Sunday, July 31, 2011

تأملات مع دخول رمضان


كل عام وكل أمتنا بخير وسلمكم الله إلى رمضان وتسلمه منكم وأعانكم فيه على الصيام والقيام وسائر الطاعات.

يرتبط دخول شهر رمضان معنا بالفرح والسرور وخاصة لدينا هنا في مصر، فلرمضان مذاق خاص في شوارعنا وقد أزينت وانتشرت محلات الكنافة والفطايف وكثرت الزيارات بين العائلة الواحدة وبعضها وبينها وبين العائلات، كل ذلك يحمل معه البهجة والفرحة بشعيرة الله تبارك وتعالى.

وهذا الفرح بهدية الله تبارك وتعالى يكتمل بأن يرافقه عمل يناسب عظمة هذه الهدية وجلال هذه الشعيرة، وأول الأعمال التي تتبادر مع دخول شهر رمضان هي التأمل والتفكر، نصمت قليلاً ونتأمل، كفانا صخباً وصياحاً .. الكل يتكلم رغم أنهم يقولون أن الأغلبية صامتة، ولا أدري إن كان كل هذا الضجيج والأغلبية صامتة فماذا لو تكلمت هذه الأغلبية المزعومة التي لم أرها ليومنا هذا، فأنا لم أقابل إلا من يتكلم، ولا أخفيكم سرا فهذا الضجيج والصخب أمر جيد ومقبول عندي في هذه المرحلة فهو علامة الحياة وهو على كل حال أفضل من الموات الذي كنا فيه من قبل فالحمد لله على منته وفضله.

نتفكر ونتأمل كيف أن رمضان يأتي بعد تمام القمر لثمان لفات حول الأرض ومع بداية اللفة التاسعة يبدأ صيامنا، فنرى كيف أن عبادات المسلمين تتماشى مع حركة الكون فالصلوات الخمس تتزامن مواقيتها مع حركة الشمس والحج والصيام مع حركة القمر ولنا عند الخسوف أو الكسوف صلاة، ولنا عند امتناع المطر صلاة، وهكذا فإن عبادتنا تتكامل مع نظام الكون، الكون منظومة تعبد الله ونحن جزء من هذه المنظومة، فالله عز وجل يأمر الملائكة الموكلة بهذه المخلوقات والمخلوقات تنفذ أمر الله بالحركة وفق تقدير الله ونحن نمتثل لأمر الله بالعبادة، إنها منظومة تتكامل تروسها لينقل كل ترس الحركة للترس الذي يليه في آلية عمل عنوانها عبادة الله تبارك وتعالى، وإنه إن أراد ترساً في هذه المنظومة أن يتوقف أو يسير عكس اتجاه السير المقدر له فإنه ولا شك سيتحطم أو سيعاني، فإن سلم من هذا وذاك فإنه ولا شك سيكون نشاز في المنظومة مطرود من رحمة صاحبها.

في شهر رمضان نتفكر في قولتنا من قبل قدومه "اللهم بلغنا رمضان" فها أنا قد بلغت رمضان فماذا أنا فاعل ؟؟ هل أتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم ؟؟ وهل أدرك ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان ؟

كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعد لرمضان من الشهر الذي قبله، يستعد لرمضان من شهر شعبان الذي له خاصية مميزة جدا فهو الشهر الذي ترفع فيه الأعمال إلى الله تبارك وتعالى، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي، وأنا صائم.

كان حال النبي صلى الله عليه وسلم في شعبان كحال من تعرض أوراقه على جهة عليا ليتخذ فيها قرارا مصيرياً، كالطالب الذي ينتظر نتيجة التنسيق فهو يكثر من الطاعة والدعاء ليحظى بما يرجوه، أو كالموظف الذي يعرض أمره على لجنة تحقيقية فهو يدعو الله بالنجاة .. كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان وهو يستشعر أن أعماله تعرض على الله في نفس اللحظة. في شعبان من كل عام تعرض أوراقنا على الله تبارك وتعالى.

ثم ماذا بعد شعبان ؟ .. يأتي رمضان .. هل هذه مصادفة أن يأتي بعد شهر عرض الأعمال مباشرة شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، أم أن هذا لحكمة ورحمة من الله تبارك وتعالى.

هذه حكمة الله تبارك وتعالى أن يأتي ملحق تطبق فيه قوانين الرأفة بعد تصحيح الأوراق رحمة من الله ليدرك أكثرنا النجاة، يأتي شهر رمضان بعد شعبان لنزيد من الطاعات ونبالغ فيها لنعوض ما فاتنا عند عرض أعمالنا في نهاية العام المنصرم.

كان النبي صلى الله عليه وسلم قدوة لنا فما أن ينتهي شعبان ويدخل رمضان حتى يكثر من أعمال البر والخير، فيكثر من الصدقات وقراءة القرآن مع جبريل عليه السلام، فعن عبد الله بن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان جبريل عليه السلام يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن: فإذا لقيه جبريل عليه السلام، كان أجود بالخير من الريح المرسلة.

وكان صلى الله عليه وسلم يعتكف في رمضان وإذا دخل عليه العشر شد المئزر، فعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان.

وكان صلى الله عليه وسلم يقوم الليل بالحال التي وصفها لنا المغيرة بن شعبة رضي الله عنه لما قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه، فقيل له: غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال : أفلا أكون عبدا شكوراً.

هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم في ملحق الرحمة والمغفرة والعتق من النار وهكذا حاله في موسم الرأفة بعد شهر رفع الأعمال.

في رمضان نتذكر ونتأمل في دوران الزمان، كيف كان حالي من عام كامل في رمضان الماضي وكيف هو الآن ؟ هل زدت في الطاعة هل نقصت طاعتي؟ هل اقتربت من الله أكثر أم ابتعدت ؟ كيف حالي في ديني هل تعلمت من ديني المزيد ؟ لا تقارن أحوال الدنيا، فالدنيا إلى زوال .. ولكن قارن حالك مع الله الآن بحالك مع الله منذ عام.

اتأمل في أحوال إخواني من المسلمين .. أهلي وأصحابي وجيراني .. كم منهم كان معنا منذ عام وشهد معنا رمضان الماضي ثم هذا العام ليس معنا ؟ وكيف أن الله بنعمته وفضله مد لي في الأجل لاشهد موسماً آخر للخير في رمضان فأزيد فيه من التسبيح والتكبير والتهليل والصلاة والصيام فاتذكر ذلك واحمد الله وادع نفسي أن تغتنم هذا الشهر فقد لا أدرك ما بعده وقد يكون الأخير لي.

اتذكر واتأمل كيف كانت دولة الظلم في رمضان الماضي قائمة تمارس التنكيل والافساد في الأرض وكيف إن الله عز وجل في ايام معدودات زلزل عروشهم وأزال سلطانهم واتذكر أحوالنا البائسة وقتها وآمالنا العريضة في الغد الأفضل بإذن الله فافرح بأن لي ركن شديد قادر على التحويل والتبديل ندعوه فيستجب لنا.

No comments: