بعد التحرر من نظام فرعون كان لابد من إيجاد نظام بديل يدير شئون الناس، وكان في الأمة في ذلك الوقت اتجاهين: الاتجاه الأول ويقوده الرسول والنبي ومن معهما من المسلمين يبحثون عن منهج ونظام إلهي متمثل في كتاب من الله يجتمعون عليه ويديرون به دنياهم، وهذا الاتجاه تبنى اختياره لسببين إحداهما عام والاخر خاص بهم ... فأما السبب العام فينبع من مفهومهم وتصورهم عن الله خالقهم، وانه مادام خلقهم فإن له حق الأمر عليهم { أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ }، وأنه هو الحكيم العليم بأحوالهم وما يصلح لهم وهو القدوس المنزه عن كل ظلم في حكمه بين العباد وأنه هو الرحمن الرحيم بهم فيما يضع لهم من مبادئ وما يشرع له من قوانين. وأما السبب الخاص فهو أن الله تعالى هو الذي نصرهم على فرعون المهزوم وعصابته في حدث اتفق الجميع أن قوتهم بدون المدد الإلهي لا تستطيع إنجاز ما تحقق، ومن هنا راوا أنه مادام الله هو الذي نصرهم فلابد أن يخضعوا لسلطانه اعترافاً بفضله عليهم. وبناء على هذين السببين وبوحي من الله توجه موسى قائد هذا الفريق وأسرع إلى ربه ليرضى ويأخذ منه الكتاب بقوة ليكون نظاماً يقود الأمة في المرحلة الجديدة. في نفس الوقت كان هناك اتجاه ثان يقوده السامري وهو رجل يدعي رغبته في إيجاد النظام الملائم، يرتدي ملابسهم ويتحدث بلسانهم، لكنه قدم لهم نظاماً مختلفاً تماماً في أسبابه عن أسباب الاتجاه الأول وهو نظام مستخلص من مخلفات زينة القوم ( لا ننسى هنا أن القوم المأخوذ من زينتهم هم اتباع فرعون وسبب التضييق عليهم قبل التحرر ) .. استغل السامري تعلق المسلمين بمظاهر الزينة الخداعة البراقة التي شاهدوها مع القوم فصنع لهم من هذا المتعلقات عجلاً جسداً له خوار كما يذكرون { حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ * فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ } ولولا هذا الإعجاب الذي قدمه الناس للسامري والتطلع للآخر وما في يديه من زينة الدنيا لما استطاع هو أن يقودهم للهاوية. والعجب في اتجاه السامري أنهم قدموا نظامهم الجديد المتمثل في عجلهم المصنوع من فضلات البشر الزائلة على أنه موافق ومطابق لشريعة الرسول { فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى } وتفسير وجود هذا الاتجاه وأسبابه كما يشرح السامري نفسه يرتكز على ثلاث ركائز أجملها السامري في قوله {بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي}: أول هذه الأسباب لما قال { بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ } فالسامري يرى نفسه أنه أكثر بصيرة وأعمق فكراً من هؤلاء المسلمين وأقدر على الاستيعاب لمتغيرات الحوادث وأحسن استجابة لمعطيات الأمور، ولإنه أحاط بما لم يحيطوا به علماً، وبلغ من النضج والرؤية الثاقبة ما لم يبلغه غيره منهم. ثاني الأسباب أنه لما قال {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ } .. رأي السامري أن يمكن تتبع آثار مخلوق مثله دون آثار رحمت الخالق فيحصل له الانتفاع بهذا التتبع للمخلوق، ويأخذ شيئاً مما تخلف عن هذا المخلوق فيجلب خير لنفسه وربما لقومه .. وثالث الأسباب لما قال { وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } وهذه صراحة يحسد عليها، فقد اختصر الموضوع أن نظامه الجديد قائمة على ميله الشخصي وهوى نفسه وأطماعها. وبنظام الأغلبية فرض الاتجاه الثاني أمرا واقعاً على الاتجاه الأول لم تستطع معه نداءات هارون والمؤمنين تغييره وردهم إلى صوابهم إلى أن رجع الرسول { إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي }. |
Thursday, June 02, 2011
وأضلهم السامري
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment