Thursday, July 28, 2011

فضفضة


من البيانات التي يعالجها عقلي منذ فترة واحتار كثيرا في معالجتها بيانات مشكلة صغيرة كبيرة تحدث لي في عملي الحالي، فمنذ أكثر من عام تقريبا انتقلت إلى عمل جديد في شركة تفتح أبوابها لأول مرة في مصر تتبع لمجموعة سعودية من الناحية الفنية ولها شريك مصري مقيم في الإمارات مسئول عن الشركة من الناحية الإدارية والتأسيسية.

ولأن الشركة ناشئة وتعتبر تحت التأسيس، فقد تسائلت أنا ومعي المقبلين على العمل الجديد على نقطة هامة لنا وهي: هل الشركة تهدف للاستمرار أم هي مجرد تجربة واستطلاع جو عمل في مصر ؟ وبالطبع كانت الإجابة: أن الشركة تهدف للاستمرار والنمو في مصر فتسائلنا عن ورقيات الشركة الخاصة بالسجل التجاري والتأمينات الاجتماعية والعقود ولوائح الشركة وغير ذلك من الأمور التي تعطي للشركة صفة الرسمية والاستقرار وتطمئن العاملين بها على مستقبلهم مع هذه الشركة. فكانت إجابة الشريك المصري القاطعة أن كل هذه الأمور ستنفذ كما نحب وزي ما بيجرى في الشركات المصرية وإنه فقط سينتظر ستة أشهر قبل أول نزول له لمصر لاتمام هذه الاوراق، فكان هذا هو اتفاقنا.

وبعد مرور 6 شهور لم يحدث أي جديد ..

وبعد 7 شهور ولما لم أجد أي بادرة تكلمت معه وشرحت له أن الشركة بهذه الطريقة ليست شركة تدفع للاستقرار بها لأن اتمام الأوراق هو المؤشر لجدية أصحاب الشركة وعلى رغبتهم في الاستمرار والحفاظ على العاملين معهم.

فكانت إجابته أنه متفق تماما معي فيما أقول وان هذا حقي وهو متمسك بنا جميعاً غير أن ظروف سفره وإقامته بالخارج تجعل الموضوع يمر ببطء وأنه وكّل محامي ليقوم بهذه الإجراءات نيابة عنه وسيتابع مع المحامي. وأضاف أنه لا ينبغي علي أن اركز في هذه المسألة وعلي أن اركز في الإيجابيات مثل انه يعاملني والآخرين كأخ وأننا جميعا متحابون وعلاقة الثقة بيننا تفوق كل شيء آخر وأنه صبر كثيراً حتى اختارنا نحن بالذات دون كل المتقدمين لأننا نحقق له ما كان يخطط له دائماً في موظفيه، وكثير من مثل هذا الثناء البديع.

حاولت مراراً أن انقل له مخاوفي وقلت له أن هذا كلام جميل وهو متبادل لكن أين الفعل .. نحن بحاجة إلى فعل اثبات على ما تقول وعلى جدية الشركة، وبالنسبة لي لا يعنيني تأمينات ولا أوراق إلا من هذا الوجه .. وجه اثبات جديته في انشاء هذه الشركة وتمسكه بالعاملين معه خاصة في ظل حالة عدم الرؤية في تعاملتنا مع الشركة فنحن لا نرى الشركاء السعوديين ولا نر الشريك المصري وكل ما بيننا هو الموبايلات والماسنجرات والإيميلات. بالإضافة إلى بعد المسافة واختلاف طبيعة وخلفية البيئة لكل منا مع اهمالهم المتعمد وتجاهلهم المستمر لكل الاهتمامات المشتركة بيننا.

فأكد لي أنه سيفعل كل ما بوسعه لاثبات هذه الجدية .. فصبرت وانتظرت.

والآن بعد مرور أكثر من عام أثير موضوع التأمينات من جديد ولكن من طرف آخر غيري، فاتصل بي الشريك المصري ليناقشني في المسألة وكان كلامه أكثر عنفاً وحدة وكانت نظريته كلها تنبني على أن التأمينات الاجتماعية حرام شرعاً وأنه لا يريد أن يعصي الله عز وجل وأنه آجلا أو عاجلاً لازم حيعمل التأمينات دي لأن القانون يلزمه بيها وعلينا ان ننتظر ولا نطالبه بها وأضاف أنه لما يعملها حيجعلها على الحد الأدني الذي يخرجه فقط من المشاكل القانونية وإن احنا لازم ما نفكرش في الموضوع دا حاليا ونحمد الله ولا نكثر الكلام والضغط عليه في هذا الموضوع كل شوية لأنه أصلا حرام ومعصية لله ويجب أن نلتفت إلى الاشياء الأخرى العظيمة التي يقدمها لي فقد اختارني من بين .. إلخ ... ووضع ثقته ... إلخ ..... والمحبة التي بيننا ... إلخ وإننا كإخوات لا يمكن أن ... إلخ

كررت عليه كثيرا أني أقدر هذه الكلمات التي احسبها صادقة ولا أكذبها، غير أن موضوع التأمينات بالنسبة لي لا يعدو كونه اثبات اتصال بيني وبين الشركة وأنا في حاجة حقيقية لمثل هذا الاثبات .. واحتاج حافز يدفعني والعاملين معي للاستقرار ليس أكثر في الظروف الغير طبيعية للشركة .. وتعجبت من طلبه ألا نتكلم في إدارة الشركة ففي أي شيء نتكلم إذن ؟؟ عن السياسة ؟؟ عن القنوات الفضائية وبرامجها ؟؟ عن وصفات الطعام ؟؟ .. أنا ممكن اتحدث عن هذه الأمور ولكن لما استوفي المشاكل التي تقلقني أولاً ...

أصر على عدم فهم معادلتي للموضوع واستمر في الحديث عن التقوى والورع وانا في منزلة التلميذ العاصي المحرض على المعاصي الذي لا يأبه للدين ولا لحكم الله ويؤثر الدنيا وشهواتها على الاخرة .. لم يتوقف ليدرك وقع كلماته القاسي علي وهو يلخصني في كوني معصيته وذنبه وخطيئته .. ويكررها كثيرا كثيرا جدا على أذني .. كثيرا جدا اكثر مما اتوقع منه .. ويكرر أنت لا شيء سوى جريمة، أنت لست أكثر من معصية، أنت لا شيء سوى خطيئة. كلامك معصية، وجهك ورؤيته معصية، وما تدفعه إلينا معصية، وما تأخذه منا معصية، والهواء الذي تتنفسه معصية. شعور عجيب عندما يختصرك الآخرون في معصية.

لم أناقش معه المسألة من الناحية الشرعية فمسألة التأمينات الاجتماعية وإن كان فيها من يقول بحرمتها فهناك من أهل بلدي الذين يقولون بجوازها ..

لم اناقش أننا من قبل اتفقنا على مبادئ عدة غير هذه المسألة ولم ينصفني فيها رغم أن الدين يعطيني الحق فيها، والدين إن كان – كما يزعم - يحرم التأمينات فهو أيضا يحرم التغرير والمماطلة في الحقوق في بقية المواضيع المتفق عليها والتي لا يشوبها حرمة، لم اناقشه في أني بفضل الله قد بلغت رشدي وأني قادر على التمييز وأني أحاول قدر جهدي أن اتق الله وأنه كان ينبغي عليه إن يكون صريحاً معي منذ البداية .. لم اناقش معه تمسكه بالدين في أبواب مصلحته وتجاهله لنفس الدين أيضاً من أجل مصلحته ذلك برغم أني لا اتهمه في دينه.

لم اقل له أنه ورغم وضع الشركة الغامض فالله يعلم أني أراعي ضميري وديني في هذا العمل واقدم ما استطيع وفاءا بهذا العهد الذي بيننا، لكن كل أشيائي التي اقدمها كانت لا تثمن وتهمل وتترك حبيسة الادراج دليلا على هوانها عند متلقيها.

كل ما فعلته هو اني احترمت اختياره وقدمت له بديلا يخرجنا من الأزمة .. ويرحمنا من النقاش .. قلت له إن كان هذا اختيارك فلا مانع عندي أن نترك هذه المسألة شريطة أن تستوفي بقية المسائل المعلقة ويتم اضافة المبلغ الذي كان سيصرف للتأمينات على رواتبنا ويكون في ذلك وفاءا بتعهداتك لنا واحتراما منا لاختياراك بحرمة التأمينات الاجتماعية.

لكنه طبعاً لم يوافق على البديل ... وبدون ابداء أي اسباب .. وخرجنا من المحادثة بخلاصة تتضمن فقط استيائه الشديد من تصرفاتي وأنه كان يتوقع مني تقديراً أفضل من ذلك للظروف وأن كل ما أفكر فيه هو مصلحتي الخاصة وطلباتي دون النظر لمصلحة الشركة وأني عصبي وحاد في تعاملاتي ويجب أن أعيد النظر في طريقة معاملاتي .. إلخ.

المعادلة تقول أن صاحب العمل إذا تراخى بهذا الشكل وأهمل وخالف باعترافه عهوده - حلالها قبل حرامها - مع موظفيه وتمادى في المماطلة والتسويف فإن ذلك معناه إما عدم جديته أو عدم احترامه وتقديره للعاملين معه، وهذا معناه أنه اكتشف خطأه في الاختيار ويتطلع لنموذج آخر غيرنا ولهذا تحول عن اتفاقه معنا فهذا وحده ما يزن المعادلة، ومن المؤكد أن هناك من هم أفضل مني واكفأ في مجال عملي ولكن هذا أبدا لا يعطيه الحق ألا يحترمني وألا يوفي التزامه معي ويجمد الوضع بهذا الشكل إلى أن يأتي بمن هو أفضل مني وأقل تطلباً .. كما أن إشارته المستمرة بأنه خدع كثيرا فأوصي بألا يثق في الناس هي بالنسبة لي إشارة بغيضة تحمل الكثير من الظلم إذ يزعم أن حذره المبالغ فيه في كل خطوة تتطور معها شركتنا الناشئة هو نتيجة ما أصابه مراراً من قبل نتيجة ثقته في الناس وكأني سأسرق أمواله من جيبه، وكأني مثل الآخرين، وكأني لابد لي أن أرضى بان يعاقبني على غفلته ويحملني جريرة خداع الآخرين له .. ويؤثر وصايا الناصحين له على ثقته المزعومة في.

المعادلة تقول أن الكلمات لابد أن يرافقها أفعال لا يمكن لكلمات الثقة والأخوة وحدها أن تقيم جسور الثقة والأخوة والمحبة، فلابد أن يرافقها أفعال وليس الفعل بديلا عن الكلام ولا العكس، وأنه لو أراد حقاً لهذا الشركة أن تقوم لكانت رغبته حافز لسرعة معالجة المواضيع المعلقة وأسباب المشاكل بيننا إظهارا للاهتمام، وعندها إن بقيت مسألة أو اثنتين لم يتم حلهما فلا بأس عندئذ لما استوفى جهده لانشاء الشركة وسأكون راضياً مرضياً عن سعيه لما أراه من فعله.

أما نظرية أن الموظف لا يعجبه العجب ومهما فعلت فلن يرضى فهي نظرية إداري فاشل إما معوق يعلق عجزه عن القيام بواجبه تجاه مرءوسيه على غيره، أو ظالم نرجسي لا يأبه ولا يشعر إلا بما تقدمه نفسه. لذلك تجده دائما يسوق لك أسبابه لرفض كل شيء تطلبه منه ما دام لم يخرج منه طواعية، وتقدم له البدائل التي تتجنب اسبابه للرفض لكنه يصر على الرفض، حتى إذا ما اتزنق رفض هذه المرة دون حتى ابداء اسباب، واحيانا يظهر عطفه الشديد بانه كان سيفعل طلبك من تلقاء نفسه لولا أنك يا مغفل فعلت كذا وكذا فتسببت بصنيعك الجهول في أن يحجم هو عن الاستجابة لطلبك .. وهكذا هو دائما لا يفعل ولديه المبرر لئلا يفعل.

الأم التي لا ترضي زوجها وتطالب ابناءها ببرها وتذكرهم بالدين تستغل الدين لمصلحتها، والصنايعي الذي يطالب بأجرته كاملة وأزيد ويذكر من استأجره بحق الله وهو لا يراعي الله في عمله يستغل الدين لمصلحته، وصاحب العمل الذي يطالب العاملين بتقوى الله في العمل بينما لا يعطيهم حقوقهم كاملة نظير جهدهم يستغل الدين لمصلحته .. والتورع الكاذب هو الذي يجعل كل أمر على هواك وفيه مصلحة لك هو أصل الدين وذروة سنامه ومخالفك فيه عاص جاهل وينسيك أن الله قد قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فالدين ليس مطية لأحد يحقق به راحته ومصلحته على حساب الآخرين، وأجدر بك وأكرم وأعز أن تصارح نفسك ومن حولك بحقيقة مصالحك وتدافع عنها إن تعارضت مع الاخرين من أن تجعل ورعك خنجرا تطعن به الآخرين.

1 comment:

Anonymous said...

كلام كبير
بس مفروض برضة
كنا عرفنا رأى صاحب الشركة
مش يمكن بحقيقى له أسبابه
خاصة وان دايما كل واحد
بيحكى القصة من وجهة نظره..بس ده ما يمنعش انناأكيد منحازون
جداأوى خالص ليك وموافقون علي كلامك
بس الله يخليك... ما تزعلش نفسك
:)