Monday, December 03, 2012

دستور يا اسيادنا



أراهم في البحث عن ضبط وإحكام مواد الدستور بحيث لا يشوبه شائبة يمارسون صناعة الوهم اللذيذ ويروجون له بحيث ننشغل ونسلي أوقاتنا ونبحث لنا عن دور في الأحداث، ونستغله في الدفاع او الهجوم على من يختلفون معنا ... فإذا كان الله تعالى قال عن القرآن { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } فعقيدتي أن أي نتاج بشري لازم يكون فيه تناقضات وقصور، خصوصاً لما يكون نصوصه مجملة زي اختراع الدستور.

والقرآن رغم أنه منزل من عند الله لكن لأنه مجمل فهو حمال وجوه، وعشان كده بيستخدمه أصحاب الاتجاهات في الدعاية لأحزابهم وفصايلهم والهجوم على الآخرين، والله تعالى حذرنا من أمثال هؤلاء فقال { مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ } فالمشكلة مش في القرآن ولكن المشكلة في اللي في قلوبهم زيغ، عشان كده كانت الآية التي تليها مباشرة { رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا }.

إشغال الناس بتفسير كلمات الدستور كلمة كلمة - على طريقة هل ( تتكفل الدولة ) أفضل ولا ( تلتزم الدولة ) أفضل، وحط هنا ( ال ) وشيل من هنا ( ثم ) - يحمل الكثير من الخداع للناس لغرض توجيهم ضد أو مع الإخوان مش لحقيقة جودة أو سوء بنود الدستور، لأن كل رأي مؤيد أو معارض حتلاقي أمامه عدة آراء مضادة وكله من فقهاء قانونين ودستوريين، وما أكثرهم وما أكثر اختلافهم فيما بينهم، ولعدم تخصصنا في القانون ولا في اللغة مش ممكن حنقدر نوصل للإحاطة الكاملة بكل معاني المادة الواحدة في الدستور فضلا عن كل المواد ولا لحسم اختلاف المختلفين، بالإضافة إلى إن كل تفسيراتنا واجتهادنا في تحري الصواب حتضيع هباء عند سفح جبل أوليمبوس حيث يقبع في أعلاه قصر آلهة الدستورية العليا المسئولة عن تفسير هذه الكلمات حسب رؤيتهم ومزاجهم الشخصي العالي المحصن القطعي الغير قابل للنقض وانتمائاتهم السياسية الشريفة، فممكن يخلوا أي مادة غير ما أنت بتقراها وبتفسرها ووافقت عليها من الأساس .. لعب القانونيين بالألفاظ هو اللي بيحرر القاتل من حبل المشنقة ويخليه ينال التعويض المناسب من المقتول.

اسهل حاجة اللعب بالنصوص إذا كانت نفوس من يستعملونه نفوس لها هوى شخصي وميل لمصالحها ابتغاء الفتنة وابتغاء تاويله ... نفس القرآن اللي بيؤمن بيه المسلمون هو اللي استدل بيه الخوارج على كفر الصحابة، واستدل بيه الشيعة على ولاية علي، واستدل بيه كل مبتدع على صحة معتقده ... وعظماء النصارى يقفون على كل لفظ فيه ويقولون دا فيه أخطاء لغوبة ومعاني خفية، مع أننا إحنا وهم أعاجم لا نفقه في اللغة مقارنة بمن نزل القرآن فيهم ومحدش منهم عاب على لغته ولا طلع فيه أخطاء نحوية، وكالعادة الأتباع بتصدق ويمشوا وراهم ويرددوا كلامهم.

المشكلة في أشخاص من يطبق مواد الدستور والقانون مش في نصوص المواد، والدستور القديم كان فيه الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع ومع ذلك كنا بنأجر مدن البلاد للعشاق، وكان فيه حماية حرمة البيوت وكانت أمن الدولة معانا جوا البيوت.

وإذا كان الحال مع القرآن زي ما قلت فهل ممكن لأي دستور بشري يكون أفضل من كده .. فالباحثون عن دستور معصوم واضح وضوح الشمس خالي من كل خطأ أو مظنة خطأ أو شبهة تأويل ليكون إليه المرد في كل نازلة لنا وللأجيال القادمة، باحثون عن شيء يفوق القرآن وليس مجرد مثله { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا }.


القصد: أربع على نفسك .. الموضوع فعلا مش مستاهل العداوة فيه، واحتفظ بوجهة نظرك لنفسك، واترك غيرك يختار من غير خداعك ليه، واللي حابب يعرض وجهة نظره أو يبغبغ وجهة نظر حد تاني غيره فممكن يعمل دا بدون الحماس الشديد والاندفاع نحو استعداء الآخرين، أو على الأقل يصنع عداواته في الدستور بعيدا عنا.

اقترح لك أن يكون التعامل مع الدستور وتحديد الموقف منه هو تكوين رأي مجمل عن الدستور دون الاستغراق في تفاصيله الجزئية. واجعل مجهودك في الموضوع على قدر إيمانك بأهمية الموضوع، أما عني فغالب الظن أني لن أذهب ليومكم المنتظر احتجاجاً على الاهتمام المبالغ فيه بوثيقة المفروض أن تكون مجرد تفاهمات اتفق عليها الناس وقابلة للتغيير في أي وقت وليست مبتدأ وانتهاء الأمر وشعار الولاء والبراء، وليست الخافضة الرافعة المانعة المانحة، لن أذهب احتجاحاً على سعيكم لتنزيه هذه الوثيقة وانزالها منزلة القداسة وطوق النجاة لنعبدها ولتعبدها الأجيال القادمة ...

و مادمتم حولتم موضوع الدستور من مجرد إجراءات حركية وتنظيم للدولة إلى قضية فكرية وعقيدة تزرعوها في الناس .. فالشيء بالشي يذكر:

أولاً: ارفض أن يمنح الدستور للشريعة سلطاتها، والعكس هو الصحيح.

ثانياً: مفيش دستور مكون من اكتر من 200 مادة ممكن اوافق عليها من غير ما اطلع حاجات جوهرية معترض عليها، سواء بنية صالحة أو بنية افساده على الناس .. وبناء عليه " لا " حتكون نصيب أي دستور في الدنيا إلا لو دخلت مع الموافقة أو الاعتراض عوامل أخرى.

ثالثاً: هل ممكن 90% مثلا من عدد 90 مليون بني آدم يوافق كل واحد منهم بنسبة 90% على مواد الدستور بدون أي تدخل او تأثير إعلامي .. هل دا ممكن في عالم الاحتمالات ؟؟؟!!!

رابعاً: سيبوا رجل الشارع البسيط في حاله .. فهو أحسن عقيدة من سيادة المستشار .. فرجل الشارع ممكن بدون اي حرج إنه يلف الفلافل في ورقة مكتوب فيها الدستور، وهو ما لا يمكن ان يفعله مع المصحف.

No comments: