نسمات الرحمة تلك التي يرسلها الله تعالى إلى أرواحنا التي تعاني مع مصطفين من البشر هي التي تجعلنا نحتمل قسوة الحياة. يتردد في خاطري جملة المرأة العربية وهي تصف زوجها فتقول : " لا يولج الكف ليعلم البث " واتعجب منها حين تذكر مساوئ زوجها فلم تجد أسوأ من هذه الكلمات لتصف بها أنانيته الشديدة وانغلاقه على نفسه، فبعد أن يحصل كل الاهتمام منها لا يقوم بمبادلتها الاهتمام فيضع كفه على موضع ألم لديها حنواً واستفساراً عن شكوى ترغب هي في بثها إليه. نحن نعاني عندما نحتاج إلى رؤية مظاهر الاهتمام بنا من المقربين فلا نجدها، نعاني عندما نحتاج ولا نجد من يسأل عنا وعن أحوالنا ويستفسر عن مشاكلنا وآلامنا ويسدد لنا المشورة ويطمئن علينا ويصغي إلينا باهتمام، نعاني عندما لا نجد من يولج الكف داخل أعماقنا ليعلم بث نفوسنا. نحن ننفي عن أنفسنا شبهة التقصير مع من يعيشون في دوائرنا بمجموعة متلاحقة من الاسئلة الروتينية المتتالية، كيف حالك ؟ عامل إيه ؟ إيه أخبارك ؟ إيه أخبار شغلك ؟ إيه أخبار أسرتك ؟ وبعد تلقي الإجابات على منشور الأسئلة بجملة واحدة تحمل حمد الله والثناء عليه ودون التفات لحقيقة هذه الإجابات، نشعر بارتياح لأزاحة هذا الواجب الثقيل عن صدورنا، لنبدأ بعدها في سرد مواضيعنا ومشاكلنا وما نهتم له حقاً، الغريب أنه يوماً ما وعندك انهيارك تجدهم يأتونك ليسألوك في براءة: ما قلتش ليه ؟ ما حكتليش ليه ؟ مش سألتك عامل إيه ؟ كنت قلي يا أخي وبعدين أنت المفروض من نفسك تيجي وتقول لي .. هو احنا مش اخوات ؟ أو يقول مبرراً تجاهله لمعاناتك : أصل أنا حسيت إنك مش عايز تتكلم !!!. أفكار تتردد في نفسي حول حاجة الانسان لمن يسأله باهتمام صادق عن حاجته وعن آلامه دون إلحاح ولا اصطناع مكشوف، هل هذه الحاجة مرتبطة فقط بالنساء ؟ حدث مراراً أن سمعنا طلب المرأة من زوجها أن يولج الكف ليعلم البث، إلا أنه لم يؤثر أن طلب رجل من زوجته أو صديقه أن يسأله عما يضايقه، بل على العكس فالمشهور عن الرجل هو ميله لدخول كهف الرجل عند وجود المشاكل، لكن ماذا إذا طال أمد هذه المشاكل هل متوقع أن يظل الرجل في كهفه ؟ ألن يخرج متوقعاً وجود من يفتقده ومن يهتم لحاله ويسأله عن حاجته ؟ وإذا بقى في كهفه طويلاً أيعيبه أن يتوقع وجود من يطرق عليه أحد الباب ليقدم له ولو كوباً من الماءن ويفتقد هذا الطارق. لا أظن الحاجة لمن يسمع طلباً أنثوياً، فالحاصل أن الرجال والنساء يذهبون جميعهم إلى الطبيب النفسي ليسمع شكواهم. وحتى عندما يذهبون إليه يفاجئون بأنه مع كثرة المترددين عليه يقصر سماعه للمشاكل على دقائق معدودة بالمقدار الذي يطمئن فيه قلبه ويرضى ضميره عندما يكتب المهدئات المعتادة لمرضاه، دون أن يكلف نفسه كلفة سماع شكاوهم المملة. نعم شكوانا وآلامنا مملة لدى الآخرين ولا يصح أن يطلب المرء من الآخرين سماع آلامه، ولا أن يدفع لطبيب لكي يفضفض له عما يحيره ويعاني منه، طلب اهتمام الآخرين حماقة ونرجسية ومراهقة وطفولة متأخرة كمان، أنت مكون لا بأس به عند الآخرين، لكن لن يبلغ الاهتمام بك أبداً درجة الاهتمام بترابيزة السفرة التي نمسح عنها التراب ليل نهار لتحمل لنا أطباق الطعام، كن واقعياً فعلى المرء أن يكون رجلاً حمالاً يحتفظ بمعاناته لنفسه دون أن يزعج الاخرين بها ولا أن يبحث عن من يشاركه فيها حتى تأني نهايته يدخل قبره مع آلامه، وحتى لو دخل قبره سريعاً بسبب آلامه، عليه أن يكون رجلاً ويدخل في صمت. بينما أفكار الآسى على الذات هذه وغيرها تتردد تأتي نسمات الرحمة، رن التليفون في العاشرة صباحاً، لأجد المهندس عبد الرحمن يتصل بي، فاجأني بقوله : انا بس قلق عليك فقلت اطمئن عشان أنت امبارح جيت لي في المنام وقعدت معايا لصلاة الفجر وكان شكلك متضايق أوي وقعدت تفرجني صور لناس انا ما اعرفهمش وتشتكي لي منهم .. طيب هما زعلوك ؟ حد ضايقك ؟ احكي لي فضفض لأخوك ... الحمد لله يا باشمهندس، شكرا ليك .. كل حاجة تمام وأنا بخير، جزاك الله خيراً على السؤال. |
Wednesday, October 10, 2012
ليعلم البث
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment