لقد ظللت منذ حلت بي الكارثة الأخيرة أحيا حياة هادئة في الريف؛ فأصحو في مطلع الشمس وأسير إلى إحدى الغابات حيث أقضي بضع ساعات أراجع فيها عمل الأمس؛ ثم أمضي بعض الوقت مع قاطعي الأشجار وأجد لديهم على الدوام متاعب يفضون بها إلىَّ سواء أكانت متاعبهم هم أو متاعب جيرانهم. فإذا غادرت الغابة ذهبت إلى نبع ماء ثم إلى حظيرتي التي أصطاد منها الطيور، وتحت إبطي كتاب دانتي، أو بترارك أو أحد الشعراء الذين هم أقل منهما شأناً مثل تيبلس أوفيد. وأقرأ في هذه الكتب عن عواطفهم الغرامية وقصص حبهم، فتذكرني بتاريخ حبي أنا؛ ويمر الوقت وأنا مبتهج مسرور بهذه الأفكار. ثم آوى بعدئذ إلى الفندق القائم على جانب الطريق، وأتحدث إلى المارة، وأسألهم عن أخبار الأماكن التي أقبلوا منها، وأستمع منهم إلى ما يحدثونني عنه وهو كثير، وألاحظ مختلف الأذواق والأوهام المستكنة في عقول بني الإنسان. وأصل بهذا إلى ساعة الغذاء فأبتلع في صحبة من معي ما عسى أن أجده في هذا المكان الصغير من طعام غير ذي شأن يفى به ما ورثته عن أبوي من مال قليل. وأعود بعد الظهر إلى الفندق حيث أجد في العادة صاحبه، وقصاباً، وطحاناً، واثنين من صانعي الطوب، فأختلط مع هؤلاء الأقوام الغلاظ طول النهار ألعب معهم النرد وغيره، وتثور بيننا آلاف المنازعات، ونتبادل كثيراً من السباب، ونتشاحن على أتفه النقود حتى تسمع أصواتنا في بلدة سان كاستشيانو. ويؤدي انغماسي في هذا الانحطاط إلى ضعف قواي العقلية، فأصب غضبي على القدر وبلواه ... [من رسالة ميكافيللي لصديقه فيتوري] |
Tuesday, March 22, 2011
حالة
Monday, March 21, 2011
حدوتة
إذا بحثنا عن أمة فيما مضى تشابه في حالها حالنا الآن فلن نجد أمة أقرب إلى أحوالنا من أمة بني إسرائيل وقبل أن نفزع من المشابهة، وأنا أعلم أن نفوسنا تزدري كل ما يمت إلى بني إسرائيل بصلة ، إما لبغض عن استيعاب لما فعله بني إسرائيل من آثام استحالوا على إثرها من أمة مفضلة على العالمين كما قال تعالى ( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ) إلى أمة لعنت على ألسنة الأنبياء كما قال تعالى ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ) وقد يكون هذا الازدراء والتأفف من المشابهة إنما هو لشدة البغض للدولة القائمة الآن على أرض المسلمين اللاجئين والمشتتين، هذه الدولة التي تسمى باسم نبي الله يعقوب عليه السلام إسرائيل. واقصد عند ذكر المشابهة أن أحوالنا تشابه أحوال بني إسرائيل في المرحلة الأولى قبل الطرد من رحمة الله واستحقاق اللعن ذلك أنهم كانوا مسلمين مؤمنين موحدين عابدين لله لكن وفي نفس الوقت مهيسين، ضاربنها صرمة مبدأهم في الحياة : "مشي حالك" و " أكل العيش مر" و "عندنا عيال عايزين نربيهم" ، و" الدين حلو ومفيش أحسن من شرع ربنا بس إييييه مين بقا اللي يفهم ويطبق" و "أنا عبد المأمور" .. إلخ بني اسرائيل كانوا في مصر يعانون الأمرين مع نظام دولة ديكتاتوري عنصري يستضعفهم ويذيقهم ألوان الذل والهوان ويستخدمهم في أحقر المهن ويفرق بينهم بجهاز أمن الدولة الفرعوني يزرع الفتنة الطائفية بين الفئات الفرعونية .. بل وفي الطائفة نفسها تجده يزرع النزاع، فجماعة الأخوان الفرعونيون تهاجم الدعوة الفرعونية وكلاهما يهاجم التيار الفرعوني القومي الذي بدوره يهاجم التيار الفروعني الليبرالي والذي يهاجم .... لا أدري يهاجم أي حد طبقا لمخططات فرعونية ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ) وليت الأمر وقف عند الاضهاد في الحريات وفي الوظائف والتفرقة بل امتد للاضهاد الديني وحريتهم في عبادة الله فادعى فرعون الألوهية ومن ذا الذي يجرؤ أن يخرج على حكم فرعون ولي الأمر .. رأوا المنكر بأعينهم وما استطاعوا أن يفتحوا أفواههم والأسوأ من ذلك أنهم استمروا في حياتهم وكأنهم شيئا لا يحدث. وتعجب لما تسمعهم يتحدثون فيقول قائلهم : "ما هو فرعون ظالم من أعمالنا" .. "اصل إحنا وحشين من جوا ووحشين مع بعض" .. وزاد فرعون في طغيانه حتى اضهد حريتهم الدينية وعبادتهم لله فمن عبد الله اعتقله زبانية فرعون واضطروا إلى أن يصلوا سراً في بيوتهم خوفاً من بطش فرعون ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) وهي حال الفراعنة مع من يعبد الله حتى لو كان أمر عبادته في خاصة نفسه كإطلاق لحية أو انتقاب وفي ظل هذه الظروف الصعبة والحياة البائسة التي ارتضاها بني اسرائيل لأنفسهم كان من العسير أن يؤمر بني اسرائيل بأي أمر أو أن يكونوا أئمة للهدى كيف ينشروا دين الله عز وجل في البلاد فرسالة الأمة المفضلة على العالمين هي نشر دين الله .. كيف يقيموا شرع الله في الأرض وهذا الجبار العنيد موجود .. كيف تأتي إليهم الأوامر الشرعية وهم في كل موقف سيتهربون بكلمات مثل إنا عاجزون .. إنا مقهورون .. إنا خائفون عندئذ كانت المشيئة الإلهية بزوال فرعون .. وإن كان المجهود البشري موجود إلا أنه لا يمكن لهذا المجهود البشري وأضعافه بقوانين الطبيعة وتكافؤ القوى لا يمكن وحده أن يزيل فرعون وملأه وجيوشه إن من أزال فرعون هو الله عز وجل، كانت رحمته وأمره ليعود بني إسرائيل أئمة في الأرض ويمارسوا الدعوة التي كلفوا بها من الله بصفتهم الأمة الموحدة ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ) وأبداً لم يكن زوال فرعون هدفاً في ذاته وإنما كان الهدف هو تغيير نفوس الأمة الموحدة لتقوم بدورها في نشر دين الله من الذل إلى العزة لكي يقوم بأعباء المهمة التي اختارهم الله لأجلها وهي نشر دين الله .. فلما كان الفرعون عائقاً ولما عجزت الأمة عن إزاحته .. أزاحه الله رحمة منه وفضل على العباد المؤمنين لكي يواصلوا المسير نحو تعبيد الناس لله. فإن فعلوا فالخير لهم وإلا فقد أقاموا الحجة على أنفسهم ليزيحهم الله عز وجل ويفسح الطريق ويُوَكّل بالدعوة قوم آخرين وظهر العامل البشري في خروج موسى وهارون من وسط قوم بني إسرائيل، رجال بكل ما تحمله الكلمة من معنى .. خرجوا للمواجهات جميعها لم يقفوا عند من معنا ومن ليس معنا من بني إسرائيل وهل سيخرجون من بيوتهم لنصرتنا أم لا ولم يذكر لنا القرآن أي موقف لموسى وهارون أمام فرعون وجدا فيه مساندة من بني إسرائيل ولم يؤمن مع موسى إلا شباب من قومه قليل ( إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ) لم يطلب منهم موسى أن يواجهوا معه فرعون ولم يكلفهم بما لا يطيقون فهو