Monday, February 13, 2012

خالد العيار - مالك بن الريب - أبو جلدة



استشعر في كلمات ومقصود المهندس محمد عبدالله في البوست السابق أن هؤلاء البلطجية أو الرعاع أو سمهم كيفما تشاء يحملون من المبادئ والقيم ما يعجز غيره من أصحاب المقامات الرفيعة عن حمله، وكأنه يقول لا يغرنك قبح المنظر ولا سوء الكلام ولا تلفظه بقبيح القول ولا إتيانه بذيء الفعل لتتعالى عليه وتظن أنك أفضل منه وأعقل وأحكم وأدرى وأجدر أن يسمع لك، فكل ما هنالك أن هذا البلطجي - بنظرك - مع كل الطاقة الإيجابية الكامنة بداخله لم يجد من يوجهه في الطريق الصحيح ليفيد نفسه وأمته مثلما توفر لغيره، ولعله إن توفر له ذلك لكان قائداً عظيماً أو عالماً فذاً، بينما إن كان غيره من المتعالين عليه المتبرئين منه في مكانه لكانوا أشر منه وأشد قبحاً.

وعلى نفس المنوال فإن شباباً مثل شباب الألتراس أعلن أن لديه الاستعداد أن يموت في سبيل قضية "الكرة وناديه"، فمثل هؤلاء عندما نتحدث عنهم نلوم عليهم سوء اختيارهم لقضيته، لكننا في نفس الوقت نقف لهم احتراماً وإجلالاً لأنهم أولاً لديهم قضية وثانياً وهذا هو الأهم لأن أحدهم لديه الاستعداد لأن يموت من أجل قضيته، فهذه مبادئ نعجز جميعاً – إلا ما رحم ربي – عن مجاراتهم فيها.

الجميع تبرأ منهم .. الجميع قال لا نعرفهم وليسوا منا .. ممن هم إذن ؟

هؤلاء البلطجية الرعاع الأوباش لم يجدوا من يوجه طاقاتهم، لأن الجميع يتخلى عنهم ويتبرأ منهم .. المثقفون والإسلاميون والعسكريون فمن إذن يبقى لهم ليوجه طاقاتهم المتفجرة اللا موجودة عند غيرهم ؟

هل تعلم من هو أبو الهيثم العيار اللص الطرار ؟

هو أبو الهيثم خالد الحداد كان لصاً سارقاً، ولكنه كان يحمل من القيم الكثير، من العقل والحكمة الكثير، كان يرفض الخضوع ويآباه ويحب الرياسة وكان يضرب به المثل في الصبر لأنه كان يؤتى به فيجلد بسبب السرقة فلا يظهر ألمه لأحد ويكتمه في جوفه، قيل له يوماً: يا خالد ما أنتم لحوم ودماء فيؤلمكم الضرب ؟!! ، فقال: بلى يؤلمنا ولكن معنا عزيمة صبر ليست لكم.

قال له الخليفة المتوكل يوماً: ما بلغ من جلدك ؟، قال : املأ لي جرابي عقارب ثم أدخل يدي فيه، وأنه ليؤلمني مَا يؤلمك، وأجد لآخر سوط من الألم مَا أجد لأول سوط، ولو وضعت فِي فمي خرقة وأنا أضرب لاحترقت من حرارة مَا يخرج من جوفي ، ولكنني وطنت نفسي عَلَى الصبر ، فقال له الفتح بن خاقان وزير المتوكل: ويحك مَعَ هَذَا اللسان والعقل مَا يدعوك إِلَى مَا أنت عَلَيْهِ من الباطل ؟؟! ، فَقَالَ : أحب الرياسة، فَقَالَ المتوكل : نحن خليديه - أي مثله -.

وقال داود بن علي: لما قدم بخالد اشتهيت أن أراه، فمضيت إليه فوجدته جالسا غير متمكن لذهاب لحم إليتيه من الضرب، وإذا حوله فتيان فجعلوا يقولون ضرب فلان وفعل بفلان كذا، فَقَالَ لهم: لا تتحدثون عن غيركم افعلوا أنتم حتى يتحدث عنكم غيركم.

هل هذا هو البلطجي الذي يتبرأ منه الجميع ويستعلي عليه أم خبير تنمية بشرية .. هل تعلم ماذا فعل أيضاً ؟؟

عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَدَ بْن حنبل ، أنه كان يَقُول : كنت كثيرا أسمع والدي أَحْمَد بْن حبنل، يَقُول: رحم اللَّه أبا الهيثم، فقلت: من أَبُو الهيثم ؟ فَقَالَ: أَبُو الهيثم الحداد لما مددت يدي إِلَى العقاب وأخرجت للسياط إذا أنا بانسان يجذب ثوبي من ورائي، ويقول لي؟ تعرفني ؟ قلت: لا، قَال: أنا أَبُو الهيثم العيار اللص الطرار مكتوب فِي ديوان أمير المؤمنين – الأمن الوطني بتاعهم - إني ضربت ثمانية عشرة ألف سوط بالتفاريق، وصبرت فِي ذلك عَلَى طاعة الشَّيْطَان لأجل الدنيا، فأصبر أنت فِي طاعة الرَّحْمَن لأجل الدين.

