Thursday, October 20, 2011

اتكلم .. اسمع .. اسكت


هما كلمتين ورد غطاهم، غير ذلك اسميه الحوار الشجري - من الشجر أو الشجار تنفع من الاتنين - ، حيث يعرض فيها أحد الطرفين وجهة نظر في موضوع ما، فيعيب عليه الطرف الآخر وجهة نظره من ناحيتين ناحية أولى وناحية ثانية، فيرد عليه الطرف الأول أن بالنسبة للناحية الأولى فليست كما يظن للأسباب ( أ ) و ( ب )، أما ما قصدته من الناحية الثانية فهو ( ج ) و ( د )، فعندها يرد الطرف الآخر بأن السبب ( أ ) واهي لأنه مبني على واحد واتنين وتلاتة ، والسبب ( ب ) .... ، فيقاطعه الطرف الأول: انا أرفض اتنين هذه لأني بينتها من قبل لك في ردي على الناحية الثانية لما تكلمت على ( ج ) ، فيرد الطرف الآخر .....

في مسند الإمام احمد، عن عبد الرحمن بن أبزى قال: كنا عند عمر فأتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين إنا نمكث الشهر والشهرين لا نجد الماء.
فقال عمر: أما أنا فلم أكن لأصلي حتى أجد الماء.
فقال عمار: يا أمير المؤمنين تذكر حيث كنا بمكان كذا ونحن نرعى الإبل فتعلم أنا أجنبنا.
قال: نعم.
قال: فإني تمرغت في التراب فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته فضحك وقال: كان الصعيد الطيب كافيك وضرب بكفيه الأرض ثم نفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وبعض ذراعيه.
قال: اتق الله يا عمار
قال: يا أمير المؤمنين إن شئت لم أذكره ما عشت أو ما حييت.
قال: كلا والله ولكن نوليك من ذلك ما توليت.


ليس أمراً حتمياً أن يستمر الحوار إلى أن يقتنع أحد أطراف الحوار بوجهة نظر الطرف الآخر، وأنا يتفقا في النهاية، فلا اتفاقهما في أمر ما يجعلهما أحبة، ولا اختلافهما بالضرورة يجعلهما أعداء. ويكفيك في الحوار أن تعرض وجهة نظرك وتتكلم، ويعرض الطرف الآخر وجهة نظره وتستمع، ثم ينتهي الحوار عند هذا الحد، وفي أسوأ الأحوال إذا لزم الأمر يمكن إضافة جولة أخرى على أن لا يزيد الأمر أبداً عن هذا الحد.

في البداية والنهاية، قال ابن أبي الدنيا: حدثني محمد بن قدامة الجوهري، حدثني عبد العزيز بن يحيى، عن شيخ له قال: لما قدم عمر بن الخطاب الشام تلقاه معاوية في موكب عظيم، فلما دنا من عمر قال له: أنت صاحب الموكب ؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين.
قال: هذا حالك مع ما بلغني من طول وقوف ذوي الحاجات ببابك ؟ قال: هو ما بلغك من ذلك.
قال: ولم تفعل هذا ؟ لقد هممت أن آمرك بالمشي حافيا إلى بلاد الحجاز.
قال: يا أمير المؤمنين إنا بأرض جواسيس العدو فيها كثيرة، فيجب أن نظهر من عز السلطان ما يكون فيه عز للاسلام وأهله ويرهبهم به، فإن أمرتني فعلت، وإن نهيتني انتهيت.
فقال له عمر: يا معاوية ما سألتك عن شئ إلا تركتني في مثل رواجب الضرس، لئن كان ما قلت حقا إنه لرأي أريت، ولئن كان باطلا إنه لخديعة أديت.
قال: فمرني يا أمير المؤمنين بما شئت.
قال: لا آمرك ولا أنهاك.
فقال رجل: يا أمير المؤمنين ما أحسن ما صدر الفتى عما أوردته فيه ؟ !
فقال عمر: لحسن موارده ومصادره جشمناه ما جشمناه.


كثرة الجدال وطوله يضيع المعنى ويعيق وصول الحقائق للآخرين، لتعدد المواضيع والنقاط المتفرعة وارتفاع احتمال الوقوع في الخطأ والزلل، وما يسببه من ضيق في الصدر وما يتبع ذلك من ربط اللسان، لذلك خشى موسى إذا جادل فرعون وملأه أن يضيق صدره فلا ينطلق لسانه، وأسوأ المحاورين من ينطلق لسانه وصدره ضيق.

في مجمع الزوائد للهيثمي، عن خوات بن جبير قال: نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران، قال فخرجت من خبائي فإذا نسوة يتحدثن فأعجبني فرجعت فاستخرجت عيبتي فاستخرجت منها حلة فلبستها وجئت فجلست معهن فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبا عبد الله.
فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم هبته واختلطت.
قلت: يا رسول الله جمل لي شرد وأنا أبتغي له قيدا.
فمضى واتبعته فألقى إلي رداءه ودخل الأراك كأني أنظر إلى بياض متنه في خضرة الأراك فقضى حاجته وتوضأ وأقبل والماء يسيل من لحيته على صدره فقال: أبا عبد الله ما فعل شراد جملك ؟
ثم ارتحلنا فجعل لا يلحقني في المسير إلا قال: السلام عليك أبا عبد الله ما فعل شراد ذلك الجمل ؟
فلما رأيت ذلك تعجلت إلى المدينة واجتنبت المسجد ومجالسة النبي صلى الله عليه وسلم فلما طال ذلك تحينت ساعة خلوة المسجد فخرجت إلى المسجد وقمت أصلي وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعض حجره فجاء فصلى ركعتين خفيفتين وطولت رجاء أن يذهب ويدعني فقال: طول أبا عبد الله ما شئت أن تطول فلست قائما حتى تنصرف فقلت في نفسي والله لأعتذرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبرئن صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما انصرفت قال: السلام عليك أبا عبد الله ما فعل شراد جملك.
فقلت: والذي بعثك بالحق ما شرد ذلك الجمل منذ أسلمت.
فقال: رحمك الله ثلاثا ثم لم يعد لشيء مما كان.


ما تقوله أنت يرفع عن الآخر جهالة الأمر ويرفع عنك أثم ترك النصح والتبيان، وما يقوله الآخر يرفع إلى الله، وسيرى الله عمله ورسوله ثم يرد إلى عالم الغيب والشهادة فينبئه بما كان يعمل، وليس لك من الأمر شيء، وما عليك إلا البلاغ الواضح، فوكل السرائر إلى الله، ولا يضرك أن تكون أول الساكتين.

2 comments:

بني آدم said...

انا حضرت العرض الخاص بتاع التدوينة دي :)

ma 3lina said...

بني آدم
أي خدمة
:)