استمع إليه وهو يشرح لي سواد وظلام المرحلة القادمة فاتعجب – سراً – من جرأته واستمراره في آداء دور المحلل السياسي والخبير الاستراتيجي رغم إخفاقه المستمر في توقع الأمور وتكرار عدم تحقق أياً مما يقول، ورغم ذلك يستمر بثبات رهيب وثقة متناهية متنامية في إبداء آراءه العميقة في كل صغير وكبير مما يستجد، موحياً إليك أنك تسهر الليل حيران تتخبط، تنتظر بشغف كبير انبلاج الفجر لتستعلم منه عن رؤيته الفريدة وتفسيره المتميز وتحليله الواعد للأحداث، وهو في كل مجلس يكرر " ألم أقل لكم كذا كذا يوم كذا وكذا وتحقق تماماً كما قلت ؟!! " مغضي الطرف عن عشرات المرات التي قال فيها كذا كذا يوم كذا وكذا ولم يتحقق منه شيء وظهر خلاف ما يقول. ثم اقول لنفسي ما بال كل تحليلاته تصب إلى منتهى ضياع وخراب وفساد وظلمة وظلمات وعجز وقهر وفشل، لا أكاد أذكر له مرة حديثاً يثبّت فيه فؤادنا ويخبرنا أننا نستطيع أن نفعل شيء ما، أو يقول لنا أنه لا تستطيع قوة غاشمة ظالمة فعل شيء لنا، لم يذكر مرة واحدة في حديثه أن غد أبنائنا سيكون ولا شك أفضل من يومنا نحن. هل يخشى أن يكون متفائلاً ثم لا تتحقق نبؤاته الطيبة المبشرة فيخسر عندها زبائنه من أمثالي ؟؟ لا أظن ذلك فأخطائه المترتبة على نظرته السوداوية للأمور وعدم تحقق نبؤاته الشريرة المحبطة لم تجعلنا – نحن الزبائن - نطالبه يوما بالتوقف عن التحليل، فما الذي يجعلنا نفعل ذلك إن أخطأ في توقع ما ينشر فينا الفأل الحسن ويبعث فينا الأمل. كل هذا يدور بيني وبين نفسي سراً خشية أن أبوح له بما في صدري فيلتفت عن تحليل الأحداث ويبدأ في تحليل شخصيتي التي هي ولا شك شخصية عاطفية تبني على الآمال والأماني والأحلام ولا ترتكز على أرض صلبة وتميل إلى تخطي الحقائق الواضحة الجلية إلى ما دونها من الإشارات الواهية ... إلخ. أريد أن أذكره بقول النبي صلى الله عليه وسلم " بشروا ولا تنفروا " والرواية الأخرى " سكنوا ولا تنفروا "، أقول له يا أخي نحن نفوس إنسانية تضطرب وتقلق وتهلع وتجزع من كلمات اليأس والأحباط، نحتاج من وقت لآخر إلى من يبشرنا ويسكن قلوبنا ويزرع فينا الأمل ويخبرنا عن الخير القادم وينتظرنا، نحتاج لمن يصنع لنا التفاؤل صناعة، ويسقيه لنا بكلمة طيبة يقولها تكتب له صدقة وتنزل علينا برداً وسلاماً، فإن عجز عن ذلك فليكفينا ويصمت، فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت. يا أخي إن الله تعالى كان يبشر المسلمين ويطمئن قلوبهم بمؤازرة الملائكة في بدر { وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ }، وهو تعالى قبل معاتبته المسلمين لخطأ ارتكبه بعضهم يوم أحد وتسبب في هزيمتهم بدأ بتبشيرهم وطمأنتهم وكانها كلمات تحمل معها الطبطبة وتطييب الخاطر [ مفيش حاجة يا جماعة عادي بتحصل، انتوا برضه أعلى وأفضل ] { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ }، ولما حزن المسملون لهزيمة أهل الكتاب أمام الفرس بشرهم بنصر قريب لأهل الكتاب على الفرس حتى لا يطول بهم الحزن والإحباط {آلم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ }. ويا أخي رسل الله كانوا مبشرين ومنذرين، أي أن نصف دعوتهم كانت تثبيت المؤمنين وإطلاعهم على الخير والنعيم الذي ينتظرهم في الدنيا والآخرة مهما لاقوا من صعاب وواجهوا في البداية من عقبات، ورسول الله محمد صلى الله عليه وسلم كان يحب الفأل الحسن ويكره الطيرة، كان يقول للمسلمين بعد صلاة العشاء : " أعلمكم، وأبشروا، أن من نعمة الله عليكم أنه ليس من الناس أحد يصلي هذه الساعة غيركم " كلمة بسيطة أطلعه الله عليها فأطلع المسلمين عليها فقط ليزرع الفرح في قلوبهم قبل أن يناموا، كان يقابل الفقراء بالابتسامة وبشارة الغنى وكثرة المال ويقول لهم : " أبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا "، كان يقابل المرضي بالبشرى أن المرض يذهب الخطايا ويقول للمريض : " لا بأس، طهور إن شاء الله "، كان يقول لأفراد المسلمين الخائفين من أحزاب العرب أنهم سيملكون الدنيا ويأخذون مفاتيح الشام وفارس واليمن. كان يبشر المسلمين حتى صار لدينا من نطلق عليهم المبشرون من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة. يأخي لما اقرأ حب الصحابة لبشارة بعضهم بعضاً ورغبتهم في ذلك قولا وعملاً اتعجب، ويزداد عجبي لما اتخيل ذلك الموقف عندما نزلت التوبة على كعب بن مالك وعلم المسلمون بذلك بعد صلاة الفجر، هذا الوقت الهادئ الساكن، فجأة تنفجر المدينة بالحركة والسعي والركض وأناس يذهبون ويجيئون كل منهم يرغب في أن يكون من يبشر أخاه بالخير، يقول كعب : " فذهب الناس يبشروننا، وذهب قبل صاحبي مبشرون ، وركض إلي رجل فرساً، وسعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل، وكان الصوت أسرع من الفرس " واتعجب من هذا الأخير الذي لم يصبر على السعي ولا الركض فصعد الجبل وصرخ بأعلى صوته : " يا كعب بن مالك أبشر " ليكون أول من يبشر أخاه. يأخي إن لم تقتدي بهدي القرآن ولا صنيع الرسل ولا سنة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ولا خلق الصحابة، فبمن إذا تقتدي ؟؟! { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } وعندما انتهي من حديثي السري وأعود لأنضم إليه أجده ما زال يقول : " وزي ما بقولك كده عمره ما حيعرف يعمل حاجة، ولا عمرها البلد دي ما حينصلح حالها، وأنت فاكر احنا نقدر على كده ؟ ولا أمريكا حتسيبهم ولا تسكت لنا ؟ إحنا أصلا وحشين وحنفضل طول عمرنا وحشين ............. " |
Monday, July 30, 2012
اصنعوا الأمل
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
3 comments:
لظييييييييظظظ انا صراحة اتكيفت وانا بقرأه
وانا كمان :D- DESOUKY
بني آدم
يافندم إحنا نركب تكييف مخصوص في المدونة لسعادتك
DESOUKY
شرفتني يا نخبة
:D
Post a Comment