الإمام أحمد يدعو كثيرا لأبي الهيثم !! .. هل تسمعون عن مالك بن الريب ؟؟

كان مالك شابا شجاع فاتكاً لا ينام الليل إلا متوشحاً سيفه استغل قوته في قطع الطريق هو وثلاثة من أصدقائه, لازم شظاظ الضبي الذي قالت عنه العرب ألص من شظاظ. طاردهم مروان بن الحكم فهربوا منه إلى فارس.

ولما ولي معاويةُ - رضي الله عنه - سعيدَ بن عفان - حفيد عثمان بن عفان رضي الله عنه - على خراسان مر وهو متوجه لإخماد فتنة في تمرّد بأرض خُرسان على مالك بن الريب، وكان من أجمل الناس وجهاً، وأحسنهم ثياباً فلما رآه سعيد أعجبه، وقال له: مالك، ويحك تفسد نفسك بقطع الطريق! وما يدعوك إلى ما يبلغني عنك من العبث والفساد، وفيك هذا الفضل! قال: يدعوني إليه العجز عن المعالي، ومساواة ذوي المروءات ومكافأة الإخوان - بلطجي من أجل أن ينال المعالي بين إخوانه - ، قال: فإن أنا أغنيتك، واستصحبتك، أتكف عما كنت تفعل؟ قال: إي والله أيها الأمير، أكف كفاً لم يكف أحد أحسن منه. فاستصحبه، وأجرى له خمسمائة درهم في كل شهر.

واستجاب مالك لنصح سعيد وأبلى بلاءً حسناً وحسنت سيرته وعاهد الله جميل العهد حتى قتل وهو في غزو، إذ لسعته أفعى وهو في القيلولة فسرى السم وأحس بالموت فقال قصيدة يرثي بها نفسه وتعتبر من عيون المراثي ومن أرق وإجمل ما كتب في رثاء النفس.

فهل فينا مثل سعيد ؟؟

وإلى وقت قريب كان أهل الخبرة والحنكة والقادة العظماء يوجهون هذه الطاقات المهدرة نحو ما فيه الخير والصلاخ للنفس والأمة، وما أبو جلدة وعز الدين القسام عنا ببعيد.

كان أبو جلدة قاطع طريق في بداية القرن العشرين ولكن كان فيه من المروءة والشرف ما يخجل معه الشريف فينا من نفسه .. سارت في الطريق الذي كان يقطعه امرأة شديدة الجمال ومعها خروف، فأوقفها رجال أبو جلدة وسألوها عن وجهتها فأجابت: إلى أبي جلدة أهديه الخروف، على أن ينتقم من قتلة زوجي المقطوع من شجرة لأنها أيضاً مقطوعة من شجرة وليس لها أحد، فلما بلغ أبي جلدة كلامها وهو في المغارة وهي على الطريق أمر بردها مع خروفها وألا تدخل إليه المغارة لأنه لا يليق بها أن تدخل عليه ووعدها أن ينتقم ممن قتل زوجها ووفى بوعهده معها.

أبو جلدة والعرميط ياما كسروا برانيط .. برانيط الانجليز المحتلين فأذاقهم بأعمال اللصوصية ما طار معه صوابهم وتندر به أهل فلسطين عقود طويلة.

يحكى أن رجلاً موسراً شعر بدنو الأجل فأمر ولده أن يوزع دنانيره كل في مصرف، وأمره أن يجعل مائة دينار يعطيهم لأي خريب ذمة من اللصوص وقطاع الطرق لأنهم يقتلون النفس من أجل عشرين دينار فلو اكتفى أحدهم بالمائة عن قتل خمسة أنفس كان له بهذا أجرا عند الله.

فلما مات الرجل وأراد الولد أن ينفذ وصية والده بحث عن أكتر الناس لصوصية وقطعاً للطريق ليكون هو خريب الذمة المنشود، فأخبره متابعو الإعلام الحكومي أن أبا جلدة هو المنشود فذهب إلى الطريق الذي يقطعه أبو جلدة وأعوانه فأوقفوه وسألوه عن وجهته فقال أريد أبا جلدة أعطيه هدية، فلما وصل رفض أبو جلدة أن يأخد من المال شيء حتى يعرف حقيقة مصدره واستحلف الولد أن يخبره عن حقيقة المال فقص عليه الولد وصية والده وأنه بحث عن خريب الذمة ليعطيه المال، فغضب أيو جلدة وقال له نحن لا نقتل من أجل المال، وأمره أن يذهب إلى عمدة قرية لجواره فأمثال هؤلاء الحكام والساسة هم خريبو الذمة، فذهب الولد للعمدة ليهديه المال، فما كان من العمدة الضلالي إلا ان اتهم الولد بأن الوالد قد ترك له أكثر من ذلك وأن الولد قد سرق من المال لنفسه !!!.

وفي الثلاثينيات سئل المجاهد البطل عز الدين القسام عن رأيه في أبي جلدة الذي كان يسلب الإنجليز واليهود وكذلك عن نشاط أهل الشعراوية وجبل نابلس الذين كانوا يقطعون أشجار اليهود ويسمُّون الحيوانات والذين كان ينعتهم الناس باللصوصية وقطاع الطرق فلم يتبرأ منهم ولم يقل لا نعرفهم وإنما أجاب: دعهم يعملون، لأن في عملهم رجولة سنحولها في يوم من الأيام إلى جهاد، وما دام المستعمر يرغب في إماتة قلوبنا، فإن هؤلاء أقرب إلى الله وإلى حبِّ الجهاد من المستكينين.


No comments: