Friday, January 02, 2015

زوجة مثالية


أخيراً، وبعد رحلته الطويلة للبحث عن الزوجة المثالية، وجدها. هي مثال الالتزام والديانة والعلم والخلق الحميد. هي بعيدة كل البعد عن النماذج القبيحة التي كان يتجنبها في اختياراته، فلا هي تشبه المترجلات من النساء، ولا المتحررات من كل فضيلة، ولا هي من مقلدات نساء الغرب في أفعالهن وطموحاتهن وهوسهن بالمظاهر، هي الزوجة المنتظرة ولا شك.

أتم المراسم سريعاً بلا تعقيد، فلم يكن لها ولا لأهلها طلبات تذكر، وبدأ حياته الزوجية ...

بعد الزواج كانت المفاجأة الغير سعيدة في انتظاره، نعم هي دينة، نعم هي على خلق، لكن أمور ظهرت منها لم يكن كما توقعها، فأحياناً تطالبه بالخروج والتنزه والزيارات العائلية، تهتم كثيراً بمتابعة الموضة وتفاصيلها، تسأله عن الأماكن عند ذهابه وإيابه، تتوقع منه الهدايا والمفاجآت وتعاتبه إن تأخرت عنها. تتكاسل في أداء بعض الصلوات، ولم تشجعه يوماً على صيام النوافل أو قيام الليل، لا تعرف كثيراً من أبواب العلوم الشرعية، والطامة الكبرى لما قالت له أنت تفعل كذا واشمعنى أنت !! وأخرى رددت فيها أكثر من مرة أن لها حقوقاً. هي إذن تبحث عن المساواة !! بعد كل هذا البحث عن الزوجة الصالحة أوقعه حظه العاثر في زوجة تتشبه بالناقصات من النساء.

ما أزعجه حقاً أنه لم يتوقع ذلك منها، بل لا يتوقع أن تكون الأخت الملتزمة بمثل هذا العقل الذي لا يختلف كثيراً عن عقل تابعات هدى شعراوي وتلميذات قاسم أمين، تمنى لو أنه تريث قليلاً قبل الزواج كي يظهر له كل هذه البلايا قبل أن تقع الطوبة في المعطوبة.

تذمر، وغضب، وبكى على نفسه وحاله، وقصر في حركته الدعوية، فكيف يدعو إلى الله من كان هذه زوجه، فهي لم تكن كما يطمح فتعينه على الدعوة إلى الله ومشاقها، وتكفيه الخوض في هذه الأمور السخيفة. فكر جدياً في الطلاق والزواج بأخرى تعينه على أمر آخرته، وتكون له كما يتمنى كأخ ملتزم له مسئوليات دعوية يجب على زوجته مراعاتها ولا ترهقه بأخلاق النساء.

اتصل بشيخه يطلب لقاء معه ليستشيره في أمر الطلاق، ولم يخبره عن سبب اللقاء، وحددا موعداً بعد صلاة الجمعة.

في يوم اللقاء استيقظ الفجر كعادته وحده، تذكر كيف كان يتمنى أن يتزوج من صالحة توقظه لقيام الليل ولصلاة الفجر، ها هو الآن يستيقظ بنفسه كل يوم ليقوم هو بمهمة إيقاظ زوجته، فتقوم نصف نائمة يصليان معاً ثم تعود مباشرة إلى نومها. أما هو فما بين أذكار الصباح والضحى وغسل الجمعة وقراءة سورة الكهف والتهيؤ لصلاة الجمعة كان العامل المشترك بين كل هذه الأعمال هو التفكير في أمر الطلاق وأن شيخه ولا بد إذا عرف بكل هذه الصفات والرذايل سيؤيد موقفه ويدعوه ليغير عتبة بابه.

دخل المسجد يستمع لشيخه على المنبر، كانت الخطبة عن بيت النبوة، وذكر شيخه شيئاً عن تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع نسائه، وفرق الشيخ بين التدين وبين طباع المرأة الفطرية التي جبلت عليها، ومنظورها للأمور بشكل يختلف عن نظر الرجال، وكيف كن نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وهن خير النساء ديناً وخلقاً، يتنازعن فيما بينهن ويغرن من بعضهن ويتسببن للنبي صلى الله عليه وسلم بالمشكلات التي تصل لمعاتبة رب العالمين له صلى الله عليه وسلم، وحتى كاد صلى الله عليه وسلم أن يطلقهن ولم يفعل. ومع ذلك لم يمنعه كل هذا من الدعوة إلى الله، ولا من نشر الحق الذي جاء به، ولا من الغزو في سبيل الله والحكم بين الناس.

ذكر الإمام من فوق منبر الجمعة أن إحدى زوجات النبي خرجت تقتفي أثره لتعلم أين يذهب، وهي تشك أنه يذهب لغيرها من أزواجه، وأن نساء الصحابة رضوان الله عليهم ذئرن على أزواجهن لما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ضربهن، وطالبن بمقابل ما يناله الرجال من فضل حتى كان تطلب إحداهن أن تكون ممن يركب البحر في سبيل الله، وحتى كان لهن وافدة يرسلونها تتكلم بلسانهن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي موطن آخر طالبن النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهن يوماً من نفسه، لأن الرجال غلبهن عليه.

ثم ذكر كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم في خدمة أهله، قائم على حاجتهن، وكيف كان يراعي حاجات عائشة في الترفيه، فيجعلها تشاهد الحبشة، ويسمح للجارية تنشد عندها، ويسابقها، ويمازحها في لعبها، ويسمع وينصت لقصصها وحكاياتها، ويصحبها في أسفاره، وولائم الصحابة ما استطاع لذلك سبيلاً. كان يفاجئها ببسيط الأفعال الذي له أكبر الأثر في نفسها حتى أنه ليضع فمه مكان فمها عند الشراب، ويغتسل معها من إناء واحد.

كان صاحبنا ينظر إلى الخطيب مبهوراً وكأنه يسمع هذا الكلام لأول مرة، ويتمتم بالتسبيح في نفسه والصلاة على النبي تعظيماً وإجلالاً لحلمه ورحمته صلى الله عليه وسلم.

ذكر الخطيب كيف كان صلى الله عليه وسلم يرفع من شأن أزواجه ولا يحقرهن في أنفسهن، فيجعل صفية بعد ما بكت كونها بنت اليهودي في مكانة وكأنها ملكة الزمان، ويحكي لأم سلمة عن همومه ويعمل بمشورتها، ويمدح فضل عائشة على سائر النساء ويشبهه بفضل الثريد على سائر الطعام.

واستطرد الخطيب قائلاً الصورة المثالية التي يرسمها الشباب في فتاة أحلامه غير موجودة، فلا الدنيا مثالية، ولا أنت مثالي، ولا أنت مثل النبي صلى الله عليه وسلم، ولا النساء خير من أزواجه صلى الله عليه وسلم، لا نريد من الزوجة أن تكون خادمة، ولا معنى أن تكون ملتزمة طائعة لزوجها أن تكون كالست أمينة، وأن يكون الرجل سي السيد في بيته، لابد أن نقدر حاجات زوجتك كأنثى وتتماشى مع فطرتها في غير إفراط، وتقوم أنت بأمرها في الدين والدنيا مادمت أنت القيم عليها.

بعد أن أنهى الشيخ خطبته، جلس إليه وأثنى عليه وعلى خطبته، ثم أطرق برأسه وعينه في الأرض لا يدري ما يقول، بادر الشيخ وسأله: ما بك ؟ سكت برهة ثم قال: أريد أن أطلق زوجتي.