة الجميلة المنعشة أثنائها
- { إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ }[الأنفال : 11]
ومن التثبيت رؤية النبي صلى الله عليه وسلم للعدو قليل
{ إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }[الأنفال:43]
وثبتهم الله عز وجل بالملائكة: فقد لجئوا إلى الله وطلبوا النصر من الله واستغاثوا بالله فأغاثهم الله
- { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }[الأنفال:9- 10] { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا }[الأنفال:12] { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ * بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ }[آل عمران : 123- 125]
أما خروج العدوان فكان يأمل لو أن الشيطان - الذي طالما خدموه - أن يكون لهم عوناً، لكنه لم يبقى، وتخلى عنهم ونكص على عقبيه:
- { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ * }[الأنفال:47-48]
ولم يكن نصر بدر نصراً سهلاً يسيراً، فلابد من شهداء لاثبات صدق الاعتصام بالله والالتزام بأمره والثبات على الحق
{ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ }[آل عمران : 140]
ورغم أنها لم تكن نهاية المعركة وتبعها العديد من المعارك بين الحق والباطل إلا أنه صار لأصحابها فضل فيما بعد إلى يوم القيامة لكونها البداية وشرارة الانطلاق
- صحيح البخاري عن رفاعة بن رافع رضي الله تعالى عنه أنه قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم ؟ قال: من أفضل المسلمين. أو كلمة نحوها، قال : وكذلك من شهد بدرا من الملائكة.
- وفيه أيضاً عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال لما راسل أحد البدريين أهل مكة : فقال عمر بن الخطاب : إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين ، فدعني فأضرب عنقه ، قال : فقال : ( يا عمر ، وما يدريك ، لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم ، فقد وجبت لكم الجنة ) . قال : فدمعت عينا عمر وقال : الله ورسوله أعلم .
فدين الله يحفظ الفضل لأصحاب المبادرات مادامت في الحق
- { لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }[الحديد : 10]
ثم جاء ختام الآيات في سورة الأنفال عن غزوة بدر بذكر أن نتاج الظلم ومآله هو هلاك ودمار الظالمين وهذا الدمار والخراب هو من صنيع أيديهم وما استجلبوه على أنفسهم بالظلم، تماما مثل آل فرعون لذلك كانت نهايتهم مثله ...
- { ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ * كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ }[الأنفال : 51- 52]

Sunday, January 15, 2012

! انسحاب د. البرادعي



الذين يلومون على الإخوان المسلمين انفرادهم بمواقف تخالف بقية القوى السياسة عليهم الان أن يظهروا قليلاً من الحياء وينتقدوا انفراد د. البرادعي أيضاً بموقفه دون بقية القوى السياسية التي ترى استمرار الضغط على المجلس العسكري وابقاء فعاليات انتخابات الرئاسة كبؤرة للأحداث حتى لا يجد مجلس مبارك العسكري مفر من اجرائها في موعدها أو مواجهة صدام جديد.

فأي مرشح للرئاسة يصر على تسليم السلطة في موعدها ويقف في موقعه كمرشح رئاسي محتمل حاشدا الناس من حوله وداعماً لهذا المطلب فهو شوكة في حلق المجلس العسكري وأفضل يقينا من الانسحاب في هذا التوقيت الغير مميز.

استغرب من موقف د.البرادعي بعد سنة ونصف من الحديث عن احتمال ترشحه لرئاسة الجمهورية ثم يقوم فجأة بنشر رؤيته الاقتصادية التي روج لها أنصاره على إنها شيء معجز لم يحدث من قبل وأن فضيلته قد جاء بما لم يستطعه الأوائل، وأن "الخبراء" يتداولوها على أنها إنجيل الخلاص لمصر.

ثم وفجأة أيضاً وبعدها بخمسة أيام يعلن د. البرادعي أنه لن يترشح للرئاسة احتجاجا على سوء إدارة الفترة الانتقالية التي قاربت على الانتهاء حسب ما هو معلن .. وإن لم تنته لكان موقفه أقوى خاصة أنه لن يكون انفراديا وسيكون متحد مع بمواقف بقية القوى المصرية.

استغرب أيضاً أن د. البرادعي لم ينسحب من سباق الرئاسة أثناء أو بعد أحداث ماسبيرو، ولا أثناء أو بعد أحداث محمد محمود انسحب، رغم أنه رضى وقبل وكان قاب قوسين أو أدني من قبول رئاسة الوزراء وقتها إنقاذا للوطن في تمثيلية الروائي الأسواني الشهيرة .. كذلك لم ينسحب الدكتور البرادعي أثناء أو بعد أحداث مجلس الوزراء .. لم ينسحب دكتور البرادعي إلا بعد انتهاء الانتخابات بكل مراحلها .. فأظن أن هذا أمر يحتاج لتفسير.

ومن حق الدكتور البرادعي أن يلتقي بغالبية مذيعي برامج التوك شو في اجتماع مغلق قبل مؤتمره الصحفي الذي أعلن فيه انسحابه من سباق الترشح. ومن حقهم أن يروجوا بعدها - هم وأنصار الدكتور البرادعي - لانسحابه باعتبار أنه كان احتراماً لدماء الشهداء، ولكن من حقي أيضاً أن اشكك في هذا الادعاء خاصة وأنه لا يوجد عليه بينة وحوله كثير من علامات الاستفهام، ومن حقي أيضاً أنه في حال عودة الدكتور البرادعي إلى سباق الانتخابات أن اعتبر هذه البروباجندة الإعلامية دعاية انتخابية رخيصة ومتاجرة بدم الشهداء.

ومع احترامي للدكتور البرادعي لكن أنا لا احترم موقفه المنسحب .. واشعر بالأسف لأنصاره ومؤيديه على خذلانه لهم واستغرب ممن لايزال من مؤيديه يبرر له أفعاله، ويتضح لي أكثر فأكثر أسباب تخلي كل من دكتور حسن نافعة والاعلامي حمدي قنديل عن دعم البرادعي، وتأكيدهم المستمر على انفراده الدائم بالرأي دون استشارة من حوله.

تحديث بتاريخ 17/1/2012
ذكر الأستاذ نادر بكار كلاماً أراه مناسبا ليضاف إلى جملة الاسئلة المحيرة حول مواقف د. البرادعي، فقد ذكر أنه لا يعتبر انسحاب الدكتور البرادعي انسحابا أخلاقياً، والذين يعتبرون انسحابه أخلاقيا ونوع من الاحتجاج على سوء إدارة المجلس العسكري للفترة الانتقالية، عليهم أن يوضحوا لنا لماذا لم تدفعه هذه الأخلاقيات لينسحب من رئاسة وكالة الطاقة النوورية احتجاجا على سوء إدارة مجلس الأمن وهيمنة أمريكا على الملف العراقي وإهمالهما لتقريره المزعوم عن خلو العراق من الأسلحة النووية، رغم أن موقف انسحابه من أجل قضية العراق أهم وأكبر وأطهر له وسيبرأ يده وساحته أمام التاريخ وأمته من الاشتراك في جريمة قتل مئات الآلاف من المدنيين العراقيين.

Wednesday, January 11, 2012

موقفنا من الآخر



[من كتاب مغالطات - لمحمد قطب]

من القضايا التي يثيرها العلمانيون كثيرا قضية "الآخر" الذي يخالفنا في الرأي، وضرورة الاعتراف له بشرعية الوجود، وحرية التعبير عما يريد، وبالأسلوب الذي يراه مناسبا للتعبير عما يريد.

ولن نسأل العلمانيين هنا عن موقفهم هم من "الآخر" الذي يخالفهم في الرأي، حين يكون هذا الآخر إسلاميا – أصولياً كما يسمونه - كم ينددون بوجوده، وكم يدعون إلى استئصاله، ويستعدون قوى العالم ضده، ويسكتون السكوت المخزي عما يلقاه في سجون الطغاة ومعتقلاتهم من صنوف التعذيب الوحشي، وأقصى ما يصفونها به – إن اضطروا إلى ذلك - أنها "تجاوزات" كان يحسن ألا تقع!

لن نسأل عن ذلك، لأننا نريد أن نبحث القضية بحثا موضوعيا هادئا بلا انفعال.

فمن هو "الآخر" الذي يريدون له شرعية الوجود، وحرية التعبير عما يريد؟ وهل هو نبتة محلية، نبتت تلقائيا من ظروفنا وبيئتنا؟ أم هو نبتة "مستوردة" جيء بها من بيئة أخرى، ومن ظروف غير ظروفنا ؟

.....

اليوم يعتقد العلمانيون في العالم الإسلامي أنهم يمثلون دور ذلك "المفكر الحر" الذي يخرج أمته من الظلمات إلى النور.. ودور ذلك "الآخر" الذي ينبغي الاعتراف له بشرعية الوجود، وهنا الوهم الكبير الذي يقع فيه العلمانيون.

ونحن – من أجل البحث - نفترض فيهم الإخلاص الكامل وتوفر حسن النية، ولكن الإخلاص وحسن النية شيء، واستقامة الفكر شيء آخر، ولا علاقة بينهما! فقد يوجدان معا، وقد يوجد أي منهما دون الآخر!

ونبدأ فنقول: إن "الآخر" الذي يخالفنا في الرأي في إطار الإسلام، لا تحريج عليه في الواقع التاريخي للأمة الإسلامية، وإلا فكيف وجدت المذاهب المختلفة؟ وكيف اختلف الفقهاء فيما بينهم؟ وكيف صار للخلاف قواعد تدرس لطلاب العلم؟ وكيف قال من قال من علمائنا: قولنا صواب يحتمل الخطأ، وقول غيرنا خطأ يحتمل الصواب، وتك قمة النزاهة العلمية وموضوعية البحث، إذ يعتقد العالم أنه على صواب ولكنه لا يصادر احتمال الخطأ، ويعتقد أن غيره مخطئ ومع ذلك يعطيه احتمال الصواب!

ومن ثم لا يكون "للآخر" شكوى، ولا تكون له قضية يثيرها في المجتمع المسلم. وذلك منشؤه أنه لا توجد في دين الله كنيسة ولا رجال دين، فلا يوجد من ثم من يحتكر الصواب وحده. ويؤمن المسلم أن الكمال لله وحده، والعصمة لرسوله صلى الله عليه وسلم، وكل إنسان يستطيع أن يظن في دخيلة نفسه أنه على صواب، ولكنه حين يحاجج الآخرين مطالب بإبراز الدليل، ولا قيمة لدعواه إن لم يقم عليها الدليل.. والواقع التاريخي للأمة الإسلامية هو مصداق هذه الحقائق جميعا، وقد وقع الاختلاف في الرأي منذ وفاة الرسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة سواء في حادث السقيفة أو في محاربة المرتدين أو غيرهما من المواقف، ولم ينكر المسلمون على بعضهم البعض مبدأ الاختلاف. وإن اشتد النقاش بينهم في أمور. وما كانت الشورى لتكون قاعدة أساسية من قواعد المجتمع المسلم ينص عليها القرآن نصا لو أن الخلاف في الرأي كان غير جائز! وإلا فما مجال الشورى إذا كان الرأي تفرضه جهة معينة فيلتزم به الجميع؟!

نعم.. ولكن!

إن العلمانيين لا تعنيهم هذه الحقائق كلها ولا تشبع تطلعاتهم، إنهم يطالبون بشرعية الوجود لمن يحمل اسما مسلماً ويريد أن يكون فكره أو سلوكه خارج إطار الإسلام (وإن ادعى غير ذلك!) فلا يسأل عما يفعل، ولا تصادر حريته، ويقول ما شاء له هواه أن يقول، ويفعل ما شاء له هواه أن يفعل دون تحريج، لأنه هكذا صار الأمر في أوربا حين خرجت من قرونها الوسطى المظلمة..

....

فمنذا الذي يزعم أنه أحكم من الله، وأعلم من الله، وأقدر على معرفة الحقائق من الله، حتى يكون من حقه أن يضع كلام الله على ميزانه، فيقر منه ما يقر، ويعترض منه على ما يشاء؟!

....

قد يزعم العلماني أنه لا ينقض كلام الله، إنما ينقض فهم الآخرين لكلام الله .....
وفي هذا القول مغالطات كثيرة، فمهما اختلفت العقول –السوية- ففي إطار معين، تحدده اللغة ذاتها. وإلا فلو أن من حق كل إنسان أن يفهم من اللغة ما شاء على هواه، فكيف تصبح اللغة أداة تفاهم بين الخلق، وأداة اتصال اجتماعي وفكري؟! وكيف تؤدي مهمتها في حياة البشر؟!

....

ولا نقول مع ذلك إن "الآخر" ليس له دور يؤديه في واقعنا المعاصر! بل نقول على العكس إن له دورا هائلا عليه أن يؤديه!

إن المجتمع الإسلامي في واقعه المعاصر مليء بالانحرافات والأمراض والآفات. وإن الأمة في واقعها المعاصر قد بعدت بعدا شاسعا عن الصورة التي أرادها لها الله وأخرجها من أجلها:

{ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ }[آل عمران:110].

{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } [البقرة:143].

وهي في حاجة لمن يذكرها: { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:55].

وفي حاجة لمن يردها عن انحرافاتها ويعيدها إلى الطريق: { وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [آل عمران:104].

في هذه النقطة لا خلاف بيننا وبين العلمانيين.

فنحن جميعا متفقون على وجود الأمراض في المجتمع الإسلامي، ومتفقون جميعا على ضرورة علاج هذه الأمراض إذا أريد لهذه الأمة أن تنزع عنها تخلفها، وتعود إلى الحياة من جديد. ولكن موضع الخلاف هو في تشخيص المرض ووصف العلاج. فهم يرون أن السبب فيما أصاب الأمة من الأمراض هو الدين، وأن العلاج –على الطريقة الأوربية- هو نبذ الدين أو تحجيمه كما فعلت أوربا لتخرج من قرونها الوسطى المظلمة.

ونحن نرى أن السبب فيما أصاب الأمة من الأمراض هو الانحراف عن الدين، وأن العلاج –على الطريقة الإسلامية- هو العودة الصحيحة إلى دين الله القويم، الذي أنزله الله ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، بدءاً بتعريف الناس ما جهلوه من حقائق الدين، وانتهاء بتربية الأمة على مقتضيات هذا الدين، لتعود كما أرادها الله: { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ }.