التشابه بين أحكام الإسلام والمياه لا يقتصر فقط على اشتراكهم في كلمة "شريعة" التي تعني في اللغة مورد الماء الظاهر السهل المتسع لكل من يرده، وكذلك تعني في اللغة المستقيم الظاهر من المذاهب، ولكن يمتد التشابه وتتكرر نقاط التلاقي في أشياء أخرى منها: 1- أن الماء وأحكام الإسلام كلاهما سبب الحياة فالله عز وجل يقول عن الماء { وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ }[الأنبياء:30] ويقول تعالى { وَاللّهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ }[سورة النحل: 65]، ولو لم يوجد الماء لانتفت الحياة واضطربت أحوال الناس، وكذلك الشريعة فيها حياة القلوب والأرواح، فشريعة الإسلام للقلب والروح تساوي شريعة الماء للبدن لذلك قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ }[سورة الأنفال: 24]. 2- أن الماء وأحكام الإسلام كلاهما أسباب الطهارة، يقول الله عز وجل { وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا }[الفرقان:48]، ويقول عز وجل في شرائع الإسلام { مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ }[المائدة: 6]، ويقول عز وجل { فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ }[عبس:13-14]. 3- أن الماء وأحكام الإسلام كلاهما يتصفان بالبركة لأنهما أسباب النماء والزيادة وأبواب كثيرة للخير، يقول عز وجل عن الماء { وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا }[ق:9]، ويقول تعالى عن الوحي { وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ }[الأنعام:92]. 4- أعظم الملائكة جميعهم هما جبريل وميكال، فأما الأول فموكل بالوحي ونزول الشرائع وأما الثاني موكل بالقطر ونزول الغيث والرحمة، قال ابن ابي العز الحنفي في شرح العقيدة الطحاوية عن الملائكة: " ورؤساؤهم الأملاك الثلاثة: جبريل وميكائيل وإسرافيل. الموكلون بالحياة؛ فجبريل موكل بالوحي الذي به حياة القلوب والأرواح، وميكائيل موكل بالقطر الذي به حياة الأرض والنبات والحيوان، وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور الذي به حياة الخلق بعد مماتهم ". 5- يضرب لنا الله تبارك وتعالى مثل لأحكام الإسلام والوحي كالماء الذي أنزله من السماء فكان يعلو عليه فيما يبدو للناس زبد - وهي أهواء الناس التي يدخلونها على الدين - يظنه الناس من الماء لكن ما يلبث أن يزول ويمكث في الأرض الماء الذي ينفع الناس، يقول تعالى { أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ }[الرعد:17]. 6- يضرب لنا رسول الله عز وجل مثل للوحي بالماء المنزل من السماء، ففي صحيح البخاري عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيب أصاب أرضا، فكان منها طائفة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب والكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا ورعوا وسقوا وزرعوا، وأصابت طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك الماء ولا تنبت الكلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه الله بما بعثني ونفع به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به ". |
Wednesday, September 28, 2011
الشريعة والمياه
Saturday, September 24, 2011
أهون السقي التشريع
شَرَعَ: أي بدأ، وشَرَعَ طريقاً أي فتحه وأنفذه. في القاموس المحيط شَرَعَ في الأمر أي خاض فيه، وشَرَعَ الشيء أي رفعه جداً. يقول تعالى { إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا }[الأعراف:163] أي ظاهرة مرفوعة فوق الماء. وشَرْع أي زاد ومؤونة في السفر، تقول " شَرْعُكَ ما بَلَّغَكَ المَحَلَّ " أي حسبك من الزاد ما بلغك مقصدك. وفي لسان العرب شَرَعَ فلان إِذا أظهر الحق وقمع الباطل. وفي المعجم الوسيط: الشرع هو السواء يقال نحن في هذا شرع أي سواء. الشراع: المكان العالي، وفي لسان العرب المواضعُ التي يُنْحَدر إِلى الماء منها، ومنه شراع السفينة وهو ما يظهر منها ويساعد على دفعها وحركتها. الشارع: هو الطريق الأعظم الواسع المبلغ للغاية، وفي القاموس المحيط: دار شارعة ومنزل شارع أي دار تقع على طريق نافذ. والشارع أيضاً أي العالم الرباني العامل المعلم الذي يرده الناس. الشريعة: هي الماء الكثير الظاهر الغير منقطع، وفي لسان العرب: الشَّريعة مورد الماء الذي تشرع فيه الدواب – أي تشرب منه -، وهي مورد الشاربة التي يشرعها الناس – أي يردها - فيشربون منها ويستقون وربما شرعوها دوابهم حتى تشرعها وتشرب منها والعرب لا تسميها شَريعةً حتى يكون الماء عِدًّا لا انقطاع له ويكون ظاهراً مَعِيناً. يقول تعالى { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ }[الملك:30]، أي ماء ظاهر يدرك بالعين تستطيعون ان تنالونه بسهولة دون كبير مشقة. ويقول العرب أهون السقي التشريع أي أسهل السقاية للناس وللإبل هي عند وجود شريعة الماء الظاهرة التي لا انقطاع لها ولا حاجة لنزع ولا حاجة لاستعمال أية أدوات للوصول إلى الماء. والشريعة: هي الظاهر المستقيم من المذاهب، كما جاء في القاموس المحيط. التشريع: القاموس المحيط: إيرادُ الإبل شريعة لا يحتاج مَعَها إلى نزع بالعلق ولا سقي في الحوض. من هذا كله يمكن تحديد الخصائص التي لا بد أن يتسم بها المنهج ليصح إطلاق وصف " شريعة " عليه انطلاقاً من المعنى اللغوي للفظ " شريعة "، فالشريعة هي المذهب الظاهر المستقيم الواسع الممتد الشامل لكل الذي يحتاج إليه الإنسان في رحلته في الحياة لتساعده على الحركة دون مشقة، ويتساوى فيه كل الناس، ويتميز بقربه ووضوحه وسهولة الوصول إليه. لاستفادة أكبر يمكن الاطلاع على الرابط التالي خصائص الشريعة |
Saturday, September 10, 2011
الحرب
من أسوأ ما اكتسبته كمصري من تريبة نظام مبارك المذلة هو الخوف من الحرب وتمجيد أي سلام، وكأن الحرب وحدها هي كل العار الذي يجب أن نفر منه حتى ولو كانت من أجل قضية نؤمن بها، تربية تجعل من الرجال نعاج "تمشي جنب الحيط" و"تبعد عن الشر وتغنيله كمان" مهما كان عدالة القضية إبثاراً للسلامة، وأصبحت العيون تدور كالذي يغشى عليه من الموت كلما جاء ذكر القتال أو علا احتمال الحرب. اختفت من مناهجنا { كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم } وعلت مكانها { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } رغم أنها نزلت في قوم أرادوا ترك الإنفاق في مصرف الجهاد في سبيل الله. وركنا إلى أننا لم نستعد بعد وأن الله تعالى يقول { وأعدوا لهم } فطال انتظار كمال الاستعداد رغم أن بقية الآية تقول { ما استطعتم } ولم تكلفنا باكثر من حد الاستطاعة. مصمصنا الشفاة ونحن نستمع لصورة "خيالية مثالية هلامية غامضة" تحكي لنا كيف أن صلاح الدين كان يمر على جيشه ليلاً يرى ما يصنع جنوده فلما تبين له أن الجيش ( بأكمله ) يقوم الليل انطلق بالجيش نحو حطين وبيت المقدس، فتحولت قصة الجهاد إلى حجر عثرة وجعلت شرطاً يساق إليك كلما قلت بحتمية الحرب ليثبت من خلالها مخذلك أننا لم نستعد بعد للحرب. وتناسينا كيف أن جيش طالوت لم يكن أحسن حالاً منا الآن لما طلبوا الحرب ثم تولوا بعد أن كتب عليهم الفتال وشربوا من النهر أكثر من الشربة المسموح بها وقالوا لما فصل طالوت بهم { لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده } ورغم كل هذا الضياع كان النصر حليفاً للفئة الصابرة الثابتة منهم وإن كانت قليلة في وسط الكثير الغثاء، وعلت الأمة كلها وسادت وتمكنت { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين }. أزال نظام الفساد من أذهاننا روعة وجمال مقتلنا في سبيل ما نؤمن به ورسخ في عقولنا قبيح أفكار تدعو لنبذ الحرب لأنها تجلب الدمار، رغم أن الحروب هي التي تصنع تقدم الأمم وتجعلها دائما في حالة من السعي والاجتهاد من أجل الظهور على عدوها، وعدونا الصهيوني يستمد قوته من صناعة العداوة مع جيرانه، ونحن الجيران نستمد الغباوة بتلقينا الصفعات وقولنا المسامح كريم. وما المانع الذي يحول بيننا وبين أن نقاتل ونحارب من أجل الله وطمعا في فضل الله في نفس الوقت ؟؟!! كان ولا يزال أكثر ما يفتخر به مبارك وابناؤه أنه "عيّشنا" في سلام، رغم أننا لم نكن نتخطف من الأرض قبله، ولم يمت آباؤنا جوعاً. ثم أصلاً ولما الخوف من الحرب إذا كنا رضينا ابتداءاً بالموت تحت ظل حكمه الرشيد، هل يعقل أن نقبل بالموت شريطة أن يكون في العبارات أو غرقي ونحن نهرب إلى إوربا أو محروقين في القطارات أو قتلى على الطرق بينما نرفض نفس الموت إن كان في سبيل الله والوطن وقضية نؤمن بها. هل هذا هو السلام الذي نتغنى به : أن نموت بلا كرامة ؟؟؟ هل السلام الذي جلبه لنا النظام الفاسد المهين أن يبعث أبناء الجيش المصري ليقاتلوا نيابة عن الأمريكان في حرب تحرير الكويت ويكونوا في الصفوف الأولى يتلقوا الرصاص في سبيل شركات البترول الغربية ومكاسب تحطيم دولة العراق. أم أن السلام الذي جلبه لنا هو أن يبعث كوكبة من مهندسي الجيش المصري لتتحطم طائرتهم في ظروف غامضة .. ويموتوا أيضا .. هل هذا الموت الذي ارتضاه "أبونا" مبارك لجيشنا عوضا عن الموت في الحرب ؟؟ أهذا هو السلام الذي يدافعون عنه .. سلام الضعفاء وقتلى الطرق والمخنثين كما وصف ميكافيللي الفرس قديماً لما تركوا سلاحهم وركنوا إلى سلام مزعوم فقال عنهم: "هؤلاء حولهم السلام الطويل إلى أنصاف رجال مخنثين". وبالمناسبة يقول ميكافيللي رجل السياسة الخبير الذي نصح فأخلص النصيحة السياسية لأميره لكي ينهض بأمته: " أن الأمة التي تفقد الفضائل العسكرية أمة هالكة لا محالة. والجيش لا يحتاج إلى الذهب بل إلى الرجال؛ لأن الذهب وحده لا يأتي بالجند الصالحين على الدوام، ولكن الجند الصالحين يأتون بالذهب، والذهب ينساب إلى خزائن الأمة القوية، ولكن القوة تفارق الأمة الغنية لأن الثراء يعمل على الراحة والاضمحلال؛ ولهذا يجب أن يظل الجيش مشغولاً على الدوام، فحرب صغيرة تشب من حين إلى حين تبقى العضلات العسكرية صالحة والجهاز الحربي صالحاً متأهباً." هذه هي السياسة التي تمارسها أمريكا لتبقى على قوتها، فما من فترة زمنية في المائة عام الأخيرة بقى الجيش الأمريكي فيها ساكناً بلا حرب يدعو إلى السلام، ولم يضع عدونا الصهويني سلاحه طوال هذه المدة التي بقينا نحن نغني "اخترناك" لصوت الحكمة في المنطقة، فما أن كتب عدونا معنا سلام مزعوماً حتى تفرغ لحرب هنا ضد لبنان ثم حرب هناك ضد العزل من أبناء فلسطين وأخرى ضد حزب الله وأخيرة ضد غزة وحماس. إذن مرحباً بالحرب، فليست كل الحروب شر وليس كل السلام خير، وأن نموت في حرب فتحيا أمة ويخلد التاريخ سيرتنا وننال نصراً أو شهادة خير لنا من أن نموت على فراشنا في سلام مذل ومهين فرضه علينا عدونا فرضاً بينما هو يتسلى بين الحين والآخر بقتل أبناءنا على الحدود، أو يلعنّا من يأتي بعدنا وهو يقرأ عنا خبراً في التاريخ لا يتجاوز السطر الواحد : "قتل في مثل هذا اليوم 1400 مصري غرقى أو محروقين". |
Subscribe to:
Posts (Atom)