برغم إنها ليست عادة عندي ولا اهتم أبدا بالكتابة في آخر سنة وبداية سنة جدبدة إلا إن أشعر أني أريد أن أدون كلمتين في نهاية هذه السنة العجيبة 2011، اللي حملت في أول ساعتها اتفجار، وتبعه سلسلة من الانفجارات الكثيرة المتتابعة، بدأت السنة بانفجار كنيسة القديسين ليسود بعدها جو من الهطل العام الشعبي والعبط الخاص الرسمي، كماين شرطة وسفالة واعتداء في كل مكان، حكومة تبتهل لرب النصارى أن يغفر لها وكأنها تعترف بالذنب، تلفزيون تنصر فجأة وطاف بكعبة العباسية يسأل الصفح والعفو وكأنه يقر بالخطيئة بينما يستقبل في نفس الوقت الفنانين النصارى يبكون ويولولون وهم يبثون سموم الحقد والكراهية بين الدموع والبكاء. رأيت في الشوارع الوجوه عابسة تتكلم في صمت تنفي التهمة عن نفسها دون أن يتهمها أحد، وصدقاً وليس مجازاً رأيت البحر لأول مرة في حياتي أسود، وما انتبهت لهذا اللون العجيب إلا عندما نبهني إليه سائق التاكسي إلى جواري، حذر وترقب لآت غير مفهوم وهم يرون رؤساء الدولة يروون بذور الطائفية بأنفسهم وهم يذهبون حفاة عراة زاحفين يقدمون التعازي ليس لرئيس الدولة في مصاب أمة، ولكن لرأس طائفة دينية فيها. وبينما نشاهد هذا المشهد الهزلي تزداد الحياة سواداً، فنتيجة لاعتداءات أمن الدولة في محاولاتها العشوائية للبحث عن كبش فداء لحادث الكنيسة قتل على أيديهم الملوثة الشاب السلفي سيد بلال، قتله زبانية أمن الدولة وألقوا به في أحدى المستشفيات وهددوا أسرته وشيخ السلفيين أما ان يدفنوه في صمت أو يشردوا بهم كل مشرد، فما كان منهم إلا أن دفنوه وهو صاغرون. لتكتمل لوحة السواد للمسلمين والمسيحين، الألم من حزنهم على قتلاهم في الكنيسة وفاجعتهم في بلادهم التي أصبحت "مفتوحة على البحري" لكل عابث بأمنها وحياة الناس فيها، وزاد الطينة بلة اتهام النظام القاتل السفاح للشعب البريء بالجريمة وتعامل هذا النظام الغبي بالقتل معه تنكيلاً بلا حق ولا رحمة. خرج الشيخ السلفي منكسراً حزينا يلتمس من تلامذته وطلبة العلم الذين لطالما رفعوه على أعناقهم ألا يقسو عليه وألا يحملوه فوق ما يستطيع تحمله وألا يغلظوا له في القول لظنهم تخاذله عن نصرة المسلم المقتول. سألهم الرحمة والعفو عن شيخ كل ما يرجوه هو ألا تهدم شعائر الله في الأرض وأن تستمر هذه الشعائر إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولاً، إذ إنه حتى هذه الشعائر قد أصبحت مهددة ومعرضة للاعتقال من قبل النظام الغاشم. كانت الدنيا فعلاً سوداء والظلام يلف مصر وليل لا ينقضي زاد من برودة شتاء لا روح ولا حياة فيه. لكن صدق الله الذي يقول إن مع العسر يسرا، فمن بين هذا الظلام خرجت شرارة النور من بعيد، وكانت الإجابة تونس، انتبه الناس من حزنهم وشغلهم على الخبر الصاعقة : تحت الضغط الشعبي الرئيس التونسي يفر من تونس. لترتفع الهامات التي كادت أن تدفن من طول ما طأطأت ووتتعلق الأبصار بأمل قد يأتي، يسعى إليه شباب ثائر يرى أن ما حدث في تونس يمكن - أو لابد - أن يحدث مثله في مصر، يتفقوا على موعد معلن لجميع الناس الذين شاهدوهم وهم منقسمون ما بين غير مصدق تلجمه المفاجأة أو ساخر أو معارض أو متخوف، الجميع يتمنى لكن البعض بدأ والباقي دعا وترقب. خرج من خرج في اليوم الأول ليتلقوا الضرب والتنكيل ويتجرعوا ألوان البطش على مرأى ومسمع من الجميع، ليخسروا أول جولة وتسحق أجسادهم وهو يستغيثون بإخوانهم .. ولم تكن صرخاتهم دون جدوى فبها انتفض الباقي المتفرج وأبوا أن يفقدوا أملهم وينتصر الظلم مرة أخرى فقرروا النزول، وبعد ثلاثة أيام انفجرت مصر كلها غضباً. في 18 يوم بيان هام للأمة تلو بيان، وحظر تجوال، وهروب المساجين وشائعات الانفلات الأمني والهجمات على البيوت وصرخات النساء الخرفات على التلفزيون وشائعات قطع الكهرباء والمياه ونقص الطعام، موقعة الجمل والتهديد بحرب أهلية وفوضى .. كل هذا قابله المصريون بابتسامة وقفشة ونكتة متمسكين بالأمل وهم يرتجفون من برد الشتاء في لجانهم الشعبية. وأخيرا تنحي وركع الجلاد للضحية وخرج ملايين للشارع في سعادة يحتفلون للصباح ثم عادوا لبيوتهم وناموا لأول مرة سعداء بأنفسهم وبنصرهم وبحديث العالم عنهم ليبدأ من بعد ذلك مرحلة العصف الفكري والخلافات والأسئلة .. ماذا بعد ؟ كيف ستدار المرحلة الانتقالية ؟ البعض شعر أن البلد قد عادت إليه فخرج يطلي الشوارع بألوان البهجة ويرسم على الجدران لوحات رائعة، والبعض سعى لحصد أقصى مكاسب وأن يخرج بأكبر استفادة لنفسه وأقل خسائر، اختلف المصريون واتهم كل فصيل الآخر وظهرت تهم جديدة على قاموسنا : "أنت ضد الثورة .. أنت فلول .. أنت حزب كنبة"، حل الحزب الوطني والمجالس المحلية وامن الدولة، مطالبات بإلغاء المادة الثانية من الدستور، وما بين الدينية والمدنية دار الجدال، وجدال آخر على البدائة كيف تكون ؟ الدستور أولاً أم الانتخابات ؟ كنائس تحرق وفتن طائفية تندلع وأصابع أمن الدولة لازالت تعمل في الخفاء، ومخاوف من صعود التيار الإسلامي، مرشحي الرئاسة ودعوات مستمرة لمليونية تلو مليونية، مرة لإظهار القوة ومرة صوفية، مرة تنجح ومرت تفشل، مطالب فئوبة واعتصامات في كل مكان، وتحت ضغط التظاهر والمليونيات بدأت أخيرا المحاكمات، وما بين مصدق ومكذب ظهر لأول مرة الرئيس الزعيم الفريد في قفص الاتهام لتقر الأعين إلى حين وتهدأ النفوس، ثم بينما تخرج المسيرات تطالب بسرعة القصاص إذ يقتل مصريون آخرون على الحدود وتقتحم سفارة الصهاينة ويخرج من مصر ابن صهيون، تتشكل أحزاب إسلامية ويأتي رمضان والعيد لأول مرة والمصري يردد الله أكبر كبيرا من قلبه استشعارا بمعناها. أحداث ماسبيرو ووثيقة سلمي تفجر مصر غضباً، ويعلو الهتاف "يسقط يسقط حكم العسكر" وتجرى الانتخابات في مصر ويحصد الأسلاميون فيها نصيب الأسد، يظهر الاناركيون في مصر - الاشتراكيون الثوريون -، وتندلع أحداث محمد محمود وينشأ مجلس استشاري وأحداث مجلس الوزراء .. وووو ساعات وتنتهي هذه السنة وكأنها تحمل من الأحداث أكثر لكنها تكتفي لضيق الوقت .. هل يعقل أن نصف ذكريات وتاريخ جيل يحدث في عام واحد. مع السلامة 2011 وأهلا 2012 |
Saturday, December 31, 2011
عام بنصف تاريخ
Monday, December 12, 2011
في الطابور
تسعدني وتبهجني فكرة أنك تقف في الطابور مثلي ومثل عامة الناس، اشعر معها بالأمن والسكينة وأشعر معها بالمساواة بين الجميع لا لصفة سوى أننا جميعا اشتركنا في وصف إنسان، استشعر بوقوفك في الطابور أن هناك أمل في دنيا أفضل لا يتخطى فيها كائن من كان رقبة أخاه لمجرد أنه يتميز عنه بأنه صاحب منصب أو نفوذ أو ابن أو قريب لفلان أو لأنه يمتلك ما لايمتلكه الأخرون.
قد يفطن الأذكياء لما لا يخفى من كون هؤلاء ما وقفوا في الطابور إلا كجزء من دعايتهم الانتخابية، لأنهم يزعمون أنهم سيكونوا أنصاراً للحق والضعفاء، وما كان لمنتصر للحق أن يبخس الناس حقوقهم ويتخطاهم، وما كان لنصير الضعفاء أن يدهسهم بقدمه .. نعم لكنهم لم يكونوا وحدهم في الطابور فقد وقف فيه غيرهم.
قد يقول قائل إن هؤلاء لهم مكانتهم العلمية ولابد أن يكونوا قدوة للناس ومثالاُ في الخلق يحتذي به وإلا ضاعت هيبتهم ومكانتهم .. لكنهم لم يكونوا وحدهم في الطابور فقد وقف فيه غيرهم هاني رمزي .. يسرا .. خالد صالح .. ليلى علوي قد يقال: إنهم الفنانون محل النقد والاتهام والتشهير، فهم على سمعتهم وأنفسهم أخوف. ولكنهم لم يكونوا وحدهم في الطابور بل كان في الطابور غيرهم ... فقد وقف في الطابور " واحدة رائعة رفضت رفضا باتا إنها تسيب الطابور وتذهب مع زوجها لأول الطابور بعد ما جاب إذن لها لأنها مريضة وتقوله لأ أنا مش تعبانة زيي زي الناس ". ووقفت هذه المرأة التسعينية في الطابور وغيرهم ... قد يكون الأمر هيناً عند الكثيرين لكني أراه عظيماً، فأمر عظيم فعلا أن نترك ذلك الموروث الثقافي الذي نحمله في جيناتنا والذي يأبى معه كل واحد فينا أن يقف في الطابور حتى يحين دوره، ويرى أن وقوفه خلف آخر جاء قبله انتقاصاً لا يستساغ، هذا الموروث هو نفسه الذي يجعل راكب السيارة يملأ الدنيا ضجيجاً إذا ما تجرأت السيارة التي أمامه وتعطلت، أو توقفت لأي سبب كان. ويجعل كل واحد منا يقف في أي طابور لا يهنأ له بال ولا يرتاح إلا وهو يسعى بكل ما أوتي من حيلة لأن يتخطى من أمامه، إما بالرشوة أو الواسطة والمعارف، وإما بالاستعطاف واستجداء الأخرين وإما بمحاولات اقناع الواقفين أنه صاحب حالة خاصة تختلف عنهم وتجعله جديرا لئن يكون في أول الصفوف. |
Subscribe to:
Posts (Atom)