يدرك طبيعة نفوسهم التي تقاتل من أجل لقمة العيش ولا تقاتل من أجل كرامة العيش، وتهفو لبلوغ الكمال في مظاهر الدنيا ولا تكاد تجاوز الحدود الدنيا التي يرتضيها الرب عز وجل من عباده في الدين .. ولكن قوم موسى وبدلا من أن ينصروا نبيهم عليه السلام آذوه واتهموه بما ليس فيه فيالهذه النفوس التي لا يسلم طبيبها الذي يداوي جرحها من آذاها بينما هي تخضع الخضوع كله لجلاديها .. يتهمون موسى وهو الذي بإرادة الله عز وجل سيخرجهم مما هم فيه من الذل والهوان .. يسيئون إليه وهو الذي ابتعثه الله عز وجل لخيرهم ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ) كل ما طلبه منهم موسى هو أن يصبروا ويتحملوا معه المرحلة الفاصلة لكنهم لم يصبروا وسعوا في مطالبهم الدنيوية (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) .. هل هي مطالب فئوية أم مطالب دنيوية أم هي مطالب لنفسية تشتهي لذات الدنيا وتدفع في سبيلها عزتها ودينها .. أرادوا الماء فاستسقى لهم موسى وأرادوا الطعام فذاقوا من المن والسلوى ومن الفوم والبصل والقثاء .. تحققت لهم مطالبهم الضئيلة فالتفتوا يا بشر إلى العزة والحرية وفروا إلى الله. الان شعرتم بالحرمان وكنت قد ارتضيتم بكل الوان الذل من قبل .. هل تظنون أن الله عز وجل أسقط النظام لكي يزيد هذا خمسون جنيها وذاك مائة وان الله أقصى فرعون لكي تأكلوا الفوم والبصل .. وتمادى بني إسرائيل في الدنو بطباعهم حتى عقدوا المقارنة بين أحوالهم الدنيوية قبل وبعد زوال الطاغية قبل وبعد الثورة على الطغيان فلم تكد أعينهم ترى فرقاً يذكر .. وكأني أراهم على أريكتهم التي لم يغادروها طوال وقفات موسى وهارون والسحرة المؤمنين في مواجهة فرعون وملإه وجنده .. كأني أراهم يصيحوا في موسى وهارون : "عاجبك اللي حصل لنا بسببك دا ؟؟" "ما هو كنا عايشين ومرتاحين" .. "إنت كده بتضرنا وبتأذي البلد وبتنشر الفوضى والخراب" .. "إن كان فرعون ضر البلد فأنت كمان كده حتضر البلد" ( قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ) ولأنهم كانوا بنفوسهم تلك ليسوا محور التدافع مع فرعون .. بل كان التدافع مع فرعون إرادة إلهية لذلك فقد تم ما أراده الله وقضي على فرعون. كان الانتصار الكبير على فرعون يتطلب منهم أن ينتبهوا إلى زوال حجة الاستضعاف كعائق للبعد عن دين الله لكنهم كانوا أبعد من أن يستوعبوا ذلك فما أن جاوزوا البحر وما تجازوا رغبات نفوسهم الضيقة ( فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) رأو الناس من حولهم يخضعون لأصنام مثل أصنام الديمقراطية والعلمانية والمدنية والقومية والحرية والمواطنة أصنام لا يمكن المساس به ولا الطعن فيه ولا العيب عليها .. من اقترب من أحدها أكلته كهنة الأصنام وحقا إن فعلوا فهم يجهلون الغاية التي من أجلها أنعم الله عليهم بزوال فرعون .. فمجرد زوال فرعون وإن كان فيما مضى لبعضكم أقصى آمانيه إلا أنه في الحقيقة وسيلة لتحقيق الغاية الأكبر وهي وراثة المؤمنين للأرض لينشروا دين الله وأنتم بعد أن نجاكم الله من فرعون وأهلك عدوكم تبحثون عن أصنام من دون الله لذلك قال لهم موسى ( أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ) أبلغ بهم العمى أنهم لم يروا الله بعد هذا الصنيع العظيم بزوال فرعون وطغيانه ويلتفتوا إلى غير الله رغم أن أقدامهم لاتزال مبتلة بأثر عبور البحر الذي غرق فيه فرعون وجنده .. أبلغ بهم العمى أن هذه المعجزة المادية بسقوط النظام الفرعوني لا تكفيهم للإيمان بقدرة الله عز وجل فقالوا ( يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً ) .. أبلغ بهم العمى أن يستبدلوا شرع الله عز وجل بالذي هو أدني ( عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ) إن هذه النفوس التي امتلأت بكل هذه الأمراض
لا يتوفر فيها الحد الأدني من الجدية التي تليق بحملة هذا الدين فبرغم معجزات الله عز وجل ومدده لهم بالأنبياء والرسل والنصر على الأعداء لم يقوموا بما يثبتوا به أحقيتهم بلقم الأمة المفضلة على العاليمن .. لذا كان لا بد لهم من اختبار جدية، يكون بمثابة إقامة الحجة الأخيرة عليهم .. وكان هو اختبار دخول الأرض المقدسة فإن هم نجحوا في هذا الاختبار استمروا في أفضليتهم على باقي البشر وورثوا الأرض .. وإن هم آساءوا ( فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) وجاء الاختبار ليكون هو آخر ما يذكر به هذا الجيل في تاريخ البشرية ( يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ) إن العاقل إذا مر أمامه الموقف اتخذه عبرة فيما بعده وإذا فاته خير لحق بالخير الذي يليه، وإن كان منهم رشيد سيعلم أنهم لكونهم تخلفوا عن الجهر بالحق والاعتصام بالله على باب الطاغوت فعليهم الآن أن يعوضوا ما فاتهم بالامتثال لأمر القدير الذي نصر الفئة القليلة بمجهودها الضعيف على الظلم فقضى عليه، لكن الأجابة وكالعادة كانت ( فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ) وقد حق ظن السوء فيهم فبعد كل هذا لازالوا على قولتهم : "مالناش دعوة".. "روح أنت وربك" .. "إحنا قاعدين" بعد كل هذه الرحلة الطويلة والمعاناة في التربية لازال " ربك " وليس " ربنا " .. و" دينك " وليس " ديننا " كانت الفرصة الأخيرة ليعودوا إلى خط الحياة لكنهم لم يستفيدوا منها فخرجوا من التاريخ إلى التيه والصحراء ليقضوا فيها ما تبقى من سنوات أعمارهم التي لم يحسنوا استغلالها في خط الرفعة الذي أراده الله تعالى لهم .. يقضي صالحيهم وطالحيهم هذه السنين قاعدين على هامش التاريخ لا يذكر عنهم إلا وصفهم القرآني بالقوم الفاسقين في تيه الصحراء .. حتى إذا ما قضوا وجاء من بعدهم قوم آخرين نشأوا في التيه وفطنوا لحقيقة الاستخلاف ومعاني العبودية والانقياد وأهداف الرسالة فأزالوا من نفوسهم أسباب القعود وتطلعوا إلى منهج الله والحياة التي يرتضيها الله لهم بعدما راوا بأعينهم ما جلبته صنيعة آبائهم من حياة .. فلما حققوا هذا وغيروا نفوسهم .. غير الله عز وجل نواميس الكون كله من أجلهم حتى أن الشمس نفسها وقفت تنتظرهم وحبست من أجلهم حتى يدخلوا الأرض المقدسة. فإن كنت أقول نشبه بني إسرائيل في أول أمرهم فإني أدعوا الله أن نعتبر بمآلهم فلا تكون آخر أمرنا كآخر أمرهم. |
Saturday, March 19, 2011
Tuesday, March 15, 2011
ما بعد الزوال
أحمد مطر |
Subscribe to:
Posts (Atom)