Friday, August 12, 2011

هل نفهم معنى الشريعة ؟


في حديث فتى قريش المستئذن في الزنا كان الإجراء الأولي المتبع مع من يدعو لتعطيل حكم واحد أو بعض أحكام الشريعة - سواء كان هذا التعطيل على فرد واحد أو على كل الناس – هو الإنكار والزجر والتوبيخ المعبر عن الرفض وهو واجب عموم المسلمين بلا استثناء، وقد فعل الصحابة ذلك لأنهم تعلموا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي كثيرا ما عرض عليه العز والمنعة وأسباب النجاة من البطش والقهر في مقابل تنازله عن بعض أحكام الشريعة فكان يرفض رفضاً قاطعاً.

والإجراء الثاني الذي يجب أن يقوم به المسلمون مع دعوات تعطيل أحكام الشريعة يستمد من فعل النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل على الفتى وترجم له محاسن الشريعة، وأن الشريعة إذا منعت أمراً عليه فإن حقيقة ذلك المنع هو الخير له ولأهله وللناس أجمعين، وأنه إن وجد في نفسه حرجاً مما قضى الله تبارك وتعالى فعليه أن يطهر قلبه ويغير نفسه لا أن يسعى لتغيير الدين، لأن مقتضى الإيمان التسليم بحكم الله { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }[المائدة:65]

والنبي صلى الله عليه وسلم في سماحة وسعة صدر وفي كلمات بسيطة تناسب فهم كافة الناس شرح لذلك الفتى وترجم له مقاصد الشريعة بطريقة عملية تناسب حاجاته ومسألته.

فالشريعة هي السماحة وسعة الصدر واستيعاب الآخرين كما قال صلى الله عليه وسلم : " بعثت بالحنيفية السمحة ".

والشريعة هي رحمة الله للناس كافة { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } [الأنبياء:107]

والشريعة هي رفع الحرج وأسباب الضيق عن الناس { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ }[الحج:78]، { مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ }[المائدة:6]

والشريعة هي التيسير على الناس { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ }[البقرة:185]

والشريعة هي التخفيف على الناس { يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ }[النساء:28]

والشريعة هي التطبيق العملي لأمر الله تعالى { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }[النحل:90]

فواجب المسلمين الثاني وفقاً لحديث المستئذن في الزنا هو تبيان الشريعة ومقاصدها ومحاسنها للناس، تماما كما فعل قدوتنا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.

لكن للأسف نحن كأفراد مسلمين نعرض الشريعة بصورة عشوائية فتبدو للمستمع وكأنها شريعة قادمة من كوكب آخر، هناك من إذا سأل ماذا يحدث لو طبقت الشريعة ؟ فيجيبك أنهم لو ( طبقوا ) الشريعة - وكأنه غير مخاطب بالتكليف الآمر لتطبيق شرع الله – فسيجعلون الرجال يطلقون اللحية، وسيمنعون السجائر، وسيمنعون التلفزيون، وسيمنعون الخروج للشواطئ.

ولا أدري إن كانت هذه الشريعة فماذا كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم طوال 23 عام في وقت كان كل الرجال ملتحين ولم يكن هناك لا تلفزيون ولا سجائر ومكة والمدينة بلا شواطئ.

لقد قام النبي صلى الله عليه وسلم بتطبيق وتبيان الشريعة على أكمل وجه، لذلك تجد عمقاً في فهم الصحابة رضوان الله عليهم للشريعة، ومن المواقف المبهرة الدالة على هذا الفهم العميق لمحتوى الشريعة ومقاصدها موقف ربعي بن عامر مع رستم قائد الفرس، إذ لما طلب رستم من المسلمين أن يرسلوا إليه أحدهم ليعرض عليه دينهم، فأرسل إليه سعد ابن أبي وقاص فردا عاديا من عوام جيش المسلمين – لو طلب منا أوباما مبعوثاً يعرض عليه الإسلام لاحتارنا وخضنا وبحثنا وشكلنا لجنة من كبار علماء الإزهر ولفيف من رجالات الفكر الإسلام ليعرضوا دين الله -، أرسل سعد إلي رستم ربعي بن عامر جنديا من جنود المسلمين لا من قادتهم يحمل في قلبه مثله مثل سائر أفراد الجيش فهماً كبيراً لهذا لدين فلما سأله رستم عن دينه أجاب: ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.

يخرج العباد من طغيان البشر وتسلطهم واستعبادهم فالشريعة هي الحرية.

ويحقق العدل بين الناس جميعا فبعد أن كان إذا سرق الشريف يترك وإذا سرق الضعيف تقطع يده أصبح القانون سارياً على الجميع فلو أن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم سرقت لقطع محمد صلى الله عليه وسلم يدها فالشريعة هي العدالة.

ويسعى لإخراج الناس من ضوائق المعايش بالتوسعة عليه في معايشهم بما لا يخالف أوامر الله ويحقق لهم سعادة الدنيا والنجاة في الآخرة بخلاف ما تصنعه الأنظمة الغربية التي تسعي للتوسعة في الدنيا على حساب الآخرة، فالشريعة هي الإصلاح والتنمية.

إذا فربعي قدم الشريعة من خلال ثلاث محاور وهي الحرية والعدالة والإصلاح.

ولم يقتصر فهم مضمون الشريعة على المسلمين وحسب بل إن مجهود النبي صلى الله عليه وسلم في إفهام مقاصد الشريعة وصل حتى إلى غير المسلمين فتجد أن أبا سفيان وهو لا يزال على الكفر عندما يسأله هرقل إمبراطور الروم عن النبي صلى الله عليه وسلم ومع وجود قوم من قريش معه يسمعونه يقول أبو سفيان : " لولا الحياء أن يؤثر علي كذباً لكذبت في هذا الموطن " فاضطر إلى قول الحقيقة ومفهومه عن الإسلام فلما سأله هرقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وماذا يأمرهم ؟ قال أبو سفيان : " يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيء واتركوا ما يقول آباؤكم ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة ".

هذه هي الشريعة كما فهمها غير المسلم من النبي صلى الله عليه وسلم، فهمها على أنها التوجه الكامل لله عز وجل وحده لا لغيره من البشر، والدعوة إلى مكارم الأخلاق.

هكذا استطاع النبي صلى الله عليه وسلم أن يوصل مضمون الشريعة إلى المسلمين وغير المسلمين وهكذا كان فهمهم للشريعة وهكذا ينبغي أن نفهمها ونعرضها للناس جميعاً.

2 comments:

Dr Ibrahim said...

جزاك الله خيرا
ماشاء الله بارك الله فيك
استئذنك فى نشرها مع وضع رابط لمدونتك وحفظ الحقوق لك..جعله الله فى ميزان حسناتك

ma 3lina said...

Dr Ibrahim
جزانا الله وإياكم وبارك الله فيك .. والمدونة لك وليس في الدعوة حقوق ..
:)
جزاك الله خيرا مرة أخرى ولاتنسنا من صالح دعائك