من أسوأ ما اكتسبته كمصري من تريبة نظام مبارك المذلة هو الخوف من الحرب وتمجيد أي سلام، وكأن الحرب وحدها هي كل العار الذي يجب أن نفر منه حتى ولو كانت من أجل قضية نؤمن بها، تربية تجعل من الرجال نعاج "تمشي جنب الحيط" و"تبعد عن الشر وتغنيله كمان" مهما كان عدالة القضية إبثاراً للسلامة، وأصبحت العيون تدور كالذي يغشى عليه من الموت كلما جاء ذكر القتال أو علا احتمال الحرب. اختفت من مناهجنا { كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم } وعلت مكانها { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } رغم أنها نزلت في قوم أرادوا ترك الإنفاق في مصرف الجهاد في سبيل الله. وركنا إلى أننا لم نستعد بعد وأن الله تعالى يقول { وأعدوا لهم } فطال انتظار كمال الاستعداد رغم أن بقية الآية تقول { ما استطعتم } ولم تكلفنا باكثر من حد الاستطاعة. مصمصنا الشفاة ونحن نستمع لصورة "خيالية مثالية هلامية غامضة" تحكي لنا كيف أن صلاح الدين كان يمر على جيشه ليلاً يرى ما يصنع جنوده فلما تبين له أن الجيش ( بأكمله ) يقوم الليل انطلق بالجيش نحو حطين وبيت المقدس، فتحولت قصة الجهاد إلى حجر عثرة وجعلت شرطاً يساق إليك كلما قلت بحتمية الحرب ليثبت من خلالها مخذلك أننا لم نستعد بعد للحرب. وتناسينا كيف أن جيش طالوت لم يكن أحسن حالاً منا الآن لما طلبوا الحرب ثم تولوا بعد أن كتب عليهم الفتال وشربوا من النهر أكثر من الشربة المسموح بها وقالوا لما فصل طالوت بهم { لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده } ورغم كل هذا الضياع كان النصر حليفاً للفئة الصابرة الثابتة منهم وإن كانت قليلة في وسط الكثير الغثاء، وعلت الأمة كلها وسادت وتمكنت { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين }. أزال نظام الفساد من أذهاننا روعة وجمال مقتلنا في سبيل ما نؤمن به ورسخ في عقولنا قبيح أفكار تدعو لنبذ الحرب لأنها تجلب الدمار، رغم أن الحروب هي التي تصنع تقدم الأمم وتجعلها دائما في حالة من السعي والاجتهاد من أجل الظهور على عدوها، وعدونا الصهيوني يستمد قوته من صناعة العداوة مع جيرانه، ونحن الجيران نستمد الغباوة بتلقينا الصفعات وقولنا المسامح كريم. وما المانع الذي يحول بيننا وبين أن نقاتل ونحارب من أجل الله وطمعا في فضل الله في نفس الوقت ؟؟!! كان ولا يزال أكثر ما يفتخر به مبارك وابناؤه أنه "عيّشنا" في سلام، رغم أننا لم نكن نتخطف من الأرض قبله، ولم يمت آباؤنا جوعاً. ثم أصلاً ولما الخوف من الحرب إذا كنا رضينا ابتداءاً بالموت تحت ظل حكمه الرشيد، هل يعقل أن نقبل بالموت شريطة أن يكون في العبارات أو غرقي ونحن نهرب إلى إوربا أو محروقين في القطارات أو قتلى على الطرق بينما نرفض نفس الموت إن كان في سبيل الله والوطن وقضية نؤمن بها. هل هذا هو السلام الذي نتغنى به : أن نموت بلا كرامة ؟؟؟ هل السلام الذي جلبه لنا النظام الفاسد المهين أن يبعث أبناء الجيش المصري ليقاتلوا نيابة عن الأمريكان في حرب تحرير الكويت ويكونوا في الصفوف الأولى يتلقوا الرصاص في سبيل شركات البترول الغربية ومكاسب تحطيم دولة العراق. أم أن السلام الذي جلبه لنا هو أن يبعث كوكبة من مهندسي الجيش المصري لتتحطم طائرتهم في ظروف غامضة .. ويموتوا أيضا .. هل هذا الموت الذي ارتضاه "أبونا" مبارك لجيشنا عوضا عن الموت في الحرب ؟؟ أهذا هو السلام الذي يدافعون عنه .. سلام الضعفاء وقتلى الطرق والمخنثين كما وصف ميكافيللي الفرس قديماً لما تركوا سلاحهم وركنوا إلى سلام مزعوم فقال عنهم: "هؤلاء حولهم السلام الطويل إلى أنصاف رجال مخنثين". وبالمناسبة يقول ميكافيللي رجل السياسة الخبير الذي نصح فأخلص النصيحة السياسية لأميره لكي ينهض بأمته: " أن الأمة التي تفقد الفضائل العسكرية أمة هالكة لا محالة. والجيش لا يحتاج إلى الذهب بل إلى الرجال؛ لأن الذهب وحده لا يأتي بالجند الصالحين على الدوام، ولكن الجند الصالحين يأتون بالذهب، والذهب ينساب إلى خزائن الأمة القوية، ولكن القوة تفارق الأمة الغنية لأن الثراء يعمل على الراحة والاضمحلال؛ ولهذا يجب أن يظل الجيش مشغولاً على الدوام، فحرب صغيرة تشب من حين إلى حين تبقى العضلات العسكرية صالحة والجهاز الحربي صالحاً متأهباً." هذه هي السياسة التي تمارسها أمريكا لتبقى على قوتها، فما من فترة زمنية في المائة عام الأخيرة بقى الجيش الأمريكي فيها ساكناً بلا حرب يدعو إلى السلام، ولم يضع عدونا الصهويني سلاحه طوال هذه المدة التي بقينا نحن نغني "اخترناك" لصوت الحكمة في المنطقة، فما أن كتب عدونا معنا سلام مزعوماً حتى تفرغ لحرب هنا ضد لبنان ثم حرب هناك ضد العزل من أبناء فلسطين وأخرى ضد حزب الله وأخيرة ضد غزة وحماس. إذن مرحباً بالحرب، فليست كل الحروب شر وليس كل السلام خير، وأن نموت في حرب فتحيا أمة ويخلد التاريخ سيرتنا وننال نصراً أو شهادة خير لنا من أن نموت على فراشنا في سلام مذل ومهين فرضه علينا عدونا فرضاً بينما هو يتسلى بين الحين والآخر بقتل أبناءنا على الحدود، أو يلعنّا من يأتي بعدنا وهو يقرأ عنا خبراً في التاريخ لا يتجاوز السطر الواحد : "قتل في مثل هذا اليوم 1400 مصري غرقى أو محروقين". |
Saturday, September 10, 2011
الحرب
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment