Sunday, December 30, 2012

الحياة الأخيرة



قالت: أريد أن اقرأ أو اسمع شيئاً مختلفاً، شيئاً خيالياً.

فكرت قليلاً ثم قلت لها: هل تعلمين ماذا فعل الكاتب بعد أن رحل أهله الأنباط إلى مصر؟

كانت أول بادرة خطرت إلى ذهنه وهو يلمح القافلة تلتهمها رمال الصحراء هي سر تلقيب أهله له بالنبطي ؟ أوليس الجميع هنا أنباط ؟ حدث نفسه أن لعلها كانت نبؤة تخبر بما يحدث الآن، وأني سأكون آخر الأنباط. يذهب الجميع إلى مصر، يذوبون في أهلها، يأكلون طعام المصريين، ويتزوجون من نسائهم، ويتحدثون بلهجتهم، ويتسمون بأسمائهم، ولن تتذكر الأجيال القادمة إلا مصريتها، وذكرى عابرة عن أصول غابرة في جزيرة العرب. أما أنا فسابقى هنا وحيداً أراعي هذه الجدران وأحافظ على ذكرى قومي واستمسك بهذه الجبال خشية أن ترحل هي الأخرى.

آه لو بقيت مارية !! لكنا ملأنا جنبات هذه الجدران بأصوات ضحكاتنا ولاستحالت هذه الأحجار إلى جنان مزهرة، ولأحيينا الديار بصرخاتنا وصخبنا، ولرسمنا أسمينا على أخاديد السيق، ولتسابقنا كل يوم نحو المربوعة، حيث أجلسها مكان أم البنين وأجلس عند قدميها لأسمع منها حكايات أرض كيمي القديمة.

لكنها اختارت هذا الأحول "سلومة"، اختارت ان تبقى معه وأن تترك دنيتنا لأجله، اختارت أن ترحل معه مخلفة وراءها نصف قلب مكلوم، فرغم العبرات التي ذرفتها أمامي وهي تتوسل أن أرحل معهم إلا أنها في النهاية اختارت – بشكل ما - أن تكون له ومعه، وأن ترحل بعيداً عني، لقد حيرتني دموعها دوماً، تتوسل إلى لأرحل معهم حتى استمر في معاناتي وأنا أراها بين أحضان رجل غيري تُنسب إليه من دوني بينما أنا أناديها يا خالة وأتفادى النظر إلى عينيها خوفاً من أن يقع المحظور فأعير بين الناس بالخائن، فإن كانت كل غايتها أن تراني إلى جوارها جامعة بيني وبين غيري، فهذا عذابي، وغايتي المختلفة أن تكون لي وحدي وألا أرى في دنياي غيرها.

لعلها تظن أنها مرغمة فسلومة في النهاية زوجها ... وهو أخي أيضاً، لكنه رحل ولم يعد أخي بعد الآن، لعلي لا آراه بقية عمري .. بقية عمري ؟!! عن أي عمر اتحدث ؟ أنا هنا أحيا وحيداً في مساكن مهجورة وليس عندي غير الزبيب والطعام المجفف، حتى كلباي الأحمقان رحلا، آه لو تركا تلك الضباع الجائعة تأخذني لكنت ارتحت الان مما أنا فيه .. لكنهما أصرا أن يبقيا على الوفاء، وقاتلا عني حتى هلكا، فكانا آخر الأوفياء كما صرت أنا آخر الأنباط .. آه لو بقيت مارية.

لماذا تظن أنها مرغمة ؟ ألم تأت بإرادتها مع سلومة من مصر لتسكن ديارنا ؟ ألم تغير ديانتها وتدين بإرادتها بالدين الجديد ؟ ألم تطلب من سلومة بإرادتها أموالها التي أودعتها عنده واستنصرت بالهودي حتى أعاد إليها أموالها ؟ ألم ترحل بإرادتها معه عائدة إلى مصر ؟ لماذا تعجز إرادتها الآن عن إسعادنا ؟ ألم تدرك إني ما قررت البقاء عناداً في قومي إلا استبقاءاً لها، ولو اظهرت قليلاً من العزم على البقاء معي وهجران الأحول لكنت رحلت معها إلى الشام أو إلى اليمن، أو حتى إلى مصر إلى الأسكندرية بعيدا عن أهلها في كفور النملة.

غريب هذا الاختلاف، كنت أشعر بضيق المكان في وجود التحتانيين، ولعلني كنت أفر منه واغتنم الفرص لاختلي بنفسي بعيدا عنهم، لكن الآن بعد رحيل الجميع اشعر باتساع المكان الغير محتمل، أنى لبشر أن يحيا وحيداً داخل هذا الفراغ، لم أعد اطيق دخول المجلس ولا المربوعة، واتحاشي المرور في السيق حتى لا أرى حجرة مارية، هذه الغبية التي لا تدرك أنها حياة واحدة وعمر واحد علينا أن نغتنمه لنحيا مع من نحب، ونموت أيضاً مع من نحب .. ألم تعرف أني أحبها أكثر من ذاك الأحول الذي لا يجيد إلا شرب الخمر، والبحث عن الأموال، الكل يعلم أنه يهجرها بالشهور الطوال للتجارة، وما هداياه لها إلا لغرض في نفسه يبسط به نفوذه عليها فهي بها راضية، بل والكل يعلم أنه ما أخذها معه إلى مصر إلا ليستولي على دارها ويثبت لنفسه حقاً في قصر بطرس الجابي بصلة قرابتها البعيدة منه، وليتودد بها أيضاً إلى المصريين، فإذا استوفى غرضه فإنه ولا شك هاجرها وربما طلقها ليتفرغ لزوجته الجديدة، فلن تجد عندها من يحنو عليها بعد رحيل أبويها ودخول أخيها بينيامين الدير، كيف تحملت هذه الحمقاء هذا الجلف الغليظ عشر سنوات، ألا تعلم أنها تستحق أفضل من ذلك.

سألقي جسدي هنا على هذه الرمال وأنظر إلى السماء حيث تحوم هذه الجوارح فوقي وتنعق تنتظر موتي، وإن كان ليس أكثر مما انتظره، ما الذي يؤخرها عني فإني لن أقاوم الآن إن بدأت بنهشي، ستنتقل مارية إلى جوار البرابي حيث التقينا أول مرة لتعيش بين الآثار المهجورة، بينما أموت انا هنا في الديار المتروكة، لم نسعد بحياتينا ولن نتحول إلى هدهدين.

[مع كامل الاعتذار ليوسف زيدان]

Friday, December 14, 2012

عن الدستور



وكم بلد بلا دستور صَلُح حالها

وكم من دساتير قل ما تنفعُ

فاشغل نفسك بما هي أهل له

ولا تكن كالغر ينقاد لمن هو يخدعُ

فما صلاح النص فقط يوماً بالذي

يصلح أمة فانتبهوا لي واسمعوا

ولو كان ذا لانتفع إذا عندها

بصالح القرآن خوارج وشِيّعُ

فالعقد لا يحفظ للزوجة سعدَها

إن كان الزوج في المعاصي يرتعُ

فأصلح نفسك وأهلك وقل لهم

إنا نوالي المصلحين ونتْبَعُ

وما الدستور إلا حبر على ورق

وبدون صلاح رعية بالخيبة يرجعُ



Friday, December 07, 2012

خد نقطة



مسابقة الفهم: مجموعة من الاسئلة، كل سؤال تجاوب عليه ب(نعم) احسب لنفسك نقطة، وجمع النقط واعرف نفسك ؟


لو انت فاكر انك بتتعاون مع الحزب الوطني مؤقتاً عشان تقضي على الاخوان وبعد ما تتخلصوا من الإخوان اصدقاءك من الحزب الوطني حيسيبوا البلد تنضف ويتعاونوا معاكم في ديمقراطية حقيقية لخدمة البلد ... خد نقطة.


لو أنت من الثوار الشرفاء وتحالفت مع رجال الحزب الوطني وفي وسط مظاهرة شفت أشكال البلطجية بتوع الحزب الوطني معاك في المظاهرة بيقتلوا وبيحرقوا، فسكت وعملت نفسك مش واخد بالك .... خد نقطة، ولو بررت اللي بيعملوه .... خد نقطتين.

لو أنت مقتنع إن ممكن عدد مهول من ميلشيات الاخوان المسلحة تهجم على عدد بسيط من المعتصمين الشرفاء السلميين الغير مستعدين ولا مجهزين فتكون النتيجة مقتل خمسة من الميليشات المسلحة ... خد نقطة.

لو الكام صورة اللي صحابك شيروهم عن المصابين هزوك من اعماقك وخلوك تكره الاخوان عشان وحشين فضوا الاعتصام بالقوة ومش مصدق كلام الاخوان إن الخيم كانت فاضية، وفي نفس الوقت حرق مقرات الحرية والعدالة، وحرق مقرات جماعة الاخوان المسلمين، واقتحام مقرات صحيفة الاخوان، ومهاجمة بيت أهل مرسي في الشرقية شايف انه عادي ... خد نقطة.

لو مصدق إن عند الإخوان ميليشيات مسلحة وفي نفس الوقت ما دافعوش عن مقراتهم اللي اتحرقت، وبالرغم من كده انت شايف برضه إنهما اللي بيجروا مصر لحرب أهلية، لكن اللي بيعتصم قدام القصر الجمهوري وبيهدد باقتحامه ، وبيرفض عمل دستور، وبيرفض الحوار وينسحب من التأسيسية بعد خمس شهور دا اللي بيحاول يخرج بالبلد لبر الآمان ... خد نقطة.

لو شايف ان اللجنة التأسيسية قعدت تلعب 6 شهور وسلقت الدستور في 24 ساعة ... خد نقطة

لو انت فاكر ان د. البرادعي لما لف يطلب التدخل الأجنبي من امريكا واوربا ويروح المانيا ويتكلم عن الهولكوست ويروح المجلات الاقتصادية في العالم يحذر من الاستثمار في مصر دا تصرف وطني سليم ... خد نقطة.

لو انت مؤمن بكل مبادئ الديموقراطية لكن كافر بمبدأ المعارضة الوفية، وشايف إن الديمقراطية مش لازم تيجي برأي الشعب عشان الشعب جاهل ومضحوك عليه ... خد نقطة.

لو انت فاكر إن الاخوة المسيحيين اللي بيهاجموا مرسي دلوقتي اكتر من أي هجوم عملوه ضد مبارك ونظامه دا بدون توجيه من الكنيسة، ومجرد وجهة نظر سياسية ... خد نقطة.

لو انت شايف إن إعلام بهجت وراتب وساويرس والأمين والجلاد وأديب المستمرين من ايام مبارك ممكن تاخد منهم معلومتك، وواثق في النظام القضائي المستمر من أيام مبارك، وإن دول الخليج اللي ضد الثورة من البداية فجأة بقا قلبهم على الثورة ... خد نقطة.

لو شايف ان الصح ان المعارضة تقاطع كل دعوة للحوار الوطني إلا بعد تنفيذ السلطة لكل شروطها ... خد نقطة.


احسب بقا كام نقطة اخدتها:

لو اقل من نقطتين، فأكيد انت مش مصري، وأكيد أنت دسيسة من قبيلة الاخوان الاعداء.

لو اكتر من نقطتين فمبروك انت فاهم جداااااااااااا (لو مصدق إنك فاهم خد نقطة)




Monday, December 03, 2012

دستور يا اسيادنا



أراهم في البحث عن ضبط وإحكام مواد الدستور بحيث لا يشوبه شائبة يمارسون صناعة الوهم اللذيذ ويروجون له بحيث ننشغل ونسلي أوقاتنا ونبحث لنا عن دور في الأحداث، ونستغله في الدفاع او الهجوم على من يختلفون معنا ... فإذا كان الله تعالى قال عن القرآن { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } فعقيدتي أن أي نتاج بشري لازم يكون فيه تناقضات وقصور، خصوصاً لما يكون نصوصه مجملة زي اختراع الدستور.

والقرآن رغم أنه منزل من عند الله لكن لأنه مجمل فهو حمال وجوه، وعشان كده بيستخدمه أصحاب الاتجاهات في الدعاية لأحزابهم وفصايلهم والهجوم على الآخرين، والله تعالى حذرنا من أمثال هؤلاء فقال { مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ } فالمشكلة مش في القرآن ولكن المشكلة في اللي في قلوبهم زيغ، عشان كده كانت الآية التي تليها مباشرة { رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا }.

إشغال الناس بتفسير كلمات الدستور كلمة كلمة - على طريقة هل ( تتكفل الدولة ) أفضل ولا ( تلتزم الدولة ) أفضل، وحط هنا ( ال ) وشيل من هنا ( ثم ) - يحمل الكثير من الخداع للناس لغرض توجيهم ضد أو مع الإخوان مش لحقيقة جودة أو سوء بنود الدستور، لأن كل رأي مؤيد أو معارض حتلاقي أمامه عدة آراء مضادة وكله من فقهاء قانونين ودستوريين، وما أكثرهم وما أكثر اختلافهم فيما بينهم، ولعدم تخصصنا في القانون ولا في اللغة مش ممكن حنقدر نوصل للإحاطة الكاملة بكل معاني المادة الواحدة في الدستور فضلا عن كل المواد ولا لحسم اختلاف المختلفين، بالإضافة إلى إن كل تفسيراتنا واجتهادنا في تحري الصواب حتضيع هباء عند سفح جبل أوليمبوس حيث يقبع في أعلاه قصر آلهة الدستورية العليا المسئولة عن تفسير هذه الكلمات حسب رؤيتهم ومزاجهم الشخصي العالي المحصن القطعي الغير قابل للنقض وانتمائاتهم السياسية الشريفة، فممكن يخلوا أي مادة غير ما أنت بتقراها وبتفسرها ووافقت عليها من الأساس .. لعب القانونيين بالألفاظ هو اللي بيحرر القاتل من حبل المشنقة ويخليه ينال التعويض المناسب من المقتول.

اسهل حاجة اللعب بالنصوص إذا كانت نفوس من يستعملونه نفوس لها هوى شخصي وميل لمصالحها ابتغاء الفتنة وابتغاء تاويله ... نفس القرآن اللي بيؤمن بيه المسلمون هو اللي استدل بيه الخوارج على كفر الصحابة، واستدل بيه الشيعة على ولاية علي، واستدل بيه كل مبتدع على صحة معتقده ... وعظماء النصارى يقفون على كل لفظ فيه ويقولون دا فيه أخطاء لغوبة ومعاني خفية، مع أننا إحنا وهم أعاجم لا نفقه في اللغة مقارنة بمن نزل القرآن فيهم ومحدش منهم عاب على لغته ولا طلع فيه أخطاء نحوية، وكالعادة الأتباع بتصدق ويمشوا وراهم ويرددوا كلامهم.

المشكلة في أشخاص من يطبق مواد الدستور والقانون مش في نصوص المواد، والدستور القديم كان فيه الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع ومع ذلك كنا بنأجر مدن البلاد للعشاق، وكان فيه حماية حرمة البيوت وكانت أمن الدولة معانا جوا البيوت.

وإذا كان الحال مع القرآن زي ما قلت فهل ممكن لأي دستور بشري يكون أفضل من كده .. فالباحثون عن دستور معصوم واضح وضوح الشمس خالي من كل خطأ أو مظنة خطأ أو شبهة تأويل ليكون إليه المرد في كل نازلة لنا وللأجيال القادمة، باحثون عن شيء يفوق القرآن وليس مجرد مثله { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا }.


القصد: أربع على نفسك .. الموضوع فعلا مش مستاهل العداوة فيه، واحتفظ بوجهة نظرك لنفسك، واترك غيرك يختار من غير خداعك ليه، واللي حابب يعرض وجهة نظره أو يبغبغ وجهة نظر حد تاني غيره فممكن يعمل دا بدون الحماس الشديد والاندفاع نحو استعداء الآخرين، أو على الأقل يصنع عداواته في الدستور بعيدا عنا.

اقترح لك أن يكون التعامل مع الدستور وتحديد الموقف منه هو تكوين رأي مجمل عن الدستور دون الاستغراق في تفاصيله الجزئية. واجعل مجهودك في الموضوع على قدر إيمانك بأهمية الموضوع، أما عني فغالب الظن أني لن أذهب ليومكم المنتظر احتجاجاً على الاهتمام المبالغ فيه بوثيقة المفروض أن تكون مجرد تفاهمات اتفق عليها الناس وقابلة للتغيير في أي وقت وليست مبتدأ وانتهاء الأمر وشعار الولاء والبراء، وليست الخافضة الرافعة المانعة المانحة، لن أذهب احتجاحاً على سعيكم لتنزيه هذه الوثيقة وانزالها منزلة القداسة وطوق النجاة لنعبدها ولتعبدها الأجيال القادمة ...

و مادمتم حولتم موضوع الدستور من مجرد إجراءات حركية وتنظيم للدولة إلى قضية فكرية وعقيدة تزرعوها في الناس .. فالشيء بالشي يذكر:

أولاً: ارفض أن يمنح الدستور للشريعة سلطاتها، والعكس هو الصحيح.

ثانياً: مفيش دستور مكون من اكتر من 200 مادة ممكن اوافق عليها من غير ما اطلع حاجات جوهرية معترض عليها، سواء بنية صالحة أو بنية افساده على الناس .. وبناء عليه " لا " حتكون نصيب أي دستور في الدنيا إلا لو دخلت مع الموافقة أو الاعتراض عوامل أخرى.

ثالثاً: هل ممكن 90% مثلا من عدد 90 مليون بني آدم يوافق كل واحد منهم بنسبة 90% على مواد الدستور بدون أي تدخل او تأثير إعلامي .. هل دا ممكن في عالم الاحتمالات ؟؟؟!!!

رابعاً: سيبوا رجل الشارع البسيط في حاله .. فهو أحسن عقيدة من سيادة المستشار .. فرجل الشارع ممكن بدون اي حرج إنه يلف الفلافل في ورقة مكتوب فيها الدستور، وهو ما لا يمكن ان يفعله مع المصحف.

Sunday, December 02, 2012

فائدة في حمد الله قبل الشكوى




روى الخطيب في تاريخ بغداد: أَخْبَرَنِي أبو الفضل عبد الصمد بن مُحَمَّد الخطيب، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَن بن الْحُسَيْن الفقيه الهمذاني، قَالَ: حَدَّثَنِي أبو مُحَمَّد الْحَسَن بن عثمان بن عبدويه المعروف بابن أبي عمرو البزاز، قَالَ: حَدَّثَنَا أبي، قَالَ: سمعت عبد الرحمن الطبيب وهو طبيب أَحْمَد بن حنبل، وبشر الحافي، قَالَ: اعتلا جميعا في مكان واحد فكنت أدخل إلى بشر فأقول له: كيف تجدك يا أبا نصر؟ قَالَ: فيحمد اللَّه ثم يخبرني فيَقُول: أَحْمَد اللَّه إليك أجد كذا وكذا، وأدخل إلى أبي عبد اللَّه أَحْمَد بن حنبل، فأقول: كيف تجدك يا أبا عبد اللَّه؟ فيَقُول: بخير، فقلت له يومًا: إن أخاك بشرًا عليل وأسأله عن خبره فيبدأ بحمد اللَّه ثم يخبرني، فقَالَ لي: سله عمن أخذ هذا؟ فقلت له: إني أهاب أن أسأله، فقَالَ: قل له: قَالَ لك أخوك أبو عبد اللَّه: عمن أخذت هذا؟ قَالَ: فدخلت عليه فعرفته ما قَالَ: فقَالَ لي: أبو عبد اللَّه لا يريد الشيء إلا بالإسناد، أزهر، عن ابن عون، عن ابن سيرين: إذا حمد اللَّه العبد قبل الشكوى لم تكن شكوى، وإنما أقول لك أجد كذا أعرف قدرة اللَّه في، قَالَ: فخرجت من عنده فمضيت إلى أبي عبد اللَّه فعرفته ما قَالَ، قَالَ: وكنت بعد ذلك إذا دخلت إليه يَقُول: أَحْمَد اللَّه إليك، ثم يذكر ما يجده.


قال القاضي أبو الحسين في طبقات الحنابلة في ترجمة أبي الفضل عبد الرحمن المتطبب: وقال أبو العباس محمد بن أحمد بن الصلت: سمعت عبد الرحمن المتطبب يعرف بطبيب السنة يقول: دخلت على أحمد بن حنبل أعوده فقلت: كيف تجدك ؟ فقال: أنا بعين الله، ثم دخلت على بشر بن الحارث فقلت: كيف تجدك ؟ قال أحمد الله إليك، أجد كذا، أجد كذا، فقلت: أما تخشى أن يكون هذا شكوى ؟ فقال: حدثنا المعافى بن عمران عن سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة والأسود قالا: سمعنا عبد الله بن مسعود يقول قال رسول الله: صلى الله عليه وسلم " إذا كان الشكر قبل الشكوى فليس بشاك " فدخلت على أحمد بن حنبل فحدثته فكان إذا سألته قال: أحمد الله إليك، أجد كذا أجد كذا.



وروى البخاري في صحيحه أن عائشةُ قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: وارأساهْ، وقال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : بل أنا وارأساهْ.



Sunday, November 25, 2012

لما بدا يتثنى



لما بدا يتثنى .. قضّى الصِبا والجمال
حبي جماله فتنا .. أفديه هل من وصال

أومى بلحظه أسرنا .. بالروض بين التلال
غصنٌ سبا حينما .. غنىّ هواه ومال

وعدي ويا حيرتي .. ما لي رحيم شكوتي
بالحب من لوعتي .. إلا مليكُ الجمال

Monday, November 19, 2012

أس البلاء



كتب محمد عبد الله:

فى رأى المتواضع ان المسئول الاول عن الحادث الأليم وغيره هو السيد الرئيس د/ محمد مرسى، ليس لأنه -كما يتندر البعض على مهاجميه- كان عليه ان ينزل بنفسه ليغلق المزلقان...لكن لأنه الى الىن لم يضع يده على اصل البلاء فى البلد ...وإن كان قد فعل..فإنه لم يعرض علينا كيف سيحل تلك المشكلة... وما خطواته التى اتخذها لحلها.. اصل البلاء ليس قطارا متهالكا ولا قضيبا صدءآ ...اصل البلاء فى الإنسان المصرى... الذى محيت كرامته...وكادت ان تتلاشى آدميته...
الانسان الذى يرى انه من الطبيعى ان يحشر قرابة 70 طفل فى مكان يتسع لنصف هذا العدد تقريبا
الانسان الذى لا يحترم صفير القطار ويظن انه بفتاكته "هيخطفها فى السريع"

الانسان الذى يرى انه مقهور ولا يتقاضى اجرا يكفى لأقل تكاليف معيشة آدمية..وعلية فهو لا يؤدى عمله وإن أداه فبتكاسل وبلا مبالاة...
الانسان الذى يقر 4000 جنيه تعويض للمصرى
الانسان الذى بجهله يتعصب لحزب ولتذهب البلد الى الجحيم
----------------------------------------------
السيد الرئيس لم يقدم حلوله وخطواته لأجل ارجاع الآدمية وتوطينها بمصر بعد ان هجرها منذ عقود
ما اريده من الرئيس ان يقدم لنا ماذا قدم لحل اس البلاء...
يدندنون ان الحد الاقصى مطبق منذ عام... اريد ان اعرف كم يتقاضى الرئيس وكم يتقاضى الوزراء والمستشارين ورؤساء الهيئات... وكيف مازال فى مصر من يتسبب تقصيرة فى كوارث مميتة ونجده يتقاضى بضعة مئات تدفعه دفعا للتقصير والاهمال
اريد ان اعرف كيف لمصر التى يدندنون بعظمتها ...كيف ترضى ان يكون ثمن المتوفى فيها 4000 جنية...وحين الحديث عن موكب الرئيس وحراسته التى حددها المتحدث الرسمى ب 600 شخص...نجد من يقول ان تلك هى اقل حراسة تليق برئيس مصر العظيمة
رئيس الجمهورية ليس اعز عندى ولا عند اى اب من فلذة كبده
لا اريد استقالة وزير او رئيس وزراء او رئيس هيئة... اريد رئيس يعيد لى قيمتى وكرامتى كإنسان

Friday, November 09, 2012

طيبة وبنت حلال


قال لي: ماذا أفعل مع خطيبتي ؟؟ حيرتني معها .. تطلب مني أشياء وضدها في نفس الوقت، وإلا تغضب وتقيم الدنيا ولا تقعدها. والآن تطلب مني أن أكون ديكتاتوراً معها وتعدد لي أوجه تقصيرها في حقى وكيف أني أتغاضى عن هذا، فأنا متساهل لا يمكنها الزواج بي وأنا على هذا الشكل. ثم تتبع بقولها ولكن اعلم أنك إن فعلت ذلك الآن وصرت ديكتاتورا وسي السيد بعد كلامي هذا فسأشعر أنك تفتعل إرضاءاً لي وخضوعاً لطلبي ولا تنبع ديكتاتوريتك من صميمك فسيكون ذلك أدعى أن أفض ارتباطي بك، ويذهب كل منا إلى حاله.

تأملت وجهه البائس للحظة، ومر على ذهني في ثانية شريط بأحواله المضطربة خلال اليومين الماضيين وعجزه عن العمل وتقصيره فيه، ولم أشعر بنفسي إلا وأنا انطلق متحدثاً، لم أكن اتابع ما يقول لساني ولكن شكواه وحاله كانا الشرر الذي انفجر بعده مشاعر الغضب من كثيرات ينتمين لهذه النوعية من بنات اليوم، كائنات مختلة لا تفهم معاني الارتباط ولا تقدره، وتتعامل مع الزواج وكأنه لعبة العربس والعروسة التي يلعبها الأطفال، يمارسونها وقت الملل مجبرين، وحين التعب يفضونها ولا يبذلون أي مجهود لحل المشاكل، فهي في النهاية لعبة لا تستحق، أو يفضونها حين توفر تسلية أكبر.

هذه الكائنات التي لا تفهم أن الرجل هو ابن آدم الذي استوحش في الجنة فاحتاج لحواء ليسكن إليها، وأنه إن كان هذا حاله في الجنة فهو بلا شك أحوج إلى حواء وهو يعاني في جحيم معارك العمل والمواصلات والحياة اليومية. فيتعاملن مع الزواج وكأنه فيلم عربي مكرر يكتفين بمشاهدته على ملل وزهق ولا يستمتعن به إلا بمقدار ما يكتشفونه من مناطق جديدة تزيد العقد الدرامية والمشاكل فتضيف على الأحداث سخونة.

هذه الكائنات التي لا تدري شيئاً عن أولويات الحياة فهي تستأسد عند مواجهتك بجديد المشاكل لكن تجبن عند اتخاذ قرار يحل ما صنعته أيديهن من مشاكل، وإن اتخذت هي قراراً ما، كان في غير محله ويزيد تعقيد كل بسيط لأنها تتعامى عن الهدف من حياتها وسنة الله في خلقها، وحتى تعاملها مع قرارها الخاطئ عجيب، فهي أيضاً ترفض تحمل أي عواقب لقرار لها، وهكذا هي .. مترددة دائماً، تريد أن تحتفظ بكل شيء، مزايا الحياة قبل الارتباط ومزايا ما بعد الارتباط دون أي استعداد للمجازفة أو المخاطرة أو الوقوف بجانب شريك حياتها إلى النهاية، لذلك فهي واقفة في مكانها لا تتحرك ولا تتقدم خطوة نحو تهيئة أجواء الزواج السعيد، والعجب أنها تعتبر هذا الثبات والوقوف والإحجام عن إسعاد زوجها قمة التضحية.

ومع هذا التردد العظيم تراها على العكس إن كان الأمر خالصاً لها وحدها كعمل أو دراسة أو مال تريده لنفسها تراها تقاتل حتى تنال ما تريد، وحينها تتحدى الجميع ويمكنها الذهاب لأبعد مما تتخيل وأبعد بكثير جداً مما إذا كان قتالها من أجل بيت أو أسرة. ورغم كونك واضحاً معها في رغبتك بالسعادة لك ولها وما تمارسه من أعمال منذ بدء الخليقة تثبت بها حسن نواياك ورغبتك في التغلب على كافة المشاكل والوصول بالأسرة إلى بر السعادة للجميع، وتدفع من مالك ووقتك وجهدك في إعداد والقيام ببيت الزوجية وتتحمل سخافات أمها وأبيها وانتقادات الآخرين لاختيارك لها وتتغاضي عن زلاتها وتقصيرها في حقك حتى أمام الناس وتستميت في سبيل استمرارية هذه الأسرة. فأنك لا تعامل بالمثل فتأخذك معها بنرجسيتها وترددها إلى غياهب المرض والاكتئاب ذلك أن كل مصيبتك أنك آمنت بها وظننت يها الخير.

هذه الأصناف تعجز عن فتح بيت وإقامة أسرة برغم معسول الكلام الذي تسمعه ليل نهار منها عن أحلام مراهقتها في إدارة عش الزوجية، ولا تجيد معاملة أمك، برغم الوعود الخداعة السابقة بحسن الرعاية والمعاملة مهما آساءت، ولا تهتم بطعامك، ولا براحتك في بيتك، ولا بأولادك، ولا تتحمل تقلبات ظروفك المادية مهما ادعت أمام الآخرين غير ذلك، بل على العكس فهي من تكلفك فوق الطاقة بإلزامك مجاراة الناس، هي من تتخلى عن اهتماماتك، وتعزلك في قمقم من المشاكل والخلافات والنقاشات العصبية، ثم مع هذا كله تذكر لك كل حين كيف أن لها اليد العليا في إقامة هذه الزواج وأنها ضحت وتركت من أجلك ولولا تضحياتها المزعومة لما كان لهذا الزواج أن يقام أو يستمر، وأنه كان يمكنها أن تفعل كذا وكذا وأن تتزوج بفلان وعلان غير أن النصيب هو من أوقعها بك، فكما رضيت هي بنصيبها العاثر معك فاحمد الله على قبولها لك ورضاها بك فليس لك حق عندها ولا تفتح فمك مطالباً بشيء.

هذه الأشكال لم تتعلم من أمهاتنا شيئاً عن الزواج، فأمهاتنا هن جيل الكوافيل، أما بنات اليوم فهن جيل البامبرز، والفرق بينهما عظيم لمن يعلم، جيل البامبز هو جيل العار على تاريخ النساء، فأمهاتنا - على ما فيهن – كن يعين معنى الزواج ومعنى أن تقف الزوجة إلى جانب زوجها، أما هذه النفوس فلا تحفظك بل تحفظ ما ترد به عليك في كل موقف، فجمل مثل كن محمد أكن لك عائشة، ويا جارية اطبخي يا سيدي كلف .. إلخ ستسمعها ليل نهار، هي لا تسعى وتكد في معرفتك بمثل جهدها في معرفة كيف تستثير أعصابك لتخرج عن شعورك فتمسك عليك الأخطاء، تنشغل بك ولا تنشغل عليك، تمثل دور الزوجة المحبة كما قرأته في الروايات وخططت له أن يكون .. فدورها مجرد كلام لا يتعدى إلا فعل أي شيء، ولا يطلب منها بذل أي مجهود من أي نوع سوى حركات الشفاه. تبحث كيف تضع بصمتها عليك تفاخراً فكل عملها معك هو انتقاد ملبسك ومأكلك ونطقك ومشاهداتك وعملك وأصحابك، دون أي تكلييف بتغيير واقع تصرفاتها وتقصيرها في حقك وحق بيتها. لا تتفهم لطفك وتحملك وصمتك ولا تقدره، بل على العكس تعتبره مدخلاً لفرض جدالاتها السرمدية حول توافه القضايا.

وبينما أنا منطلق في الكلام وقبل أن أتم ماعندي لاحظت صمته وتحديقه في مذبهلاً كان ينظر إلى في عجب واضح فاغراً فاه، محدق العينين كأنه ينظر إلى دصنانور، فما أن رآني التقط أنفاسي حتى أسكتني بقوله: لا بس هي طيبة وبنت حلال.
.
.
.
.
.
.
.


Thursday, November 01, 2012

ما هذا برأي


لا تعجب إذا سمعت أحدهم يجحد حق الله في أن يكون كلامه فوق كل أوراقنا ودساتيرنا، ولا تعجب إذا سمعتنا نختلف على حدود سلطان الله وحكمه على عبيده التي سنكتبها في مادة قانونية في أحد أوراقنا الهزلية التي يتخذها سلطان وتهاني سيفاً يحاربون به مخالفيهم، ويركبها المحامون ليل نهار للعكننة على المخاليق أو للشهرة، لا تعجب فنحن نمارس الجحود في كل شيء مع الآخرين ليل نهار، فلا عجب أبداً أن يصل الجحود ببعضنا لأن يجحد حق الإله في أن تكون كلماته وكلمات رسوله هي أعلى وثيقة مكتوبة، وكل ما عداها يستمد سلطانها منها لا العكس.

أكرر أن معظمنا يمارس الجحود مع الآخرين في كل وقت وفي أصغر الأشياء قبل أكبرها، مشاهدة أكثرنا تكشفنا ونحن نضع أنفسنا في منزلة أعلى من غيرنا، نختال عليهم بلا شيء عندنا سوى القدرة على التحطيم، وكأننا بإنكارنا أفضال الناس نرضي شيئا ما غامض في نفوسنا، نبرر جحودنا أحياناً بأنها الموضوعية، أو ضرورة العمل وتغليب المصلحة، أو الصدوع بالحق أو الكرامة ... إلخ، ثم نقف على مسافة نتشفى في ضحايانا ونراقبهم وهم يترنحون أمامنا بعد أن أعملنا فيهم سهام اليأس والإحباط.

كم مدير في عمل سمعتم عنه، يتلقى اقتراحات مرؤوسيه بسعادة حقيقية ؟ ثم يتبع ذلك منه سعياً جاداً لتنفيذ هذه الاقتراحات دون أن يطمس حق صاحبها، وكم مدير في عمل رأي في عمل أحد مرؤوسيه إنجازاً عظيماً يستحق أن يكافئ عليه مادياً أو معنوياً .. اذكر في عمل سابق لي لما قرر العميل أن يقيم للعاملين في الشركة حفل بسيط احتفالاً وتعبيراً عن شكره لسهرنا وإقامتنا شبه الكاملة في الشركة حتى إتمام العمل، وآثناء الحفل تقدم مدير الشركة المسؤل ليؤكد أننا تراخينا وأنه كان يمكن للعمل أن يتم في أقل من هذه المدة، ليقتنع صاحب العمل ويحيل الحفل حسرة، والاحتفال جنازة.

هذا المدير ليس شريراً ولا يرى نفسه مريضاً نفسياً، وإنما يرى أن كلماته هذه ضرورة تفرضها عليه طبيعة عمله - رغم عدم وجوده في أي مرحلة من مراحل العمل - وربما قد يرى أن كلماته إظهاراً لانضباط الشركة بإدارته الحازمة أمام العميل، أو ضغطاً في محله يحتاجه العمل لضبط سلوك العاملين، أو غير ذلك كثير من المبررات التي تجعله هانئ البال قرير العين راضياً عن نفسه، بل وربما تجعله يحتسب الأجر والثواب عند الله على كلماته الجاحدة.

في الحياة الزوجية مثل ذلك، لا تجد أحد الزوجين يعترف للآخر بفضل ولا يذكر له تضحية، بل على العكس هو يرجع كل تضحية إلى ضرورة وكل فضل إلى نقيصة، فمعاناتي من أجل توفير لقمة العيش والحياة الكريمة ضرورة تفرضها الحياة، وكذلك معاناتي في تربية الأبناء ضرورة أيضاً، وأما سكوتك على اتهاماتي فليس امتصاصاً لغضبي وإنما لأن ليس لديك دفاع وجيه وتعترف بكل ادعاءاتي، وكذلك توددك لي دون مناسبة لاشك أنه يخفي جرماً مشهوداً ومصيبة سودة عملتها يا منيل ... وهكذا

هذا هو كفران العشير الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه من عادة النساء فقال " أريت النار فإذا أكثر أهلها النساء ، يكفرن ". قيل : أيكفرن بالله ؟ قال: " يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئا، قالت: ما رأيت منك خير قط " ، هذا هو الجحود وكفران العشير الذي امتد وصار متبادلاً بين الرجال والنساء، وكأننا بجحودنا نتملص من آداء الحقوق تجاه شريك حياتنا برفض الاعتراف بفضله، مع أن الموضوع أبسط من ذلك فالكلمة الطيبة صدقة وتديم المحبة والعشرة بالمعروف.

جلست في عدة جلسات متنوعة ومتعددة المهام لتبادل الأفكار بين أفرادها، كانت كل جلسة أشبه بجلسات قريش في دار الندوة، فكل واحد من المجموعة يطرح فكرة ما ويذكر مميزاتها، فيخرج أحد الأفراد معترضاً ، قائلاً الجملة الشهيرة : " ما هذا برأي " ويبدأ في سرد مساوئ رأي صاحبه لتتحطم الفكرة على صخور كلماته، ثم يبدأ آخر في ذكر فكرة جديدة بمحاسنه ومزاياها بعد اهمال الجميع للفكرة الأولى، فيخرج آخر ليعترض مجدداً وهو يكرر: " ما هذا برأي " .. وهكذا إلى مالا نهاية.

مثل هذه الجلسات لا تنتهي أبداً بشيء عملي مفيد يمكن تنفيذه، ولذلك لا أعجب إذ احتاج إبليس أن ينزل بنفسه إلى دار الندوة ليحسم لكفار قريش أمر قتل النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه لو تركهم لإدارتهم البائسة للجلسة ما انتهوا إلى قرار أبداً.

نحن نتعامل هكذا، إما أن أكون صاحب الفكرة أو اجحد آراء الآخرين وتصوراتهم وآراءهم .. أو بمعنى آخر: فيها لاخفيها. مع أننا نتمتم كثيراً متحسرين على حالنا أن الغربيين ينجح عندهم أصحاب الأفكار الفاشلة لأنهم يساعدونهم المرة تلو الأخرى حتى تنجح أفكارهم بينما نحن نضع العراقيل أمام الأفكار الناجحة حتى تفشل. ومع علمنا بهذه الحقيقة فلا نكف عن ممارسة جحد الآخرين وأفكارهم وأحلامهم.

لماذا لا نستطيع أن نكمل أفكار بعض حتى نصل بها إلى التمام، لماذا لا أشارك في عملك وإن اختلفت معك في بعض تفاصيل عملك، وحتى وأنا أرى أهمية هذه التفاصيل المختلف عليها، لكن لعلمي بصالح نواياك وخفضي لجناحي للمؤمنين، وعدم رؤية عبقرية ذاتي وتفوقي الفكري عليك، ولظني أن رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب، فإني - لذلك كله - أشارك في عملك وسعيك واتحمل معك النتائج احتسابا وامتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتطاوع بين المؤمنين كما قال لأبي موسى الأشعري ومعاذ بن جبل: " تطاوعاً ولا تختلفا ".

لماذا تتحول ملاحظاتنا لأوجه القصور في أعمال الأخرين إلى اختلافات منهجية وفكرية وعقدية لا يستقيم معها – بزعمنا – مشاركتنا في إنجاح أعمالهم، لما لا يعقب رؤيتي للعيوب مرحلة المعالجة إن أمكن وطرح الحلول حتى تكتمل الفكرة ولا تفشل. فإن استطعت وإلا فلعل الله يصلح بالصدق القصور ويجبر بالمحبة الكسور، لماذا اتعامل بمنطق كل الأفكار لا تصلح إلا فكرتي، وكل الأعمال فاشلة إلا عملي، وكل إنجاز هو خيال ما دام غير قائم على مباركتي، وكل تضحية هي وهم إلا تضحياتي.

ما نفعله مع الآخرين هو عين الجحود الذي يجعلك تزدري الناس وتبطر الحق وهو شقيق العند الذي يورث الكفر، وكلاهما ابنا الكبر الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر "، فقال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة. ، فقال صلى الله عليه وسلم: " إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس ". أو " ولكن الكبر من سفه الحق وازدرى الناس ".

Wednesday, October 10, 2012

ليعلم البث


نسمات الرحمة تلك التي يرسلها الله تعالى إلى أرواحنا التي تعاني مع مصطفين من البشر هي التي تجعلنا نحتمل قسوة الحياة.

يتردد في خاطري جملة المرأة العربية وهي تصف زوجها فتقول : " لا يولج الكف ليعلم البث " واتعجب منها حين تذكر مساوئ زوجها فلم تجد أسوأ من هذه الكلمات لتصف بها أنانيته الشديدة وانغلاقه على نفسه، فبعد أن يحصل كل الاهتمام منها لا يقوم بمبادلتها الاهتمام فيضع كفه على موضع ألم لديها حنواً واستفساراً عن شكوى ترغب هي في بثها إليه.

نحن نعاني عندما نحتاج إلى رؤية مظاهر الاهتمام بنا من المقربين فلا نجدها، نعاني عندما نحتاج ولا نجد من يسأل عنا وعن أحوالنا ويستفسر عن مشاكلنا وآلامنا ويسدد لنا المشورة ويطمئن علينا ويصغي إلينا باهتمام، نعاني عندما لا نجد من يولج الكف داخل أعماقنا ليعلم بث نفوسنا.

نحن ننفي عن أنفسنا شبهة التقصير مع من يعيشون في دوائرنا بمجموعة متلاحقة من الاسئلة الروتينية المتتالية، كيف حالك ؟ عامل إيه ؟ إيه أخبارك ؟ إيه أخبار شغلك ؟ إيه أخبار أسرتك ؟ وبعد تلقي الإجابات على منشور الأسئلة بجملة واحدة تحمل حمد الله والثناء عليه ودون التفات لحقيقة هذه الإجابات، نشعر بارتياح لأزاحة هذا الواجب الثقيل عن صدورنا، لنبدأ بعدها في سرد مواضيعنا ومشاكلنا وما نهتم له حقاً، الغريب أنه يوماً ما وعندك انهيارك تجدهم يأتونك ليسألوك في براءة: ما قلتش ليه ؟ ما حكتليش ليه ؟ مش سألتك عامل إيه ؟ كنت قلي يا أخي وبعدين أنت المفروض من نفسك تيجي وتقول لي .. هو احنا مش اخوات ؟ أو يقول مبرراً تجاهله لمعاناتك : أصل أنا حسيت إنك مش عايز تتكلم !!!.

أفكار تتردد في نفسي حول حاجة الانسان لمن يسأله باهتمام صادق عن حاجته وعن آلامه دون إلحاح ولا اصطناع مكشوف، هل هذه الحاجة مرتبطة فقط بالنساء ؟ حدث مراراً أن سمعنا طلب المرأة من زوجها أن يولج الكف ليعلم البث، إلا أنه لم يؤثر أن طلب رجل من زوجته أو صديقه أن يسأله عما يضايقه، بل على العكس فالمشهور عن الرجل هو ميله لدخول كهف الرجل عند وجود المشاكل، لكن ماذا إذا طال أمد هذه المشاكل هل متوقع أن يظل الرجل في كهفه ؟ ألن يخرج متوقعاً وجود من يفتقده ومن يهتم لحاله ويسأله عن حاجته ؟ وإذا بقى في كهفه طويلاً أيعيبه أن يتوقع وجود من يطرق عليه أحد الباب ليقدم له ولو كوباً من الماءن ويفتقد هذا الطارق.

لا أظن الحاجة لمن يسمع طلباً أنثوياً، فالحاصل أن الرجال والنساء يذهبون جميعهم إلى الطبيب النفسي ليسمع شكواهم. وحتى عندما يذهبون إليه يفاجئون بأنه مع كثرة المترددين عليه يقصر سماعه للمشاكل على دقائق معدودة بالمقدار الذي يطمئن فيه قلبه ويرضى ضميره عندما يكتب المهدئات المعتادة لمرضاه، دون أن يكلف نفسه كلفة سماع شكاوهم المملة.

نعم شكوانا وآلامنا مملة لدى الآخرين ولا يصح أن يطلب المرء من الآخرين سماع آلامه، ولا أن يدفع لطبيب لكي يفضفض له عما يحيره ويعاني منه، طلب اهتمام الآخرين حماقة ونرجسية ومراهقة وطفولة متأخرة كمان، أنت مكون لا بأس به عند الآخرين، لكن لن يبلغ الاهتمام بك أبداً درجة الاهتمام بترابيزة السفرة التي نمسح عنها التراب ليل نهار لتحمل لنا أطباق الطعام، كن واقعياً فعلى المرء أن يكون رجلاً حمالاً يحتفظ بمعاناته لنفسه دون أن يزعج الاخرين بها ولا أن يبحث عن من يشاركه فيها حتى تأني نهايته يدخل قبره مع آلامه، وحتى لو دخل قبره سريعاً بسبب آلامه، عليه أن يكون رجلاً ويدخل في صمت.

بينما أفكار الآسى على الذات هذه وغيرها تتردد تأتي نسمات الرحمة، رن التليفون في العاشرة صباحاً، لأجد المهندس عبد الرحمن يتصل بي، فاجأني بقوله : انا بس قلق عليك فقلت اطمئن عشان أنت امبارح جيت لي في المنام وقعدت معايا لصلاة الفجر وكان شكلك متضايق أوي وقعدت تفرجني صور لناس انا ما اعرفهمش وتشتكي لي منهم .. طيب هما زعلوك ؟ حد ضايقك ؟ احكي لي فضفض لأخوك ...

الحمد لله يا باشمهندس، شكرا ليك .. كل حاجة تمام وأنا بخير، جزاك الله خيراً على السؤال.

Wednesday, October 03, 2012

الكسل


امتدت نظراتي إلى الديسكتوب على شاشة جهاز الكمبيوتر البعيد وأنا ممدد على فراشي، والذي رغم كونه غير مريح فمع الكسل أصبح أحب إلى من جميع ملذات الدنيا في هذه اللحظة، يجب أن أغلق هذا الجهاز البعيد ولكن كيف ؟

هو بعيد وليس لدي يد بهذا الطول لتمتد فتغلق الجهاز، كما ان خاصية الأمر الصوتي Speed Recognation الموجودة في الويندوز داخل ال Control Panel لم اقم بتفعيلها لأتمكن من أن اقول للجهاز Shut down فيغلق نفسه بنفسه، بالأضافة لكون المايك - وهو ضروري لهذه العملية - غير متصل أصلا .. ماذا أفعل ؟؟

وقعت عيني على اللابتوب الموجود على كرسي بجوار السرير، اقنعت يدي أنها يمكنها أن تتحرك وتقوم بهذه التضحية من أجل سعادة باقي الجسد .. أخيراً استجابت يدي وامتدت نحو اللابتوب لتحضره.

فكرتي كانت أنه عبر اللابتوب وعن طريق برنامج الـ Remote Desktop Connection الموجود في قائمة Start يمكنني أن ادخل إلى جهازي البعيد بإدخال الـ IP الخاص به واتعامل معه وكأني اجلس عليه مباشرة، ويمكنني إذا أن أجد طريقة ما لغلق الجهاز ..

انتهى اللابتوب من التحميل والآن عبر اللابتوب دخلت إلى جهازي البعيد واستطيع أرى سطح المكتب لكن بهذه الطريقة الريموتلية فإن زر إغلاق الويندوز Shut Down في جهازي البعيد لن يظهر ،، ماذا افعل ؟؟

فكرت ... إذا صنعت ملف (باتش) لغلق الجهاز ووضعته على جهازي البعيد ثم فتحته بالدابل كليك المعتادة فإنه سيغلق الجهاز. فبدأت بالتنفيذ، وبعد سيرش بربع جنيه على النت وجدت انه يمكنني أن انشأ ملف Text عادي من برنامج الـ Notepad واكتب فيه مسار برنامج اغلاق الجهاز الموجود في الويندوز على المسار التالي C:\Windows\System32\shutdown.exe ثم اتبعه بمجموعة الاختييارات اللازمة مثل

r- لعمل ريستارت
أو F- لعمل غلق إجباري لكل البرامج المفتوحة
وتحديد الوقت المناسب للغلق t 02-

ليصبح كل ما كتب في الملف كالتالي

C:\Windows\System32\shutdown.exe -f -t 02

قمت بحفظ الملف وغلقه ثم قمت بتحويل امتداد الملف من txt. إلى bat. ليتحول الفايل إلى باتش فايل جاهز الآن للاستخدام كبرنامج لغلق الكمبيوتر، الآن اضغط عليه من مكانه على سطح مكتب جهازي البعيد، وأخيراً وبعد ثواني تمت بنجاح عملية غلق جهاز البعيد.

اغلقت اللابتوب سريعاً سعيداً بينما امتدت نظراتي مرة أخرى إلى ضوء اللمبة وزرها البعيد باحثاً عن أي فكرة يمكن اطفاءها بها دون أن اضطر إلى القيام من مكاني، وبعد مدة من تفكير دون جدوى، ودون التوصل إلى أي حل كهربي، استسلمت وقمت فأطفأتها وحمدت الله أني اعمل في مجال الكمبيوتر حيث يوجد دائماً مكاناً للكسالى يبرعون فيه في إيجاد الحلول للمشاكل بما يناسب كسلهم، ولم اضطر يوماً ان اعمل بشهادتي الجامعية في مجال الكهرباء.

Saturday, August 25, 2012

حوار الكفاءة والثقة


التقيت به وهو أحد أعضاء حزب جديد أنشأ من بعد الثورة، ذكرت له افتقادي له، فلي مدة لم أره فيها، وسألته عن المانع متمنياً أن يكون خيراً، فأجابني وهو يشكو زحام المسئوليات وكثرة التكاليف الملقاة على عاتقه في الحزب، ذاكراً لي بعضاً من مهامه والمكلف بها داخل المحافظة والتي تقريباً يقوم بها كلها وحده.

سألته عن سبب تركيز كل هذه المهام والملفات في يد رجل واحد وظني بالقائمين على الحزب أنهم لو أرادوا لوجدوا لكل ملف من هذه الملفات أكثر من شخص قادر على حمله والتفرع له وصب كل تركيزه فيه، وتماديت فاقترحت عليه أن يقوم هو بالبحث بنفسه عن هذه الكوادر المناسبة واختبارها وتأهيلها وتقديمها وتصعيدها لمساعدته في مهامه أولاً، وليخلفوه فيها إن عرض له عارض يعوقه عن انجاز مهامه ثانياً، فأجابني أنه حتى لو فعل ذلك فإن عمله هذا لن يلق قبولاً لدى قيادات الحزب ومسئوليه، لأنهم يخشون "سرقة الحزب" منهم.

أظهرت عدم فهمي لما يقول وطلبت منه التوضيح، فقال لي الحزب لا يزال في طور البناء ويسهل جدا أن ينضم إلى الحزب أعداد كبيرة من توجهات مختلفة وينخرطوا في لجان العمل فيه، ثم إذا أجريت انتخابات داخلية صعد تيار مختلف فكرياً ومنهجياً مع أفكار مؤسسي الحزب، ليجد مؤسسو الحزب أنفسهم مهمشين أو خارج الحزب، ويسيطر على الحزب هذا التيار الجديد بأفكاره الخاصة وقد حصل مثل هذا في حزب كذا، فيكون الحاصل أن مؤسسي الحزب الذي تحملوا الكثير من أجل أن يقف على قدميه ويحقق سمعة طيبة وانتشاراً واسعا قد قدموه على طبق من فضة لغيرهم وتنازلوا عنه طواعية لمن لم يبذل ما بذلوه من أجل هذا الحزب.

وعليه فإن قادة الحزب ليحافظوا عليه يقدمون مبدأ الثقة في هذه المرحلة على مبدأ الكفاءة ويرون أن تركيز الملفات في يد من يثقون بهم أفضل من توسيع قاعدة الكوادر لتضم أصحاب كفاءة ممن لا يحوزون علامة الثقة الكاملة أو يوجد اختلاف معهم في بعض المسائل.

فهمت الإشكالية التي يشرحها صاحبنا، وسكت واحترت، لا استطيع أن ألوم حزبه على طريقة تفكيره العقيمة، فهذا المنهج يطغى على إدارة كل كيان في مصر لا استثني أحد، فالتصعيد والترقية وإسناد الملفات الهامة لا يكون إلا لمن نضمن ولائه لنا أولاً وقبل النظر في كفائته من عدمها أو مناسبته دون غيره للمكان المرشح إليه.

هذه ليست مشكلة أحزاب، هذه عقائد تربينا عليها في كل نواحي حياتنا منذ أن سيطر فكر الإدارة العسكرية على البلاد وكرس الولاء للقيادة وجعل الطاعة العمياء معياراً للترقي ودليلاً على الجدارة، فصار إقصاء المخالفين مهما بلغوا من الكفاءة وتقريب أصحاب الثقة وتصعيدهم - وإن قلت أو انعدمت كفاءتهم - منهجاً متبعاً في كل مؤسسات ومكونات البلاد.

نحن نفعل ذلك بشكل معتاد رغم ادعائنا عكس ذلك بل ونوجد لفعلنا المبررات المنمقة، كزعمنا الحتمية والضرورة لإيجاد التقارب والتآلف بين أفراد فريق العمل الواحد لأنجاز المهام وكأننا نقبل على علاقة زواج أو علاقة شخصية لا على علاقة عمل ورغم أننا لا نتعامل بالحدود الدنيا لهذا التقارب المطلوب.

لا اتحدث فقط عن الوزارء الذين كانوا يعينون تبعاً لولائهم للنظام خاصة مع غياب الكفاءات التي تستحق، ولا اتحدث فقط عن المحافظين أو رؤساء الاحياء الذين يتم اختيارهم من أصحاب الرتب العسكرية العالية المتقاعدين المضمون ولائهم للنظام، بل اتحدث عنا نحن الذين إذا أتيح لأحدنا الفرصة لتكوين فريق عمل فسيختار من يثق فيه ويستطيع السيطرة عليه، ولا يتخطاه وسيجعل الكفاءة في المرتبة الثانية أو الثالثة في قائمة معايير الاختيار حتى لا يظهر نقص فيه بغض النظر عن ملصحة العمل. اتحدث عنا لما كنا صغاراً نلعب كرة القدم وكان كل قائد فريق يختار فريقه حسب صداقته له وقربه منه قبل أي شيء. اتحدث عن الداء الذي وصل حتى إلى الجماعات الدعوية فمن نشأ في كنفنا فهو منا ومن لم يكن كذلك لا يمكن أن يرتقي لنا منبراً ولا أن يتقدم لنا في محراب.

فإذا كان هذا هو حالنا من صغيرنا لكبيرنا في دقيق شأننا وعظيمه، فلماذا إذن ألوم أحزاب ناشئة تتلمس طريقها ؟ وكيف اقنع صاحبي أن الفكرة الصحيحة لا تخشى من مخالفيها ولا تخشى من الأغلبية لأنها تبقى وإن كانت وحيدة، وخسارة حزب أو مركز لا تعني خسارة المبادئ فما الحزب إلا وسيلة لنشر الأفكار ومنبراً لإعلاء المبادئ وخسارة المنبر أفضل من إضاعة المبادئ نفسها باعتماد تقديم الخطأ على الصواب، ومجاراة الطغاة في أساليب إدارتهم البالية.

في أخبار غزوة ذات السلاسل ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد تأديب قضاعة لقتلها أصحاب رسول الله ومعاونتها أعدائه في مؤتة وما ورد من أخبار عن تجهزها للهجوم على المدينة، فاختار صلى الله عليه وسلم سرية تقوم بهذه المهمة من خمسمائة من المهاجرين والأنصار فيهم أبو بكر وأبي عبيدة بن الجراح الذي مر على إسلامهما قرابة العشرون عاما وعمر بن الخطاب الذي يقاربهما في مدة إسلامه وأمّر النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الجيش عمرو بن العاص رضي الله عنه ولم يكن مضى على إسلامه أكثر من أربعة شهور، وجاء في ذكر سبب اختيار عمرو رضي الله عنه على حداثة إسلامه أنه بالإضافة إلى كفائته العسكرية كان الأنسب للمهمة إذ أن أخواله من (بلي) أحد فروع قضاعة وهو أدرى بالطريق وبديارهم ولعل صلة القرابة تكون مفيدة إذا دخل في تفاوض معهم، كذلك إذا مر على أخواله من (بلي) قد يعينوه بمدد يعينه في حربه.

ويبدو أن عمرو بن العاص رضي الله عنه لم يكن قد اعتاد بعد طريقة النبي في إدارة الأمور وظن أن القيادة والمهام تسند تبعاً للقرب لا للكفاءة فظن أن تقديم النبي صلى الله عليه وسلم له على جيش من المهاجرين والأنصار علامة على أن النبي صلى الله عليه وسلم يحبه أكثر من غيره، لذلك لما ولاه هذا الجيش ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ :عَائِشَةُ. قُلْتُ: مِنْ الرِّجَالِ. قَالَ: أَبُوهَا. قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ: عُمَرُ. فَعَدَّ رِجَالًا فَسَكَتُّ مَخَافَةَ أَنْ يَجْعَلَنِي فِي آخِرِهِمْ.

في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: بينما النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في مجلسٍ يُحدِّثُ القومَ، جاءه أعرابيٌّ فقال : متى الساعةُ ؟ فمضى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُحدِّثُ، فقال بعضُ القومِ : سمِع ما قال فكَرِه ما قال. وقال بعضُهم : بل لم يَسمَعْ. حتى إذ قضى حديثَه قال: أينَ - أراه - السائلُ عن الساعةِ. قال: ها أنا يا رسولَ اللهِ، قال: فإذا ضُيِّعَتِ الأمانةُ فانتظِرِ الساعةَ. قال: كيف إضاعتُها ؟ قال: إذا وُسِّد الأمرُ إلى غيرِ أهلِه فانتظِرِ الساعةَ.

Monday, July 30, 2012

اصنعوا الأمل


استمع إليه وهو يشرح لي سواد وظلام المرحلة القادمة فاتعجب – سراً – من جرأته واستمراره في آداء دور المحلل السياسي والخبير الاستراتيجي رغم إخفاقه المستمر في توقع الأمور وتكرار عدم تحقق أياً مما يقول، ورغم ذلك يستمر بثبات رهيب وثقة متناهية متنامية في إبداء آراءه العميقة في كل صغير وكبير مما يستجد، موحياً إليك أنك تسهر الليل حيران تتخبط، تنتظر بشغف كبير انبلاج الفجر لتستعلم منه عن رؤيته الفريدة وتفسيره المتميز وتحليله الواعد للأحداث، وهو في كل مجلس يكرر " ألم أقل لكم كذا كذا يوم كذا وكذا وتحقق تماماً كما قلت ؟!! " مغضي الطرف عن عشرات المرات التي قال فيها كذا كذا يوم كذا وكذا ولم يتحقق منه شيء وظهر خلاف ما يقول.

ثم اقول لنفسي ما بال كل تحليلاته تصب إلى منتهى ضياع وخراب وفساد وظلمة وظلمات وعجز وقهر وفشل، لا أكاد أذكر له مرة حديثاً يثبّت فيه فؤادنا ويخبرنا أننا نستطيع أن نفعل شيء ما، أو يقول لنا أنه لا تستطيع قوة غاشمة ظالمة فعل شيء لنا، لم يذكر مرة واحدة في حديثه أن غد أبنائنا سيكون ولا شك أفضل من يومنا نحن.

هل يخشى أن يكون متفائلاً ثم لا تتحقق نبؤاته الطيبة المبشرة فيخسر عندها زبائنه من أمثالي ؟؟ لا أظن ذلك فأخطائه المترتبة على نظرته السوداوية للأمور وعدم تحقق نبؤاته الشريرة المحبطة لم تجعلنا – نحن الزبائن - نطالبه يوما بالتوقف عن التحليل، فما الذي يجعلنا نفعل ذلك إن أخطأ في توقع ما ينشر فينا الفأل الحسن ويبعث فينا الأمل.

كل هذا يدور بيني وبين نفسي سراً خشية أن أبوح له بما في صدري فيلتفت عن تحليل الأحداث ويبدأ في تحليل شخصيتي التي هي ولا شك شخصية عاطفية تبني على الآمال والأماني والأحلام ولا ترتكز على أرض صلبة وتميل إلى تخطي الحقائق الواضحة الجلية إلى ما دونها من الإشارات الواهية ... إلخ.

أريد أن أذكره بقول النبي صلى الله عليه وسلم " بشروا ولا تنفروا " والرواية الأخرى " سكنوا ولا تنفروا "، أقول له يا أخي نحن نفوس إنسانية تضطرب وتقلق وتهلع وتجزع من كلمات اليأس والأحباط، نحتاج من وقت لآخر إلى من يبشرنا ويسكن قلوبنا ويزرع فينا الأمل ويخبرنا عن الخير القادم وينتظرنا، نحتاج لمن يصنع لنا التفاؤل صناعة، ويسقيه لنا بكلمة طيبة يقولها تكتب له صدقة وتنزل علينا برداً وسلاماً، فإن عجز عن ذلك فليكفينا ويصمت، فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت.

يا أخي إن الله تعالى كان يبشر المسلمين ويطمئن قلوبهم بمؤازرة الملائكة في بدر { وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ }، وهو تعالى قبل معاتبته المسلمين لخطأ ارتكبه بعضهم يوم أحد وتسبب في هزيمتهم بدأ بتبشيرهم وطمأنتهم وكانها كلمات تحمل معها الطبطبة وتطييب الخاطر [ مفيش حاجة يا جماعة عادي بتحصل، انتوا برضه أعلى وأفضل ] { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ }، ولما حزن المسملون لهزيمة أهل الكتاب أمام الفرس بشرهم بنصر قريب لأهل الكتاب على الفرس حتى لا يطول بهم الحزن والإحباط {آلم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ }.

ويا أخي رسل الله كانوا مبشرين ومنذرين، أي أن نصف دعوتهم كانت تثبيت المؤمنين وإطلاعهم على الخير والنعيم الذي ينتظرهم في الدنيا والآخرة مهما لاقوا من صعاب وواجهوا في البداية من عقبات، ورسول الله محمد صلى الله عليه وسلم كان يحب الفأل الحسن ويكره الطيرة، كان يقول للمسلمين بعد صلاة العشاء : " أعلمكم، وأبشروا، أن من نعمة الله عليكم أنه ليس من الناس أحد يصلي هذه الساعة غيركم " كلمة بسيطة أطلعه الله عليها فأطلع المسلمين عليها فقط ليزرع الفرح في قلوبهم قبل أن يناموا، كان يقابل الفقراء بالابتسامة وبشارة الغنى وكثرة المال ويقول لهم : " أبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا "، كان يقابل المرضي بالبشرى أن المرض يذهب الخطايا ويقول للمريض : " لا بأس، طهور إن شاء الله "، كان يقول لأفراد المسلمين الخائفين من أحزاب العرب أنهم سيملكون الدنيا ويأخذون مفاتيح الشام وفارس واليمن. كان يبشر المسلمين حتى صار لدينا من نطلق عليهم المبشرون من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة.

يأخي لما اقرأ حب الصحابة لبشارة بعضهم بعضاً ورغبتهم في ذلك قولا وعملاً اتعجب، ويزداد عجبي لما اتخيل ذلك الموقف عندما نزلت التوبة على كعب بن مالك وعلم المسلمون بذلك بعد صلاة الفجر، هذا الوقت الهادئ الساكن، فجأة تنفجر المدينة بالحركة والسعي والركض وأناس يذهبون ويجيئون كل منهم يرغب في أن يكون من يبشر أخاه بالخير، يقول كعب : " فذهب الناس يبشروننا، وذهب قبل صاحبي مبشرون ، وركض إلي رجل فرساً، وسعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل، وكان الصوت أسرع من الفرس " واتعجب من هذا الأخير الذي لم يصبر على السعي ولا الركض فصعد الجبل وصرخ بأعلى صوته : " يا كعب بن مالك أبشر " ليكون أول من يبشر أخاه.

يأخي إن لم تقتدي بهدي القرآن ولا صنيع الرسل ولا سنة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ولا خلق الصحابة، فبمن إذا تقتدي ؟؟!

{ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }

وعندما انتهي من حديثي السري وأعود لأنضم إليه أجده ما زال يقول : " وزي ما بقولك كده عمره ما حيعرف يعمل حاجة، ولا عمرها البلد دي ما حينصلح حالها، وأنت فاكر احنا نقدر على كده ؟ ولا أمريكا حتسيبهم ولا تسكت لنا ؟ إحنا أصلا وحشين وحنفضل طول عمرنا وحشين ............. "

Friday, July 13, 2012

اقتراحات للدراسات الإسلامية



أولا: معهد الدراسات العليا الإسلامية

حول المعهد: معهد يتبع وزارة التعليم العالي يمنح درجة الدبلوم، والماجستير في أربع شعب : الشريعة الإسلامية، اللغة العربية وآدابها، الاقتصاد، الدراسات الاجتماعية. وجميع الدرجات الممنوحة من المعهد معادلة من المجلس الأعلى للجامعات.

شروط الإلتحاق: الحصول على مؤهل عالي أو ما يعادله خارج جمهورية مصر العربية بشرط التوثيق، ويمتد مدة التقديم من شهر إبريل حتى أخر شهر ديسمبر من كل عام.

المصاريف : 485 جنيه للعام الاول في الدبلوم و585 جنيه للعام الثاني في الدبلوم، و 455 جنيه لتمهيدي الماجستير بالنسبة للطلبة المصريين.

ملاحظات أخرى: الدراسة والامتحانات مسائية وحضور المحاضرات غير إجباري والدراسة بنظام العام الكامل، ويدرس بالمعهد عدد كبير من الطلبة أصحاب الجنسيات العربية والأفريقية والأسيوية. ويحاضر بالمعهد د. نصر فريد واصل ، ود. أحمد عمر هاشم.

العنوان: ميدان سفنكس - شارع 26 يوليو - ميت عقبة – الجيزة.
تليفون : 33468547 - 33471995 02
فاكس : 33023257 02
الإيميل: Admin@iiss-egypt.org
الموقع الإلكتروني: http://www.iiss-egypt.org

ثانيا: المراكز الثقافية التابعة لوزارة الاوقاف – مركز الإمام محمد عبده بالأسكندرية.

حول المعهد : هي المعروفة بمعاهد إعداد الدعاة وتتيح لخريجيها الخطابة بالنسبة – للرجال – والدعوة وإقامة الدروس – بالنسبة للرجال والنساء – في المساجد التابعة لوزارة الأوقاف.

شروط الإلتحاق: الحصول على مؤهل عالي واجتياز اختبار بسيط في ثلاثة مواضيع: حفظ أي ثلاثة أجزاء من القرآن الكريم، المعلومات الفقهية العامة، المظهر العام والمعلومات العامة. ويستمر التقديم من منتصف شهر مايو وحتى آخر شهر يوليو. ولا يوجد مصاريف للمعهد.

العنوان: مسجد الإمام محمد عبده - شارع قناة السويس – محرم بيك - الأسكندرية
تليفون :4281656 03
الموقع الإلكتروني: http://islamycenter.org
المراكز الثقافية بالمحافظات : http://m-awkaf.org/?page_id=112

ثالثاً: كلية دار العلوم - جامعة القاهرة نظام التعليم الفمتوح.

تمنح الجامعة درجة الليسانس في العلوم العربية والدراسات الإسلامية ويبلغ عدد المقررات 40 مقرر تكلفة المقرر 150 جنيه للمصريين.

التفاصيل بالموقع: http://www.ou.cu.edu.eg/NewsDetails.aspx?NewNumber=247

Sunday, June 24, 2012

الحمد لله


الحمد لله آولا وآخراً، الحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات.

طوال ما يقرب من عام ونصف ونحن نتأرجح ما بين أربع لحظات ...

لحظة أولى فيها كرب شديد نظنها قمة الإحباط والتعاسة وينالنا اليأس الشديد فنصب جام غضبنا على تصرفات البعض منا ونحملهم مسئولية ما آلت إليه أحوالنا ونرى الشر في كل شيء حولنا.

ثم يعقب هذا لحظة ثانية يلهمنا الله عز وجل فيها أن نبتهل ونتضرع إليه أن يكشف ما بنا من ضر وآلام.

ثم تأتي اللحظة الثالثة تحمل معها فرج الله الجميل لفضله وكرمه وإحسانه ولأنه تعالى لا يرضى لعباده الكفر ولا للظلم أن يسود، لا يمل الله عز وجل ولا يهملنا ولا يتركنا لأنفسنا تلتهمنا لحظات اليأس والإحباط ونحن نكرر أخطائنا ونستجلب على أنفسنا لحظات المرارة، ففي كل مرة دعوناه فرج عنا الهم والحزن، فلك الحمد يارب. وفي كل مرة نسيناه لم يفتح علينا أبواب الفرح الزائف الموجب للأخذ بالهلاك، بل أعاننا أن نتضرع ونجأر إليه : يارب .. يارب .. حسبنا الله ونعم الوكيل.

ثم تأتي اللحظة الرابعة عندما نعود فننسى فيها الله ونعمته وصنيعه الجميل فينا ونكل الأمور إلى ذكائنا وصنيع أيدينا، فنستغرق في ذواتنا وننسى الله تماماً.

لكن الله الذي لا يضل ولا ينسى لا يعاقبنا ولا يأخذنا بتقصيرنا بل يأخذنا من جديد بقليل من البأساء والضراء بمثيل تلك اللحظة الأولى من الكرب والآلام حتى نستفيق من خيلائنا وكبرنا، ولعلنا نتضرع إليه.

{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ }[الأنعام:42-44]

اللهم ما بنا من نعمة فمنك وحدك، فإن استحققنا بأساء أو ضراء فيما يأتي بما يظهر منا من ضعف أو نكوص أو هفو أو نسيان أو شقاق أو اختلاف، فأعنا عندها أن نتضرع إليك ونركن إليك ونسألك وحدك ونتبرأ من كل حول وقوة إلا بك، وعاملنا بجميل عفوك ورحمتك وأعنا على أنفسنا وعلى قسوة قلوبنا حتى نعود ونتضرع إليك فتردنا إليك إلي طريق الحق يارب العالمين.

Wednesday, June 13, 2012

كلمة د. محمود عباس حول مرحلة الإعادة


المؤمن العقول الذاكر لا ينسى لله فضلاً، ولا يجحد له نعمة، إنما يحرص دائماً على أن يكون لله شاكراً، والشعب المصري بكل أطيافه ظل محكوماً بنظام فاسد ورئيس خائن أبله تقوده عصابة من أهل الضلال وحوله كتائب من الجلادين باعوا في حانات إبليس نفوسهم، فليلهم سهر وخمر ونساء، ونهارهم قهر وإذلال للأحرار والبسطاء والشرفاء، حتى كمموا الأفواه وخنقوا الأنفاس في صدور الناس، وبثوا العيون في دور العبادة، فروعوا المسلمين في مساجدهم والنصارى في كنائسهم، فإن سألت عن حرية العبادة فقد جاوزت حدك، وإن سألت عن الحرية في البلاد فأنت مخرب، وإن سألت أين أمن العباد ؟ رصدوا لك كل المخاوف ليقطعوا لسانك ويسكن الخوف قلبك.

ثم من الله علينا فتبدلت الحال ، ونطقت الألسنة بعد صمت طويل، وفينا من سكت دهراً ونطق كفراً وتحررت القلوب من الخوف، ذلك شأن الله المعلن في كتابه { وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ } وزحف المخلصون إلى صناديق الانتخاب ليختاروا الرئيس المنتظر، وفي أذهانهم مشاهد الماضي ومآسيه، وفي أنفسهم حرص شديد على الخلاص من بقايا الفساد في البلاد، وفي أعماقهم خوف أشد من أن تعيد إلينا صناديق الانتخاب العفريت الذي كرهناه والنظام الذي ثرنا عليه وحاربناه، كانت تلك مخاوف المؤمنين المخلصين لهذا الوطن، فأسرعوا إلى اللجان دون تخاذل واستجابوا لنداء الوطن دون تكاسل.

وفيهم من جعل هوى النفس تبعاً لمصلحة البلاد، وربما اختار مرشحاً لا يرضي هواه ليقينه بأن هذا المرشح أصلح المرشحين لحكم البلاد، وأن خوفه من الله يمنعه من ظلم العباد ولو خالفوه فكراً ومذهباً ، فمن خرج من رحم القرآن كان صعباً عليه أن يخالف قوله تعالى { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى }.

وفي الجماهير من خرج إلى اللجان ولا يحمل في جعبته إلا الظن الحسن بمرشح قد يرجى خيره ويؤمن شره { وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا }.

وأما الذين استهانوا بالانتخاب فقاطعوه ، إما لأسباب قاهرة وإما لأوهام نفسية صدتهم عن المشاركة، وإما لأنهم فقدوا الثقة في انتخاب حر نزيه، وإما لأنهم سلبيون بطبيعتهم يقلون عند الفزع ويكثرون عند الطمع ، أو كما قال الله في أمثالهم { لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ } وأيا ما كانت الأسباب فقد كتموا الشهادة { وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ }.

وأنا اعتقد كما تعتقد ويعتقد الكثيرون أن مرحلة الإعادة قد تكون تصحيحاً للرأي واختباراً للإرادة، فالناخب الذي يختار بين متنافسين ليحكم لأحدهما هو بمنزلة القاضي الذي يفصل في الخصومة بين خصمين، ومن واجب القاضي شرعاً وخلقاً إذا أخطأ في حكمه الأول بعد مراجعة النفس أن يعود إلى الحق في حكم جديد فقد جاء في رسالة عمر رضي الله عنه إلى قاضيه أبي موسى الأشعري قوله " ولا يمنعنك قضاء قضيته بالأمس وراجعت فيه نفسك وهديت إلى رشدك أن ترجع إلى الحق فإن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل "، فرجوع الناخب عن صوته الأول كرجوع القاضي في حكمه إذا تبين له الحق أو ظهر له وجه صواب، فمن أراد أن يستبرأ لدينه وعرضه ووطنه للحكم بين متنافسين كلاهما مسلم فليتحرى الصدق مع الله وليجعل كلمة الحق فوق مشاعره وهواه، فحياة البشر تستقر بالحق وتشقى بهوى النفس، كما يقول مولانا الجليل { وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ }.

وقد يغلبنا هوى النفس في الإعادة فنجعل اختيارنا لأخد المتنافسين نكاية في الآخر كما صرح لنا بعض الناخبين في المرحلة الأولى ، أو كما يقولون " ليس حباً في يزيد ولكن كراهية لمعاوية " ذلك اختيار سيسأل عنه صاحبه يوم القيامة { سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ } فنذكر الناس هنا بمقالة عمر رضي الله عنه وهو على فراش الموت ، يقول : " لو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً لاستخلفته على المسلمين ، ولو سألني عنه ربي يوم القيامة لما استخلفته دون غيره لقلت : يارب سمعت حبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول : إن سالماً يحب الله تعالى حقاً من قلبه " فإذا اخترت من ترتضيه لدينك يرفع الله به دنياك وتسلم من السؤال يوم القيامة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا }

أ. د. محمود عباس
الاستاذ بجامعة الأزهر الشريف
حلقة بعنوان: انتخابات الرئاسة بين البدء والإعادة
برنامج الإسلام وقضايا العصر - إذاعة القرآن الكريم بتاريخ 12/6/2012

Wednesday, May 23, 2012

الكائن سفاف الفول


أنجى الله تعالى بني إسرائيل من نظام الفرعون المصري الذي أذاقهم صنوف العذاب والفقر والضنك، وأبدل الله تعالى لهم حياة الذلة والمسكنة بفرصة لحياة أخرى كريمة، وبطعام الفقر والضنك طعام المن والسلوى {وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى}، ولكن لم تمر فترة طويلة حتى سمعنا عن أقوام منهم تساوى لديهم حياة القهر في ظل الطاغية وحياة الحرية التي أنعم الله بها عليهم، فقالوا {أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا} وأقوام آخرين حنوا لأيام الضنك وطالبوا بعودة حياة الفقر التي اعتادوها على يد فرعون {لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنيت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها، قال أتستبدلون الذي هو أدني بالذي هو خير، اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم، وضربت عليهم الذلة والمسكنة وبائوا بغضب من الله}.

الكائن سفاف الفول هو كائن لا يستطيع أن يعيش بدون طبق الفول وفحل البصل وشوية العدس، هو كائن فقْري – بتسكين القاف - مهما حاولت تقنعه بعظيم نعم الله عليه لاسيما العقل والرؤية، يظل اقتناعه الراسخ الذي لا يتزحزح أن أعظم نعم الله عليه هو طبق الفول اللي معاه شوية توم.

هذا الكائن الذي حير علماء الأنثربولوجي وباحثي علم النفس والاجتماع، ينتمي لفصيلة الكنبيات ويختلف كلية عن الإنسان الذي يأكل العدس والبصل، ويختلف قطعاً عن الحمار الذي يحش البرسيم والفول، فهذه الكائنات الطبيعية مخدومة تتخذ من البقوليات طعاماً لها، بينما الكائن سفاف الفول يختلف عنها تماماً، فهو يرتبط بعلاقة غريبة وغير مفهومة ولا واضحة مع الفول والعدس والبصل والثوم، فصار لها عبداً وخادماً لا مخدوماً.

الكائن سفاف الفول كائن له هيئة تشبه الإنسان من الخارج، حيث يحيط به جلد ثخين لزج يشبه الأسفنج يساعده على امتصاص أي قاذورات عابرة، ولكنه أجوف تماماً من الداخل حيث يختلف تركيبه الفسيولوجي، فرأسه تتكون من أوعية – جرادل - مختلفة الأحجام تتسع لأي شيء يمتصه الجلد والعين والأذن مهما كان اتساعه أو اتساخه، ولا يوجد أي نوع من أنوع الفلترة أو التنقية أو التمييز لما يعبر إلى هذه الأوعية.

يعتبر اللسان هو العضو الأكثر عملاً في الكائن سفاف الفول، ويقوم بنقل القاذورات الممتصة والموجودة في أوعية - جرادل - الرأس والممتصة من المزابل ومواطن العفن وإعادة إفرازها مغلفة بمواد مخاطية في أماكن أخرى، بدون أي تعديل على مكوناتها الأصلية.

يذكر أن جميع محاولات ترويض كائن سفاف الفول وتغيير نمطه الغذائي من الفول والعدس والبصل والثوم إلى غذاء آخر مثل المن والسلوى قد بائت بالفشل، فهذا الكائن الفقْري – أيضاً بتسكين القاف - لا يرى من نعم الله إلا طبق الفول وفحل البصل، ويعتبر أي محاولة لصرفه عن ما تنبت الأرض وتوجيهه نحو ما تنزل السماء هي محاولة لطعنه في أعز ما يملك .. في بطنه، طبعاً لا أقول طعنه في شرفه لأن كائن سفاف الفول ليس لديه شرف، وإنما يمكن إثارته باستخدام كبسولات معينة وحقنة شرجية تعطي نفس مفعول الثورة للشرف ثم يزول أثرها مع زوال مفعول هذه الأدوية.

وبرغم المحاولات المتعددة لأيضاح مزايا وفوائد العسل الأبيض – المن – أو الطير المشوي المنزلين من السماء لإعادة تأهيل كائن سفاف الفول ورفع كفائته وتعليمه مبادئ الشرف وقيم الكرامة وأخلاق الأحرار، إلا إنه يرفض تماماً إلا أن يتعلق ويطمح إلى ما تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا.

Tuesday, May 15, 2012

أم السعد السكندرية



وهي أم السعد محمد علي نجم الشيخة الحافظة المحفظة المتقنة المعمرة، أشهر امرأة معاصرة في قراءات القرآن الكريم، فهي السيدة الوحيدة التي تخصصت في القراءات العشر، وظلت طوال نصف قرن تمنح إجازاتها في القراءات العشر.

ولدت أم السعد في 11/7/1925م في قرية البندارية مركز تلا بمحافظة المنوفية شمال القاهرة، داهم المرض عينيها ولم تتجاوز العام الأول من عمرها، واتجه أهلها للعلاج الشعبي بالكحل والزيوت التي كانت سببًا في فقدان بصرها بالكلية، وكعادة أهل الريف مع العميان نذرها أهلها لخدمة القرآن الكريم حتى حفظت القرآن الكريم في مدرسة (حسن صبح) بالإسكندرية في الخامسة عشرة. وقد عاشت أم السعد بحارة الشمرلي بحي بحري العريق بالإسكندرية.

بعد أن أتمت أم السعد حفظ القرآن الكريم وهي في الخامسة عشرة من عمرها، ذهبت إلى الشيخة نفيسة بنت أبو العلا - شيخة أهل زمانها كما توصف - لتطلب منها تعلم القراءات العشر، فاشترطت عليها شرطًا وهو ألا تتزوج أبدًا، فقد كانت ترفض بشدة تعليم البنات؛ لأنهن يتزوجن وينشغلن فيهملن القرآن الكريم.

وقد وافقت أم السعد على شرط شيختها التي كانت معروفة بصرامتها وقسوتها على السيدات ككل، وفي رأيها أنهن لا يصلحن لهذه المهمة الشريفة. ومما شجع الشيخة أم السعد على قبول الشرط أن الشيخة "نفيسة" نفسها لم تتزوج رغم كثرة من طلبوها للزواج من الأكابر، وماتت وهي بكر في الثمانين، انقطاعًا للقرآن الكريم.

أتمت أم السعد المهمة الشريفة وحصلت من شيختها "نفيسة" على إجازات في القراءات العشر، وهي في الثالثة والعشرين من عمرها. وتقول أم السعد عن حفظها للقرآن: " ستون عامًا من حفظ القرآن وقراءته ومراجعته جعلتني لا أنسى فيه شيئًا .. فأنا أتذكر كل آية وأعرف سورتها وجزأها وما تتشابه فيه مع غيرها، وكيفية قراءتها بكل القراءات.. أشعر أنني أحفظ القرآن كاسمي تمامًا لا أتخيل أن أنسى منه حرفًا أو أخطئ فيه .. فأنا لا أعرف أي شيء آخر غير القرآن والقراءات .. لم أدرس علمًا أو أسمع درسًا أو أحفظ شيئًا غير القرآن الكريم ومتونه في علوم القراءات والتجويد .. وغير ذلك لا أعرف شيئًا آخر ".

لكن أم السعد تزوجت أقرب تلاميذها إليها وهو الشيخ محمد فريد نعمان الذي كان من أشهر القراء في إذاعة الإسكندرية، وهو صاحب أول إجازة تمنحها أم السعد، وتقول عن قصة زواجها: " لم أستطع الوفاء بالوعد الذي قطعته لشيختي نفيسة بعدم الزواج .. كان يقرأ عليَّ القرآن بالقراءات .. ارتحت له .. كان مثلي ضريرًا وحفظ القرآن الكريم في سنّ مبكرة .. درَّست له خمس سنوات كاملة، وحين أكمل القراءات العشر وأخذ إجازاتها طلب يدي للزواج، فقبلت ".

واستمر زواجهما أربعين سنة كاملة لم تنجب فيها أولادًا .. وتعلق قائلة: " الحمد لله .. أشعر بأن الله تعالى يختار لي الخير دائمًا .. ربما لو أنجبت لانشغلت بالأولاد عن القرآن، وربما نسيته ".

تردد على أم السعد لحفظ القرآن ونيل إجازات القراءات صنوف شتى من جميع الأعمار، والتخصصات، والمستويات الاجتماعية والعلمية، كبار وصغار، رجال ونساء، مهندسون، وأطباء، ومدرسون، وأساتذة جامعات وطلاب في المدارس الثانوية والجامعات... إلخ. وهي تخصص لكل طالب وقتًا، لا يتجاوز ساعة في اليوم يقرأ عليها الطالب ما يحفظه فتصحح له قراءته جزءًا جزءًا حتى يختم القرآن الكريم بإحدى القراءات، وكلما انتهى من قراءة منحته إجازة مكتوبة ومختومة بخاتمها تؤكد فيها أن هذا الطالب " خادم القرآن " قرأ عليها القرآن كاملاً صحيحًا دقيقًا، وفق القراءة التي تمنحه إجازتها.

ويروي عنها من درس على يدها أنها كانت من أرفق المعلمين بطلابها، حتى إنهم ذكروا لها ذلك ذات مرة، فقالت: إنها في صغرها عانت من شدة بعض من درّسوا لها في المدرسة، وكانت ترتاع منهم، فأخذت عهدًا على نفسها أن تتلطف مع من يحفظ معها.

وتقول هي عن تلاميذها: " أتذكر كل واحد منهم، هناك من أعطيته إجازة بقراءة واحدة، وهناك - وهم قليلون - من أخذوا إجازات بالقراءات العشر مختومة بختمي الخاص الذي أحتفظ به معي دائمًا، ولا أسلمه لأحد مهما كانت ثقتي فيه ". وتضيف: " بعضهم انشغل ولم يَعُد يزرني، لكن معظمهم يتصل بي أو يأتي لزيارتي والاطمئنان عليَّ بين الوقت والآخر ".

ومن مشاهير من منحتهم الإجازة القارئ الطبيب "أحمد نعينع" الذي قرأ عليها وأخذ عنها، وكذلك فضيلة الشيخ "مفتاح السلطني"، والذي أجازته الشيخة في القراءات العشر وحفص من الطيبة، وكذا عدد من أساتذة وشيوخ معهد القراءات بالإسكندرية، والذين لا يعطون إجازة في حفظ القرآن إلا ويضعون اسمها في أول السند المتصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وسند أم السعد برواية حفص عن عاصم عن طريق الشاطبية فيه 27 راوياً يبدأ بها عن شيختها نفيسة بنت أبو العلا عن عبد العزيز علي كحيل وهو قرأ علي عبد الله الدسوقي وهو عن الشيخ علي الحدادي عن شيخ القراء بالديار المصرية الشيخ إبراهيم العبيدي الذي قرأ على شيخ الجامع الأزهر محمد بن حسن السمنودي المنير الذي قرأ على علي الرميلي الذي قرأ على شيخ قراء زمانه محمد بن قاسم البقري الذي قرأ على شيخ قراء مصر عبد الرحمن ابن شحاذة اليمني الذي قرأ على علي بن غانم المقدسي الذي قرأ على محمد بن إبراهيم السمديسي الذي قرأ على الشهاب أحمد بن أسد الأميوطي الذي قرأ على الإمام الحافظ حجة القراء محمد بن محمد بن محمد بن الجزري الشافعي مؤلف النشر والطيبة وغيرهما من المؤلفات وهو قد قرأ على عبد الرحمن بن أحمد البغدادي الذي قرأ على شيخ القراء بمصر محمد بن أحمد الصائغ الذي قرأ على علي بن شجاع الكمال الضرير صهر الإمام الشاطبي الذي قرأ على الإمام أبي القاسم الشاطبي الذي قرأ على الإمام علي بن محمد بن هذيل البلنسي الذي قرأ على أبي داود سليمان بن نجاح الذي قرأ على الإمام أبي عمرو الداني الذي قرأ برواية حفص على طاهر بن غلبون قال قرأت على علي بن محمد الهاشمي قال قرأت على أحمد بن سهل الأشناني قال قرأت على أبي محمد عبيد بن الصباح قال قرأت على حفص بن سليمان الذي قرأ على عاصم ابن بهدلة بن أبي النجود الذي قرأ على أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي الذي أخذ عن عثمان وعلي وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وزيد ثابت وأخذ هؤلاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي تلقى القرآن عن جبريل عن رب العزة جل شأنه.

توفيت أم السعد في فجر يوم السادس عشر من رمضان من العام 1427هـ الموافق 9/10/2006م عن عمر يناهز واحد وثمانين عامًا، وقد شيعت جنازتها من مسجد ابن خلدون بمنطقة بحري بالإسكندرية وقد شيعها جمع من أفاضل العلماء علي رأسهم فضيلة الشيخ محمد اسماعيل المقدم.

[منقول من صفحة أم السعد على الويكيبيديا]

وداعا أم السعد للشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم

Friday, May 04, 2012

كل شيء هادئ



متعة الخيال هي متعة لا تماثلها متعة، متعة مجانية لا تكلفك إلا ما تستغرقه من حياتك، رصيد يولد مع الانسان، وكأنه كان يشحن هذا الرصيد طوال خلوته بنفسه تسعة أشهر مدة بقائه نقياُ داخل رحم أمه، ليستهلك هذا الرصيد من الخيال في حياته، رصيد يتناقص مع كل شيء، مع مرور الوقت ومع كثرة الاستهلاك ومع الإهمال.

أكثر أوقاتنا التي نمارس فيها التمتع برصيدنا من الخيال هي فترة الطفولة حيث يحلق بنا الخيال إلى عالم عجيب متناقض تقوم فيه قصصنا بذاتها، يخيل لنا قيه أنّا سوبر مان، وأنّا نستطيع تحريك الأشياء بمجرد النظر إليها، نستطيع ان نكون أطباء حتى وإن كان ما نعالجه دمية صغيرة طمس قلم أبينا الحبر معالم الوجه فيها، نستطيع أن نكون مهندسين نبني العمارات وإن كانت عماراتنا من المكعبات، أو طيارين وإن كانت طائراتنا هي كنبة في الصالون أو نختفي خلف ستائر الغرفة وهي ترتفع بفعل تيار الهواء فنتخيلها صاروخاً صاعداً بنا إلى عنان السماء، نستطيع أن نكون مخترعين أفذاذ رغم أن كل ما اخترعناه سفينة ورقية أو طائرة نصنعها من عصي الآيس كريم، نستطيع أن نكون آباء وأمهات بمجرد لعبنا للعبة عريس وعروسة دون تكلفة حيث نمارس طواعية وبسعادة بالغة دور الأب الكادح والأم الغاضبة اللذان يعانيان من أجل سعادة أسرتيهما المكونة من مجموعة من العرائس والدباديب.

ما ان ننتقل إلى عالم المراهقة حتى تتغير طبيعة هذا الخيال القائم بذاته ليتحول إلى خيال يمتزج أكثر بواقع ما حولنا ويعتمد عليه فيبدو وكأن رصيد الخيال لدينا يتناقص في مقابل إدراكنا للواقع وتبدأ عملية ما يسمونه نضجاً، لكننا - ومع هذا النضج - لا نُحرم تماما متعة الخيال، فنظل نحلم بأن الفاتنة ابنة الجيران - التي أصبحت فيما بعد أم السيد - والتي تكبرك بسنوات ستنتظرك حتى تنتهي من دراستك للتتقدم لخطبتها، وأن أباك ولا شك سيحضر لك هدية كبرى عند نجاحك في الثانوية العامة، هدية قد تصل لسيارة مثلاً أو رحلة إلى الخارج لتكمل تعليمك، وأنك إن اجتهدت في دراستك ستكون يوماً ما وزيراً أو رئيساً بعد أن يتم اختيارك لكفائتك وقدراتك المميزة لهذه المناصب المرموقة، ستكون مشهوراً فذاً يشار إليك بالبنان، هذا بالإضافة إلى أن جميع أحلامنا وخيالاتنا في هذه المرحلة لا يفارقها سَننٌ ثابت وضعناه بضرورة الانتصار العاجل للخير على الشر، وعلو القيم والمبادئ على الانحلال والفساد، وحتمية زواج الحبيب بمحبوبته مهما كانت الصعوبات، وانتصار بطل الفيلم الخيّر في النهاية على كل جميع الأشرار فيه.

في مرحلة الشباب يتضاؤل الخيال فينا، فهو لا يقوم بذاته، ولا يرتبط بما حولنا، بل يكون خيالنا حسب ما هو مسموح لنا أن نتخيله ونحلم به، فلا تحلم أن تكون رئيساً بل تخيل أنك وجدت فرصة عمل مناسبة، ولا تتطلع لتكون وكيل نيابة لأنك ببساطة لست من أبناء القضاة ولكن يمكنك أن تحلم أن تكون محامياً ناجحاً، ولا تتحدث عن فتاة مخصوصة لأحلامك بل مسموح لك أن تحلم بالزوجة وفقط، ولا تتمنى السكنى في بيت فسيح بحديقة في ريف جميل فيكفيك ان تتخيل حصولك على شقة صغيرة في أي مكان، لا تنتظر أن تحيا حياة كريمة يكفيك أن تحيا، ولا تنتظر أن تكون قدراتك وما تقدمه للآخرين معيار تقدمك في حياتك وعملك بدلاً من ذلك يمكنك ان تتخيل أن قدراتك تمنحك ثباتاً بدلاً من تأخر محتوم وما تقدمه للآخرين خير ترميه إلى البحر وتنال به الثواب الأخروي، كما أنك تبدأ تتعلم أنه ليس من الضروري أن تحصل على من لا يقدم عليك أحد، فيكفيك من يدعي أنه لا يقدم عليك أحد - إن وجدته -، كل هذا وغيره وانت تنضج على حرارة أمثالنا الجميلة " اللي يبص لفوق يتعب "، " على أد لحافك مد رجليك " وعلى كلمات محمد منير "قبل ما تحلم فوق، احلم وانت فايق .. قبل ما تطلع فوق، انزل للحقايق".

وهكذا يستمر - نتيجة لتزايد خبراتنا في الحياة - زحف الواقع على رصيد الخيال لدينا في كل مرحلة من حياتنا، حتى نصل لمرحلة يتراجع فيها خيالنا وننبذه بل ونتبرأ منه ونهزأ ونخجل منه ومن أنفسنا أن كنا يوماً ما نعيش فيه رغم أمنياتنا المتكررة أن نعود أطفالا أو شباباً لنعيش فيه من جديد، نسخر منه وكأنه لم يكن يوما ما سلوى وحافز لنا، وكأنه لم يأخذ يوما بأيدينا لنرسم بعض ما نحن عليه الآن، وكأنه هو السبب في فشلنا وخيبتنا في الحصول على ما ساعدنا هو على الحلم به والسعي إليه وانتظاره، وكأننا نتهمه بالغدر بنا فنعاقبه على عدم تحقق أحلامنا، ونجعل منه سبة ونحن نمارس دوراً اجتماعياً مورس علينا من قبل فننصح الآخرين: أنت تحيا في الأوهام، لا تكن مريضاً بالخيال، لا تكن رجلاً خيالياً !! .

ورغم أنه ومع رصيد خبراتنا في الحياة أصبح خيالنا جاهزاً ليستخدم على الوجه الأمثل، إلا أننا عند تلك النقطة نفرض حجراً وإقامة جبرية على ما بداخلنا من رصيد باق من هذا الخيال، نحبسه غير مأسوف عليه، رغم أن كل ما يعدنا به الآن أشياء بسيطة لا تتعدى أمنية أن نحيا كراماً، أو أن ننام هانئي البال قريري العين غير حزانى ولا باكين، يعدنا بأذن صاغية تسمع منا شكوانا ويد قوية تأخذ بأيدينا وتمتد لتربت على أكتافنا وتمسح عنا غبار الأيام، وأذرع حانية تحتضنا وتواسينا في المحن محبة منها لا أداء لواجب، ودون طلب منا أو لفت انتباه. يعدنا بقلوب تنظر إلى دواخلنا فتفهم ما نعانيه، وتشاركنا لحظات الفرح والترح، وتحملنا في رضانا وفي سخطنا، ولا تحمّلنا آثامنا ولا خطايانا فضلاً عن خطايا الآخرين، وتشير علينا ماذا نفعل وقت الصعاب وتذكر لنا الخير وتذكرنا - ولو كذباً - بالخير القادم غداً.

أرى أن خيالا مثل هذا لا يمكن أن يتحقق ونحن نخنقه بهذا الجفاف الذي نسميه ظلما نضجاً.

Monday, April 09, 2012

من أخبار الزير سالم



واسمه عدي بن ربيعة بن الحارث بن مرة التغلبي الوائلي، المعروف بالمهلهل أبي ليلى والمشهور بالزير سالم.

( قال الراوي ) ولما أصبح الصباح، وأضاء بنوره ولاح، أمر الزير قومه بالاستعداد للحرب فركب ظهر الجواد، وتبعته الفرسان والقواد، وقصدوا بني مرة بقلوب قوية وهمم علية، فالتقاهم جساس مع أخوته وأهله، واشتبك بينهم القتال وعظمت الأهوال، وابتلت بني مرة بالبلاء والويل وكان الزير يحصد فيهم بالنهار والليل، واستمر القتال بين الفريقين مدة سنتين حتى فقد من بني مرة في هذا الحرب الأخير نحو اثني عشر ألف أمير عدا السادات والأكابر والجيوش والعساكر، وكان الزير يأمر قومه بقطع الرؤوس ووضعها في المخازن لأنه كان قد أقسم بالله العظيم أن سيملي البيوت من جماجمهم وباقي الاماكن.

فلما طال المطال واشتدت على بكر الأهوال، اجتمعت أكابر الناس مع الأمير جساس، وأخذوا يتفوضون كيف يتخلصون، لأن الزير لا يقبل منهم فدى، وجميع وسائطهم التي استعملوها في توقيف الحرب راحت سدى، فقال سلطان لأخيه جساس: أعلم يا أخي بأن الزير في كل صباح يمر على قبر أخيه فيجيبه بالسلام ويقول له قد قتلت في ثأرك فلان وفلان فهل اكتفيت أم لا ؟ فلا يجيبه أحد. فالرأي عندي أن انتخبوا رجلاً وتضعوه داخل القبة بحيث لا يراه أحد، فإذا مر الزير على القبر حسب عادته، وسأل أخاه ذلك السؤال فيجيبه الرجل بصوت خفيف من قلب ضعيف لقد اكتفيت يا أخي، فاغمد سيفك من هذا اليوم عن قتال القوم، واياك أذية البشر، فإن ذلك مما يجلب علي الضرر فإذا سمع هذا المقال فلربما ينطلي عليه المحال فيكف عن الحرب والقتال فنستريح من القيل والقال فاستصوب جساس وباقي الاعيان رأي الامير سلطان.

( قال الراوي ) وكان في القبيله رجل فقير الحال عديم الأشغال، فاستدعاه جساس إليه وقص ذلك الكلام عليه، فقال له: إذا بلغنا الأرب ولكن الطريقة خطرة قبيحة. فأخذ جساس يحثه بالكلام ويرغبه في هذا بالشعر والنظام.

( قال الراوي ) فلما فرغ جساس من هذا المقال قال له عديم الاشغال: على الرأس والعين، ولما كان الليل حفروا سرداباً وصلوه الى القبر وادخلوا ذلك الرجل فيه، ولما كان الصباح ركب الزير ظهر الحصان وتبعه الأبطال والفرسان ومر على قبر أخيه حسب عادته ونادى بصوت عال: نعمت صباحاً يا أخي كليب فقد قتلت في ثأرك نهاراً أمس خمسة آلاف نفس، أيكفي ما قتلت منهم أو أرجع أفنيهم عن بكرة أبيهم ؟ فأجابه ذلك الرجل من القبر بصوت خفيف: وأنت أنعمت صباحاً يا أخي الحنون، يا ساقي الضد كأس المنون، كف الحرب فقد اكتفيت، وإن قاتلتهم بعد اليوم تكون قد تعديت وبغيت، فتزيدني ضرراً وغماً وكدراً فإن نفسي قد بلغت مناها ونالت مشتهاها فكثرت خيراتك وزادت في الدنيا مسراتك .

( قال الراوي ) فلما سمع الزير هذا الكلام زالت أتراحه وزاد فرحه وانشراحه وقال: سبحان الرحمن الرحيم، الذي يحي العظام وهي رميم، أنت يا أخي بخير ونحن بعدك نقاسي الضنك والضير، ثم نزل عن ظهر الحصان ودخل إلى القبر وهو فرحان وقال: إذا كنت بخير يا أبا اليمامة فما هي هذه السكتة والإقامة بعد العز والكرامة، فقم إلى عند بناتك فإنهن في حزن وكدر. ثم تقدم اليه وتأمل فيه بالنظر فرآه أنه ذلك الرجل المعهود، فغاب المهلهل من الوجود، فجذبه من لحيته وأخرجه من السرداب، وقال له: اصدقني بالخطاب، فمن أنت ؟ ومن تكون ؟ قبل أن تشرب كأس المنون، فأعلمه بواقعة الحال، وحقيقة الأعمال، فسل السيف ليقتله، وقد أغاظه فعله، فقال: أنا بجيرة كليب أخيك، فلا كان من يعاديك، وقد جرني جهلي من قلة عقلي حتى جرى ما جرى يا فخر الورى .

فلما سمع الزير كلامه أبدى ابتسامة، فصفح عنه وأعطاه جواداً من أطايب خيل العرب، وألف دينار من الذهب.

Wednesday, March 07, 2012

تافه.. قزم.. وظالم



كتب مجدي الجلاد:

تأخذنى الدنيا كثيراً.. مثلك تماماً.. خلقنا الله عز وجل كما شاء، ووضع بداخلنا حب الدنيا رغم أنها زائلة.. ولكنه سبحانه غرس فينا عقلاً وضميراً.. عقل يذكرك دائماً بأنك فى رحلة قصيرة.. وضمير يحاسبك كل ليلة، ويسألك: ''ماذا قدمت للضعفاء والمظلومين؟!''.. ومع ذلك تأخذنا الدنيا.. نتصارع.. نتشاجر.. ونلهث.. تأكل حقى، وأنتقم منك.. تزاحمنى وكأن الأرض على اتساعها لا تستوعبنا سوياً.. أحاول تصفيتك وكأنك تحبس عنى الرزق.. أنا أعمى وأنت بلا قلب.. فكلانا يعيش فى عالمه الضيق، ولا يُجرى ''صيانة إنسانية'' لذاته..!

كلما أخذتنى الدنيا.. ذهبت إلى حيث تنتهى الدنيا.. إلى بشر مثلى ومثلك يعيشون على حافة الموت.. ليس الموت الذى نعرفه.. الموت عندنا مصيبة، وعندهم خلاص.. المرض لدينا ابتلاء عابر.. ولديهم عجز كامل.. أنا وأنت نقلب الدنيا حين يعطس الابن.. وهم يوارون فلذات الكبد الثرى لأنهم لم يجدوا سريراً فى مستشفى حكومى ردىء..!

أجريت لنفسى وضميرى ''صيانة'' أمس فى مستشفى أبوالريش للأطفال بقلب القاهرة.. جموع بشرية لا تقوى على عبورها.. الدموع تنساب بين الجدران المتهالكة، والآلام بلا ثمن أو صدى.. اصرخ كما شئت.. اذرف الدمع على ابنك وهو يلفظ أنفاسه.. لن تجد سوى أطباء عاجزين وممرضات يربتن على كتفك.. العين بصيرة والإيد قصيرة.. لا شىء هنا.. الحضانات المتهالكة كاملة العدد.. الجراحات العاجلة للقلوب الصغيرة محدودة العدد.. من أين الصمامات والمستلزمات؟! الميزانية لا تكفى 1500 طفل يومياً.. تبكى الأم بين ذراعىّ: ''ابنى بيموت أمام عينى''.. ويصرخ الأب العاجز: ''أروح ببنتى فين؟.. مش معايا غير 6 جنيه''.. أنظر للأطباء فيبادرنى أحدهم: ''أنا هنا من الساعة سبعة الصبح، نفسى أعملّهم حاجة.. إحنا عايشين هنا على الإعانات من أصحاب القلوب الرحيمة''..!

أب يمسك بيدى.. يده ترتعش.. ويدى ترتجف: ''ذهبت بابنى الصغير إلى مستشفى حكومى.. كان يعانى ضيقاً فى التنفس.. طلب الطبيب أن يعلقوا له محلولاً.. جاءوا بممرضة فأخذت ذراعه الصغيرة لتعليق المحلول.. وبدلاً من وضع السرنجة فى الوريد.. قطعت الوريد.. صرخوا فيها: إنتى إيه مش بتفهمى؟!.. وبمنتهى البساطة.. قالوا لى: معلش يا حاج لازم نبتر إيده.. وكمان مافيش إمكانيات.. روح أبوالريش يبتروا إيد ابنك''.. رفع الرجل الغطاء فظهرت اليد التى ماتت.. سوداء مثل قلوبنا.. والده فقير.. على باب الله.. ونحن نتصارع على مكاسب الدنيا وننسى نعمة الله..!

هنا.. سوف تشعر أننا تافهون.. نعم تافهون.. أقزام.. وبلا قلب.. كيف تحيا فى نعيم الدنيا وتطلب ''المزيد'' كل صباح، بينما لا تجد أم حقنة بـ10 جنيهات لإنقاذ حياة ابنها؟! كيف ننام فى الحرير وملايين يفترشون الصقيع؟! بأى ضمير نغمض أعيننا والدموع تملأ عيون وقلوب الفقراء والمرضى؟! هل تعتقد أن الفقر فى مصر تراه عين الدولة؟! عين الدولة امتلأت بقاذورات الفساد.. فلماذا نغمض أعيننا، وكأن الأمر لا يعنينا؟! الحكومة لا تملك، أو هى لا تشعر ولا تحس.. فلماذا لا نساعد هؤلاء مما منحنا الله عز وجل، أم أن الدنيا سرقتنا مثلما تسرق الأيام عمرنا..؟!

الكلمات لا تكفى لوصف المشاهد.. اذهب بنفسك.. وسوف تؤمن بأننا غافلون.. وأنا أكثركم غفلة


Wednesday, February 29, 2012

سنة كبيسة



اكتب.

ماذا أكتب ؟

اكتب ما تشعر به .. ما تحلم به .. اكتب ما تراه وما تتمنى أن تراه .. اكتب ما تشاء .. ولكن اكتب.

ولماذا اليوم بالذات أكتب ؟

لأن هذا اليوم يومك، ولا يتكرر إلا كل أربع سنوات.

عفوا .. من قال هذا ؟ .. فكل يوم يومي، وكل يوم لا يتكرر.


Sunday, February 26, 2012

! ما أجمل أن تكون زلنطحياً



كتب د. معتز عبد الفتاح

أحد الأصدقاء بيسألني عن الزلنطحية. ومضطر من باب عدم كتم العلم أن أقول له أنها مذهب فكري أنا أقوم بالتنظير له كبديل عن الأيديولوجيات البالية مثل الرأسمالية والاشتراكية والحاجات دي. يقوم على مباديء قابلة للزيادة لكن أهمها ...

إن الإنسان الزلنطجي يعرف إن الدنيا لا تستحق كل هذا الصداع والتنافس المقيت اللي الناس غير الزلنطحيين عايشيين فيه،

وثاينا، يعمل الزلنطحي اللي هو عايزه في الوقت اللي هو عايزه من غير ما يرجع لأي حد بدون ما يخالف شرعا أو قانونا.

ثالثا المواطن الزلنطحي لا يتحمل مسئوليات أو يقبل مناصب أو مهام إلا لما يتأكد إنه ما فيش حد تاني أحسن منه أولى بها وأقدر عليها.

ورابعا يكبر دماغه عن الصغائر والتفاهات وما يخليش حد يدخل على خط حياته علشان ينرفزه أو يضيقه، لماذا؟ ارجع للمبدأ الأول.

خامسا، الإنسان الزلنطحي ستجدونه مشغولا باللحظة الراهنة وحسن استغلالها أكثر من التخطيط طويل المدى اللي غالبا لا يكون من ورائه طائل.

سادسا، الإنسان الزلنطحي لو عليه أن يختار بين أن يكون في مقدمة الصفوف أو في الخلف سيختار أن يكون في الخلف. لماذا؟ لأن الناس غير الزلنطحية لما بتقرر تحدف حد بالطوب عادة بيختاروا اللي في المقدمة.

أما بقية المباديء الزلنطحية فتحتاج مجلدات. المهم أنا وأصحابي الزلنطحيين مثل سيد الإبيقوري، وياسر الشيمي، وبقية الشلة اكتشفنا إن احنا لازم يكون لينا نقابة أو حاجة زي كده تعبر عن المصالح الزلنطحية. وبعد بعض النقاش اكتشفنا إننا عمرنا ما هنعرف نعمل نقابة لأن النقابة فيها التزامات، وما فيش زلنطحي مخلص لمباديء الزلنطيحة سيقبل أي التزام من هذا النوع. ولهذا اكتفينا بإننا نجتمع لما نفضى نقعد نجيب في سيرة الناس ونحمد ربنا على أنه هدانا لهذه الرؤية الزلنطحية للحياة. أسيبكم علشان رايح اجتماع غير زلنطحي فيه ناس أجانب وبتاع (:-


وكتب أيضاً

طالما أن بعض الأصدقاء لديهم اعتراض على لفظ زلنطحي فلنسم أنفسنا "الزلنطحيين الجدد." المهم أن نظل أوفياء للمبدأ. كل حرف في كلمة زلنطحي لها معنى: ز (زهد)، ل (لطف)، ن (نباهة)، ط (طيبة)، ح (حب للحياة)، ي (يخرب بيت اللي يزعل أي واحد زلنطحي).


وكتب أيضاً

المواطن الزلنطحي ما بيمشيش على الموضة... هو بيصنعها


وكتب أيضاً

بعض الأصدقاء بيسألوا عن موضوع "وعايزني أكسبها." هذه ملخص لموقف زلنطحي من فيلم ليوسف شاهين... اتفرجوا عليه، علشان تعرفوا بس حجم المعاناة التي أنا فيها


Friday, February 24, 2012

نظرية الما وراء - شكلك فاهم يا نصة



مين اللي قال إن نظام التعليم في عهد مبارك كان سيء ويعتمد على التلقين ويقتل القدرة على التخيل والرغبة في التفكير ؟ ومين كمان اللي قال إن البيئة الثقافية اللي أفرزها نظام حكمه غير قادرة على إنتاج أفراد قادرين على التحليل خارج الصندوق واستيعاب ما يجري والخروج من الأطر التقليدية لتفسير الأحداث ؟!!
أمال كل الناس في اللك شو والفيسبوكية والنتيتة أو حتى اللي في الشارع دول إزاي وصلوا لهذا المستوى اللامع من التفكير حتى فيما لا يحتاج لتفكير، وإزاي بلغوا تلك القدرة على استيعاب ما يجري وما لا يجري والدخول إلى أعمق الجزئيات وأكثرها إظلاماً للعثور على الخبايا وما يحتمله الحدث ومالا يحتمله بما يعجز عنه الكثير غيرهم ؟؟

أنظر إلى أي مهنة فأجد أصحابها إذا تكرر فشلهم فيها عوقبوا وأبعدوا عن هذه المهنة، الطبيب إذا أخطأ في حق مريضه والمهندس إذا تسبب في انهيار مبنى أو توقف ماكينة، والمحامي إذا خسر قضاياه ... إلخ، إلا التحليل السياسي والتعليق على الأحداث فخطأ صاحبه لا يمنعه من أن يكرر المحاولات مرات عديدة بدون أي تأني ولا ذرة خجل، بل خطأه يدعوه لأن يستمر أكثر وأكثر في تحليل الأحداث والسعى لزيادة مساحة انتشار تعليقاته وتحليلاته ويدعو أصدقاؤه ومحبيه إلى مزيد من التمسك بأرائه الألمعية وتحليلاته اللوذعية والدفاع عنها.

ولا أعجب من دخول بعض لاعبي الكرة ومقدمي البرامج الرياضية والفنانين لعالم التحليل السياسي، فأصل عملهم هو تحليل مبارة مدتها 90 دقيقة في ساعات طويلة بل وأحياناً أيام، والحديث عنها وعن تفاصيلها وجزئياتها ونوايا اللاعبين والمدربين فيها، ويجعلون لكل تمريرة كرة أكثر من سيناريو ويعيدون ويزيدون في توضيحها مراراً وتكراراً بالتصوير البطيئ ومن كل الزوايا حتى يصلوا بك إلى الشك في كفاءة اللاعب ةالمدرب ونوايا مخرج المباراة والحكم، فإذا كان هذا فعلهم في الكرة فهو لا يختلف مع فعل المحللين السياسيين الآخرين.

وفي وسط هذا الكم من المتعلمين المثقفين المتنورين القادرين على تحليل ما يحدث وما لا يحدث وتقييم المواقف واستيعاب التطورات وتخيل ما وراءها، أجد أمثالي موسومين بالفكر السطحي لعجزهم عن مجرد مجاراة هذا السيل من الأفكار الماورائية والفهم المابعدي والإدراك لخفايا وخبايا كل تفصيل صغير يحدث من حولنا على الساحة، فأمثالي من البصمجية يجتهدون لمجرد فهم تفسير أولئك الأفذاذ فيعجزوا، فضلاً طبعاً عن وضع تصور أو حتى فهم للأحداث الأصلية. لهذا استسلم تماماً - واستسلم معي - لأيا من كان يحاول اقناعك برؤيته النافذة الثاقبة التي لا ادركها ولا استطيع أنا الحزين قصير النظر.

وبفضل علم إخواني وسعة إطلاعهم أصبحت قطرة الماء التي تنزل من السماء مؤامرة صهيوأمريكية، والنبتة التي تخرج من الأرض تدبير واستدراج ماسوني يدعم من فلول النظام البائد، وخناقة بتاع الكبدة اللي على أول الشارع مع عم موسى بتاع الفراخ دلالة على تواطئ المجلس العسكري مع الإخوان.

تجد مثلاً أن حدثاً مثل دعوة أحد نواب مجلس الشعب لغلق المواقع الإباحية، رغم أنها دعوة قديمة ولم يأت الرجل بجديد، ويفسرها أمثالي من السطحيين على أنها دعوة جيدة لا يختلف عليها اثنان وخطوة محمودة لزيادة البركة، والاجتهاد في منع المنكرات وحماية الشباب، إلا أن أخي الفاهم الواعي المثقف الحويط يبين لي لؤم ما تنضوي عليه هذه الدعوة من تغييب للمجتمع وصرف انتباهه عن أهم قضاياه وأخطر مراحل انتقاله، وتفتيت للهمم في قضايا فرعية جزئية. ولأني لا أفهم العلاقة بين ما يقول أخي ودعوة البرلماني .. ولثقتي المطلقة في أخي الفاهم الواعي فإني أسكت وأقر له، وأقول لنفسي أكيد انا اللي مش فاهم و"أكيد الناس دي فاهمة".

كذلك فإطلاق مجموعة من الظباط للحاهم طلبا للحرية من قيود نظام مبارك التي فرضها على الداخلية والقضاء والجيش والإعلام، واحياءاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم في مجتمع كاد ينسى سنته، يبين لي صديقي الخبير واسع الإطلاع محلل المعلومة وهي لازالت في بطن الحوت، أن في هذا مخططاً واضحاً من الداخلية لإظهار أن بالداخلية أفرادا شرفاء متدينون يدافعون عن الحقوق وعن الدين وعن الإسلام لتهدأ ثورة الشعب على الداخلية. ولأني لا أفهم من أين جاء بهذا التخمين والظن والتحليل، ولثقتي في مصادره وموارده أقول لنفسي أكيد انا اللي مش فاهم و"أكيد الناس دي فاهمة"

وبالمثل دعوة عمل صندوق للاستغناء عن المعونات الخارجية - أمريكية وغيرها - وتنشيط الاقتصاد المصري، ودعم المنتجات المصرية - هكذا أعلن المبادرون لهذه الفكرة عن فكرتهم -.
لكن أين يذهب هؤلاء من أخوتي العالمين العارفين، فقد أدركوا فورا ما وراء هذه الدعوة من تجميل للمجلس العسكري وإظهار معارضته وتمرده على الضغط الأمريكي ليحظى بالتأييد الشعبي الذي يكفل له الاستمرار في الحكم، كما أن العز بن عبد السلام - رحمه الله - منع قطز من جمع الضرائب من الرعية حتى يبيع المماليك واستدلوا بذلك على ضرورة عودة الأموال المنهوبة قبل جمع الأموال من بائعات الفجل والجرير الغلابة ، وأن من يقول عكس ذلك ما هو إلا من أنصاف المتعلمين الجهال المضحوك عليهم بالعاطفة.
ورغم أني أرى في الاستدلال ب "حدوتة العز" منهج من يبحث لرأيه عن دليل، وليس من يبحث عن رأيه من الدليل، ورغم أن الصندوق يختلف عن ضرائب قطز، ورغم أنه كثيرا خرجت هذه الدعوات في مصر من أيام مستشفى السرطان وفك الحصار على غزة وانقاذ الصومال وليبيا ولم يعتبرها أحد تجميل لمبارك ولا العسكري، لكن ما المانع أن يكونوا فاهمين وأنا اللي مش فاهم "أكيد الناس دي فاهمة".

وعلى نفس الخط، فإن مقابلة الكتاتني لوفد اللجنة الخارجية من مجلس النواب العراقي قد يبدو لأمثالي عملاً عاديا إجرائيا لا يحتمل أي عمل تخريبي أو سعي إفسادي، لكن أخي الذي شيّر صورة الكتاتني وهو يصافح رئيس الوفد - الذي صادف كونه شيعيا - اعتبر أن في ذلك تواطأ بين الأخوان المسلمين والشيعة لضرب سوريا، وأن في هذه المصافحة "رسالة واضحة" ل "من يهمه الأمر ". ولأني لا اعرف مضمون هذه الرسالة الواضحة، ومن هو الذي يهمه الأمر، فاعتبرت اني قاصر عن إدراك ما يدركه هؤلاء العباقرة فقلت لنفسي "أكيد الناس دي فاهمة".

ولما سمعت أن المجلس العسكري أصدر مرسوم قانون للاستثمار - قانون 4 لسنة 2012 - قبل انعقاد مجلس الشعب وكان مما جاء فيه أنه يجوز المصالحة في قضايا المال العام حال رد الأموال، اعتبرت أن هذا عملا لا بأس فيه ألا كون الاموال تعود بقيمتها وقت ارتكاب الجريمة، وفي هذا نقطة كلام وحوار، لكن إجمالاً فالقانون يرغّب في عودة أموال الشعب المنهوبه، اعتبار أن في هذا أصلح للبلاد من مجرد حبس لصوصها خاصة أنهم سيسجنون لجرائم أخرى لو انتبهنا، وفي كل حال فإن مجلس الشعب ولجنته التشريعية برئاسة المستشار الخضيري أعلنت أنها ستعيد النظر في جميع قوانين المحلس العسكري في أسرع وفت، لكن وكالعادة يغيب عني ما يدركه أهل الاجتهاد عباقرة الزمان حجة الله على العباد من أن هذا المرسوم هو مؤامرة على الشعب، مؤامرة عجز نظام مبارك بكل ظلمه أن ينفذه حتى جاء المجلس العسكري لينفذه، مؤامرة أضاعت على المصريين 800000000000 جنيه - 800 مليار جنيه - ولأن أخي الفاهم ختم كلامه بعبارة فيما معناها لينم الجبناء العملاء الخونة في العسل، ولخوفي أن أكون منهم ورغم عدم فهمي للرقم المذكور وجميع الارقام الورقية الحسابية التي تعتمد على فروق أسعار بين زمن وزمن فقد التزمت الصمت ورضيت بالتسليم لسعة علم وفهم أخوتي وقلت لنفسي "أكيد الناس دي فاهمة".

أذكر أني يوما هنا على هذه المدونة وتعليقاً على موضوع عن الجيش المصري عند أحد المدونين صرحت برفضي ما يفعل خشية ان يكون عمله فاتحة للجواسيس لتلقي أخبار المعلقين على البوست واضافاتهم حول الجيش المصري، فنصحني أخوة كرام كثير أن لا أحول ظنوني لوجهات نظر وأن احتفظ بظنوني في خانة الظنون دون الهجوم، وقد فعلت. إلا أني اليوم أجد أن نظرية الما وراء تطغى على الجميع وأصبحت منهج ثابت لا يحيد عنه إلا من هو جاهل.

البعض سيعتقد أن التخلي عن نظرية الما وراء هو دعوة للانجرار وراء نظرية تسطيح الأمور وهذا أبعد ما يكون عن ما اقصده، فما أعنيه هو أن الاشتغال بأفعال الغير يمنعنا من إحراز أي تقدم، وأن التفرغ للتعليق على الاحداث يعيق قدرتنا على صنع الأحداث، والاشتغال بالرأي والرد عليه تضيع للاوقات واستنفاذ للجهود وإيغار للصدور، والاعتراض على صنع الأخرين لا يكفي إلا إن رافقه عمل تصحيحي لصنعهم، وغير ذلك يصح وصفه في عالم السياسة بالسفسطة والديماجوجية.

ملحق
السفسطة هي قياس مركب من الوهميات الغرض منه إفحام الخصم أو إسكاته والسفسطائيون ينكرون الحسيات والبديهيات وغيرها مما اقره المنطق أو قبلته أحوال المجتمع السليم. ولسفسطة في المعجم الوسيط تعني من أتى بالحكمة المموّهة. والسفسطة هي أيضا التلاعب بالالفاظ لطمس الحقائق والاجابة على السؤال بسؤال.

الديماجوجية هو طريقة في السياسة يستغل صاحبها أحداث جارية ويستخدم أساليب استثارة عواطف الجماهير ويتملق طموحاتهم ويمس مشاعرهم عن طريق الخطابات الرنانة والدعاية الحماسية والتفنن في الكلام في مواضيع الرأي العام ذات الشعبية الجماهيرية، اعتماداً على رؤيته سذاجة مستمعيه واندفاعهم وراء عاطفيتهم الجياشة غير المنضبطة.

Monday, February 13, 2012

خالد العيار - مالك بن الريب - أبو جلدة



استشعر في كلمات ومقصود المهندس محمد عبدالله في البوست السابق أن هؤلاء البلطجية أو الرعاع أو سمهم كيفما تشاء يحملون من المبادئ والقيم ما يعجز غيره من أصحاب المقامات الرفيعة عن حمله، وكأنه يقول لا يغرنك قبح المنظر ولا سوء الكلام ولا تلفظه بقبيح القول ولا إتيانه بذيء الفعل لتتعالى عليه وتظن أنك أفضل منه وأعقل وأحكم وأدرى وأجدر أن يسمع لك، فكل ما هنالك أن هذا البلطجي - بنظرك - مع كل الطاقة الإيجابية الكامنة بداخله لم يجد من يوجهه في الطريق الصحيح ليفيد نفسه وأمته مثلما توفر لغيره، ولعله إن توفر له ذلك لكان قائداً عظيماً أو عالماً فذاً، بينما إن كان غيره من المتعالين عليه المتبرئين منه في مكانه لكانوا أشر منه وأشد قبحاً.

وعلى نفس المنوال فإن شباباً مثل شباب الألتراس أعلن أن لديه الاستعداد أن يموت في سبيل قضية "الكرة وناديه"، فمثل هؤلاء عندما نتحدث عنهم نلوم عليهم سوء اختيارهم لقضيته، لكننا في نفس الوقت نقف لهم احتراماً وإجلالاً لأنهم أولاً لديهم قضية وثانياً وهذا هو الأهم لأن أحدهم لديه الاستعداد لأن يموت من أجل قضيته، فهذه مبادئ نعجز جميعاً – إلا ما رحم ربي – عن مجاراتهم فيها.

الجميع تبرأ منهم .. الجميع قال لا نعرفهم وليسوا منا .. ممن هم إذن ؟

هؤلاء البلطجية الرعاع الأوباش لم يجدوا من يوجه طاقاتهم، لأن الجميع يتخلى عنهم ويتبرأ منهم .. المثقفون والإسلاميون والعسكريون فمن إذن يبقى لهم ليوجه طاقاتهم المتفجرة اللا موجودة عند غيرهم ؟

هل تعلم من هو أبو الهيثم العيار اللص الطرار ؟

هو أبو الهيثم خالد الحداد كان لصاً سارقاً، ولكنه كان يحمل من القيم الكثير، من العقل والحكمة الكثير، كان يرفض الخضوع ويآباه ويحب الرياسة وكان يضرب به المثل في الصبر لأنه كان يؤتى به فيجلد بسبب السرقة فلا يظهر ألمه لأحد ويكتمه في جوفه، قيل له يوماً: يا خالد ما أنتم لحوم ودماء فيؤلمكم الضرب ؟!! ، فقال: بلى يؤلمنا ولكن معنا عزيمة صبر ليست لكم.

قال له الخليفة المتوكل يوماً: ما بلغ من جلدك ؟، قال : املأ لي جرابي عقارب ثم أدخل يدي فيه، وأنه ليؤلمني مَا يؤلمك، وأجد لآخر سوط من الألم مَا أجد لأول سوط، ولو وضعت فِي فمي خرقة وأنا أضرب لاحترقت من حرارة مَا يخرج من جوفي ، ولكنني وطنت نفسي عَلَى الصبر ، فقال له الفتح بن خاقان وزير المتوكل: ويحك مَعَ هَذَا اللسان والعقل مَا يدعوك إِلَى مَا أنت عَلَيْهِ من الباطل ؟؟! ، فَقَالَ : أحب الرياسة، فَقَالَ المتوكل : نحن خليديه - أي مثله -.

وقال داود بن علي: لما قدم بخالد اشتهيت أن أراه، فمضيت إليه فوجدته جالسا غير متمكن لذهاب لحم إليتيه من الضرب، وإذا حوله فتيان فجعلوا يقولون ضرب فلان وفعل بفلان كذا، فَقَالَ لهم: لا تتحدثون عن غيركم افعلوا أنتم حتى يتحدث عنكم غيركم.

هل هذا هو البلطجي الذي يتبرأ منه الجميع ويستعلي عليه أم خبير تنمية بشرية .. هل تعلم ماذا فعل أيضاً ؟؟

عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَدَ بْن حنبل ، أنه كان يَقُول : كنت كثيرا أسمع والدي أَحْمَد بْن حبنل، يَقُول: رحم اللَّه أبا الهيثم، فقلت: من أَبُو الهيثم ؟ فَقَالَ: أَبُو الهيثم الحداد لما مددت يدي إِلَى العقاب وأخرجت للسياط إذا أنا بانسان يجذب ثوبي من ورائي، ويقول لي؟ تعرفني ؟ قلت: لا، قَال: أنا أَبُو الهيثم العيار اللص الطرار مكتوب فِي ديوان أمير المؤمنين – الأمن الوطني بتاعهم - إني ضربت ثمانية عشرة ألف سوط بالتفاريق، وصبرت فِي ذلك عَلَى طاعة الشَّيْطَان لأجل الدنيا، فأصبر أنت فِي طاعة الرَّحْمَن لأجل الدين.

الإمام أحمد يدعو كثيرا لأبي الهيثم !! .. هل تسمعون عن مالك بن الريب ؟؟

كان مالك شابا شجاع فاتكاً لا ينام الليل إلا متوشحاً سيفه استغل قوته في قطع الطريق هو وثلاثة من أصدقائه, لازم شظاظ الضبي الذي قالت عنه العرب ألص من شظاظ. طاردهم مروان بن الحكم فهربوا منه إلى فارس.

ولما ولي معاويةُ - رضي الله عنه - سعيدَ بن عفان - حفيد عثمان بن عفان رضي الله عنه - على خراسان مر وهو متوجه لإخماد فتنة في تمرّد بأرض خُرسان على مالك بن الريب، وكان من أجمل الناس وجهاً، وأحسنهم ثياباً فلما رآه سعيد أعجبه، وقال له: مالك، ويحك تفسد نفسك بقطع الطريق! وما يدعوك إلى ما يبلغني عنك من العبث والفساد، وفيك هذا الفضل! قال: يدعوني إليه العجز عن المعالي، ومساواة ذوي المروءات ومكافأة الإخوان - بلطجي من أجل أن ينال المعالي بين إخوانه - ، قال: فإن أنا أغنيتك، واستصحبتك، أتكف عما كنت تفعل؟ قال: إي والله أيها الأمير، أكف كفاً لم يكف أحد أحسن منه. فاستصحبه، وأجرى له خمسمائة درهم في كل شهر.

واستجاب مالك لنصح سعيد وأبلى بلاءً حسناً وحسنت سيرته وعاهد الله جميل العهد حتى قتل وهو في غزو، إذ لسعته أفعى وهو في القيلولة فسرى السم وأحس بالموت فقال قصيدة يرثي بها نفسه وتعتبر من عيون المراثي ومن أرق وإجمل ما كتب في رثاء النفس.

فهل فينا مثل سعيد ؟؟

وإلى وقت قريب كان أهل الخبرة والحنكة والقادة العظماء يوجهون هذه الطاقات المهدرة نحو ما فيه الخير والصلاخ للنفس والأمة، وما أبو جلدة وعز الدين القسام عنا ببعيد.

كان أبو جلدة قاطع طريق في بداية القرن العشرين ولكن كان فيه من المروءة والشرف ما يخجل معه الشريف فينا من نفسه .. سارت في الطريق الذي كان يقطعه امرأة شديدة الجمال ومعها خروف، فأوقفها رجال أبو جلدة وسألوها عن وجهتها فأجابت: إلى أبي جلدة أهديه الخروف، على أن ينتقم من قتلة زوجي المقطوع من شجرة لأنها أيضاً مقطوعة من شجرة وليس لها أحد، فلما بلغ أبي جلدة كلامها وهو في المغارة وهي على الطريق أمر بردها مع خروفها وألا تدخل إليه المغارة لأنه لا يليق بها أن تدخل عليه ووعدها أن ينتقم ممن قتل زوجها ووفى بوعهده معها.

أبو جلدة والعرميط ياما كسروا برانيط .. برانيط الانجليز المحتلين فأذاقهم بأعمال اللصوصية ما طار معه صوابهم وتندر به أهل فلسطين عقود طويلة.

يحكى أن رجلاً موسراً شعر بدنو الأجل فأمر ولده أن يوزع دنانيره كل في مصرف، وأمره أن يجعل مائة دينار يعطيهم لأي خريب ذمة من اللصوص وقطاع الطرق لأنهم يقتلون النفس من أجل عشرين دينار فلو اكتفى أحدهم بالمائة عن قتل خمسة أنفس كان له بهذا أجرا عند الله.

فلما مات الرجل وأراد الولد أن ينفذ وصية والده بحث عن أكتر الناس لصوصية وقطعاً للطريق ليكون هو خريب الذمة المنشود، فأخبره متابعو الإعلام الحكومي أن أبا جلدة هو المنشود فذهب إلى الطريق الذي يقطعه أبو جلدة وأعوانه فأوقفوه وسألوه عن وجهته فقال أريد أبا جلدة أعطيه هدية، فلما وصل رفض أبو جلدة أن يأخد من المال شيء حتى يعرف حقيقة مصدره واستحلف الولد أن يخبره عن حقيقة المال فقص عليه الولد وصية والده وأنه بحث عن خريب الذمة ليعطيه المال، فغضب أيو جلدة وقال له نحن لا نقتل من أجل المال، وأمره أن يذهب إلى عمدة قرية لجواره فأمثال هؤلاء الحكام والساسة هم خريبو الذمة، فذهب الولد للعمدة ليهديه المال، فما كان من العمدة الضلالي إلا ان اتهم الولد بأن الوالد قد ترك له أكثر من ذلك وأن الولد قد سرق من المال لنفسه !!!.

وفي الثلاثينيات سئل المجاهد البطل عز الدين القسام عن رأيه في أبي جلدة الذي كان يسلب الإنجليز واليهود وكذلك عن نشاط أهل الشعراوية وجبل نابلس الذين كانوا يقطعون أشجار اليهود ويسمُّون الحيوانات والذين كان ينعتهم الناس باللصوصية وقطاع الطرق فلم يتبرأ منهم ولم يقل لا نعرفهم وإنما أجاب: دعهم يعملون، لأن في عملهم رجولة سنحولها في يوم من الأيام إلى جهاد، وما دام المستعمر يرغب في إماتة قلوبنا، فإن هؤلاء أقرب إلى الله وإلى حبِّ الجهاد من المستكينين.