Friday, December 31, 2021

في العمق مكان للحزن



الحمد لله رب العالمين.

انتهى العام بما فيه من آلام وأفراح. عام بدأ بمرض والدي وانتهى بوفاته. وفجعني فيه خبر وفاة محمد عبد الغفار صاحب مدونة في العمق مكان للحرية. ولأني لم أجد الفرصة لتتقاطع أيامنا في هذه الحياة فنتجالس ونتزاور فكنت أسأل الله أن نكون أنا وهو وآخر - أسأل الله أن يمد ويبارك في عمره وعمله - في جنات النعيم إخواناً على سرر متقابلين. 

أما أبي - رحمه الله - فلم يكن الألم الأكبر في الشعور المستمر أني لم أكن بجواره بما يكفي طوال عمره وكما ينبغي لأبن أن يلاصق أباه، ولم يكن في اليقين أنه لا مجال للعودة للوراء ولا تصحيح لما فات. ولا الألم في ذكراه المحفورة وصوته المتردد في الأذهان وهو ينسحب من الحياة يوما بعد يوم وانا أغالط ما يحدث وأزعم لنفسي قبل الجميع أنه سيعود لسابق عهده.

الألم الأكبر هو أنني حتى الآن بعد مضي شهر ونصف لا أجد مجالاً أعبر فيه عن كل الحزن الذي بداخلي على فراقه، لا أدري هل هذا طبيعي ؟ وهل هناك حال أفضل حيث لا يضطر أقرب الناس للمتوفى أن يهرعوا للإجراءات الضرورية المتعاقبة من لحظة الوفاة إلى شهور ممتدة بعدها فيحملون هموم إنهاء أوراق كذا ، وتفريغ الوقت لإنجاز معاملة كذا .. ؟

هذا الألم الذي نُجبر أن نصنع له قبراً آخر في أعماقنا ندفن فيه بكاءنا وصرخاتنا، حين نضطر أن ننضج ونتماسك حتى لا ندمي قلوب من حولنا. فينعكس هذا العمق الذي نواري فيه الأحزان ولا يدري عنه أحد إلى تصرفات هاربة تتجسد في صورة لجوء للصمت والابتعاد أثناء النهار أو دمعة بلا مبرر أثناء الليل.

فاللهم ارحم من فارقونا واغفر لهم، وارفع درجاتهم في عليين، وألحقنا بهم غير ضالين ولا مفتونين.



Tuesday, August 18, 2020

عقبة حقيقية



الإسلام عقبة حقيقية أمام كل حاكم متسلط لا يعرف طريقة للحكم غير الدولة المستبدة. الإسلام يوقظ فينا معاني الكرامة ويطالبنا باليقظة لحراستها والزود عنها، ينقي الإسلام إباء النفس وعزتها حتى تقدم خالصة دون شائبة لله ولرسوله وللمؤمنين، بينما يسعى المستبد لتخدير الشعوب وإسكاتهم وإماتة النخوة فيهم وإخضاعهم لذاته.

الإسلام ينبه الأبدان ويدفع العقول نحو المعارف والعلوم ويرتب لنا أولويات الحياة، ويجدد فينا سلامة الفطرة، بينما المستبد - حماية لكرسيه - يدفع الأبدان نحو الشهوات، ويفسد العقول بالفتن والشبهات، ويغرقنا في الفوضى واللا هدف ويطمس الفطرة التي خلقنا عليها.

الإسلام يدعونا للجماعة، والمستبد يحرضنا على الشقاق، الإسلام يطرح من القلوب الدنيا ويظهر لنا حقيقتها وحقارتها، بينما ينمي المستبد في القلوب حب الدنيا وكراهية الموت والخوف الدائم والحرص عليها وعلى حياة.

كلما قرأتَ أكثر في الإسلام كلما ابتعدتَ أكثر عن جنة المستبدين حيث الخمول والدعة والتفاهة. كلما فهمتَ أكثر عن الإسلام كلما أصبحتَ عدواً محتملاً للطغاة وشخص مشتبه فيه. كلما تربيت بالإسلام كلما عاداك الظالمين وأعوانهم، أما إن أحببت وقررت أن تحمل الإسلام عقيدة، وإن تتحرك به وتتصدى لمسلمات القهر فأنت ولا شك الفوضوي الخائن الكافر المحارب .. إلخ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لورقة بن نوفل: "أو مخرجي هم ؟"، قال ورقة: "لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي".
هم لا يحاربون الإسلام بقدر ما يحاربون ما يمكن أن يصنعه الإسلام لنا وبهم.

Monday, April 27, 2020

البابا جمعة مش عايز جمعة



نشرت بوابة الأهرام المصرية خبرا أن "وزارة الأوقاف تحذر من إقامة الجمعة أمام المساجد أو الطرقات أو الزوايا أو فوق أسطح المنازل" وذكرت شطراً من تهديدات وزير الأوقاف جمعة وتحذيراته المتواصلة التي تتسم بالعنف والوعيد وووصم كل مخالف لرأيه بالجهل والتطرف. كما أوردت تحذير وزارة الأوقاف من أي محاولة لإقامة صلاة الجمعة أو صلاة الظهر أو غيره جماعة في أي من المساجد أو محيطها وتأكيد الشيخ جمعة أن الوزارة ستتعامل بحسم شديد مع أي "مخالفة" من "المخالفات". وذكر أن صلاة الجمعة لا تنعقد بمخالفة ولي الأمر، وأن الصلاة لا تنعقد في الطرقات أو أمام المساجد أو الزوايا أو فوق أسطح المنازل.

يبدو إن الشيوخ المعينين في وزارة الأوقاف تمادوا في العنجهية، وتطاولوا في تعظيم ذواتهم ونسوا إن دورهم لا يتعدى الحفاظ على ما أوقفه الناس لله، وتنظيم ما جعلته الدولة من حيطان وأراضي وأثاث وخلافه لإقامة الشعائر والعبادة ونشر المنفعة، فافتكروا إنهم كنيسة أوروبية في العصور الوسطى يرأسها الشيخ الدكتور أوربان جمعة الذي يملك وحده دون غيره صكوك القبول وله أن يحلل ويحرم بهواه، وله سلطة أن يخاطب المسلمين بلغة التهديد والوعيد لكل من يخالف تعاليمه المقدسة ويقرر يصلي جماعة خارج المسجد.

سلطة الأوقاف - إن كان لها سلطة - تختص بالمسجد كبنيان، لكنها تعدت في غفلة لتشمل ما يفعل وما يقال فيها، فليس لها الآن أن تمد سلطاتها المزعومة لتمارسها على الدين نفسه، فتقرر كيف يتعبد الناس لله خارج أبواب بيوت الله المغلقة، ولا يوجد مثل هذه السلطة الدينية في الإسلام أبدا، وليس لمعينين الأوقاف أن يفترضوا في أنفسهم دون غيرهم الوعي والخطاب المستنير لجرأتهم فقط في منع شعائر الله، بينما غيرهم جهلة فوضويين لتعظيمهم هذه الشعائر، وليس للأوقاف أن تحل أو تحرم اجتماع الناس في الشوارع او على أسطح البيوت (فاضل يحرموا الجماعة في البيوت). وإذا كان بلغ فشلهم في تنظيم الصلاة بشكل يحفظ للناس أرواحهم ويحميهم من الأذى فليس لهم أن يمنعوا غيرهم عن إيجاد حلول بديلة لمجرد فرض الرأي وإظهار السيطرة للأسياد.

أما التسليم بغلق المساجد - رغم استمرار الحياة في جوانب أخرى تانية - فدا ليس اقرار ان دا تصرف شرعي له مستند سليم. ولكنه إقرار بأمر واقع كحل مؤقت، ومنعا لاختلاف الكلمة ودرأ لمفسدة قد تحدث في بيوت الله، وطاعة لولي أمر الناس تسلط علينا، ومنعا لزيادة الشقاق (يكفي ما تسبب فيه هؤلاء الأغبياء بالفعل من شقاق)، وإدراكا إن هؤلاء المعينين معدومي الكفاءة قليلي الحيلة، عاجزي الإرادة، لا يملكون حلا ولا تدبيرا غير ما يملى عليهم.